يعتبر المسجد أول وأهم مؤسسة دينية في الإسلام، يشهد لهذا عمليا مبادرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى بناء المسجد فور وصوله إلى المدينة، وأهمية المسجد تكمن في أمور كثيرة في طليعتها أداء الصلوات الخمس كل يوم، أين يلتقي المسلمون ويتفقد كل منهم حال الآخر، كما أن أهميته ليست إقامة الصلاة فحسب، بل أمور أخرى مهمة لا تتحقق إلى من خلال المسجد ومنها: حلقات قراءة القرآن وحلقات الذكر والاعتكاف، وإقامة الحلق العلمية في المسجد والالتقاء بالمفتين، لها أثرها البالغ في إيجاد الوقاية التامة من الانحراف نحو الجريمة، فالمساجد فيها المنابر وكراسي الوعظ التي ينبغي أن تستغل لبيان موقف الإسلام من تعاطي المخدرات وبيان مضارها. كما أن المسجد فيها الرقابة غير المباشرة من خلال إمامه، فهو النذير المبكر للمجتمع عن وجود سوء وشر قادم، أو ظهور بوادر إدمان شخ، ودور الإمام الناصح الموجه أو المبلغ للأسرة وأولي الأمر لاتخاذ الإجراء المناسب لوقاية أبنائهم وذويهم. فالمسجد إذن هو المنطلق لتكوين الفرد المسلم والمجتمع بأبعاده الإنسانية والاجتماعية والفكرية، لما يقوم به من دور هام في الإرشاد والتوجيه. كما أنه دار إشباع ومركز النور الساطع، بل معقل من معاقل الهداية والتوجيه، وهو مدرسة لتقويم سلوك الإنسان وتقوية إرادته ودفعه إلى الاستقامة والخير. ويمكن محاربة ظاهرة تعاطي المخدرات من خلال الدور التربوي للمسجد، حيث يعتبر المسجد أحد المؤسسات التربوية ذات الدور المباشر في التأثير على حياة الفرد المسلم وسلوكياته ومعاملته مع أفراد المجتمع حوله، فالمسجد جامع وجامعة لأنه يمثل الحياة، ليكون فرداً صالحاً في المجتمع الإسلامي الكبير. هذا ويجب أن تتم محاربة ظاهرة تعاطي المخدرات من خلال الخطب والمحاضرات التي تلقى في المساجد والندوات التي تعقد به لمناقشة آثارها المختلفة على الفرد والمجتمع عامة. ورغم خطورة المخدرات السلبية في تدميرها الشباب وانحرافاتهم، إلا أنها تبقى مشكلة تحتاج إلى تفهم وحل، فمثلها مثل باقي المشكلات الأخرى التي تحتاج إلى تفهم وتحليل لجزئياتها ومعرفة لأسبابها ووضع الفروض الاحتمالية لحلها وتبني خطة علاجية للتخلص منها، بينما مخاطبة الناس ( وبالذات المتعاطين للمخدرات منهم) بلغة القسوة والتعنيف والزجر بأن نخيفهم لدرجة اليأس، وأن مأواهم جهنم وبئس المصير وأنهم مهما فعلوا لن يغفر الله لهم. إن مثل هذا الخطاب وهذه الرسالة فيها إجحاف وظلم وتجن على هؤلاء، فمن أراد التوبة فله ذلك والمجال واسع أمامه، وتبقى الجنة والنار ليست من منظورنا نحن البشر القاصرين والعاجزين، وليس لنا مجال في حرمانها أو منحها لمن نريد ونحب أو منعها عمن نريد ونكره، وإمام المسجد ينبغي أن يكون المتفهم الأول والأب الحاني على أبنائه المخطئين من المتعاطين للمخدرات، وأن لا يكون مغلقاً أبواب الرحمة والمغفرة عنهم بأحاديثه المخيفة والمرعبة بالنار وجهنم، ومن يأتي المسجد فهو يريد كلاماً يقربه إلى الله ويبعده عن شلة السوء. وكفانا الله شر البلية وأبعدنا عن جهل الجاهلين وجنبنا كل سوء، وإمام المسجد أمام ذلك كله عليه أن يتصف بالشمولية والتحلي بالصبر والأخلاق وتميزه بقدرة مخاطبة الناس باختلاف عقولهم وأعمارهم ومستوى تعليمهم، وهذه القدرة لا نجدها بين كل الناس لذا فإن انتقاء الإمام أو خطيب المسجد في الحديث في هذه الأمور يجب أن يكون مميزاً لما فيه من استقطاب أو تنفير حول الموضوع وخاصة إن كان موضوعاً فيه من الحساسية كموضوع المخدرات الذي نحن بصدده، ويبقى المسجد كما عهدناه عبر تاريخنا المجيد مكانا نتلقى في داخله العبادات والإرشادات والنصائح والتهذيب والمغفرة والهداية.