كان مطمئنا إلى أن الدنيا تنتهي عن يمينه بهذه القناة التي لم يكن بينه وبينها إلا خطوات معدودة . ولم لا وهو لم يكن يرى عَرْضَ هذه القناة، ولم يكن يُقدر أن هذا العرض ضئيل بحيث يستطيع الشاب النشيط أن يثب من إحدى الحافتين فيبلغ الأخرى؟! ولم يكن يقدر أن حياة الناس والحيوان والنبات تتصل من وراء هذه القناة على نحو ما هي من دونها، ولم يكن يُقدّر أن الرجل يستطيع أن يعبر هذه القناة ممتلئة دون أن يبلغ الماء إبطيه، ولم يكن يقدر أن الماء ينقطع من حين إلى حين عن هذه القناة، فإذا هي حفرة مستطيلة يعبث فيها الصبيان، ويبحثون في أرضها الرخوة عما تخلف من صغار السمك أنَّ هذه القناة عالم آخر مستقل عن العالم الذي كان يعيش فيه، تعمره كائنات غريبة مختلفة لا تكاد تحصى؛ منها: التماسيح التي تزدرد الناس ازدرادًا، ومنها المسحورون الذين يعيشون تحت الماء بياض النهار وسواد الليل، حتى إذا أشرقت الشمس أو غربت طفوا يتنسمون الهواء، ٢ وهم حين يطفون خطر على الأطفال وفتنة للرجال والنساء. ومنها: هذه الأسماك الطوال العراض التي لا تكاد تظفر بطفل حتى تزدرده ازدرادًا، والتي قد يتاح لبعض الأطفال أن يظفروا في بطونها بخاتم الملك ؛ ذلك الخاتم الذي لا يكاد الإنسان يديره في إصبعه حتى يسعى إليه دون لمح البصر خادمان من الجن يقضيان له ما يشاء، ذلك الخاتم الذي كان يتختمه سليمان فيُسخّر له الجن والريح وما شاء من قوى الطبيعة. وما كان أحب إليه أن يهبط في هذه القناة لعل سمكة من هذه الأسماك تزدرده فيظفر في بطنها بهذا الخاتم؛ فقد كانت حاجته إليه شديدة . ألم يكن يطمع على أقل تقدير في أن يحمله أحد هذين الخادمين إلى ما وراء هذه القناة ليرى بعض ما هناك من الأعاجيب ولكنه كان يخشى كثيرا من الأهوال قبل أن يصل إلى هذه السمكة المباركة. فأما عن يمينه فقد كان هناك العدويون وهم قوم من الصعيد يقيمون في دار لهم كبيرة يقوم على بابها دائما كلبان عظيمان لا ينقطع نباحهما، ولا تنقطع أحاديث الناس عنهما، ولا ينجو المار منهما إلا بعد عناء ومشقة، والتي كانت تختلف إلى الدار وتقبل صاحبنا من حين إلى حين، فيُؤذيه خِزَامها ويَرُوعه. اللهو والعبث تملأ نهاره كله. والقناة التي كانت تنتهي إليها الدنيا، وسعيدًا» و «كوابس» وكلاب العدويين، ولكنه يحاول أن يتذكر مصير هذا كله فلا يظفر من ذلك بشيء، وكأنه قد نام ذات ليلة ثم أفاق من نومه فلم ير سياجا ولا مزرعة ولا سعيدًا ولا كوابس،