وكان لا يدخل بيته ثمرة منها ولا إلى منزله حتى يعطي كل ذي حق حقه. فلما قبض الشيخ وورثه بنوه - وكان له خمسة من البنين- فحملت جنتهم في تلك السنة التي هلك فيها أبوهم حملا لم يكن حملته من قبل ذلك، فراح الفتية إلى جنتهم بعد صلاة العصر, فشاهدوا ثمرا ورزقا فاضلا لم يعاينوا مثله في حياة أبيهم. وقال بعضهم لبعض: إن أبانا كان شيخا كبيرا قد ذهب عقله وخرف، فهلموا نتعاهد ونتعاقد فيما بيننا أن لا نعطي أحدا من فقراء المسلمين في عامنا هذا شيئا، ثم نستأنف الصنعة فيما يستقبل من السنين المقبلة. أي قال لهم أوسطهم: اتقوا الله وكونوا على منهاج أبيكم تسلموا وتغنموا، فلما أيقن الأخ أنهم يريدون قتله دخل معهم في مشورتهم كارها لأمرهم، فراحوا إلى منازلهم ثم حلفوا بالله أن يقطفوا ثمارهم إذا أصبحوا، فأشار القرآن إلى أنهم كيف أقسموا على قطف ثمار مزرعتهم دون إعطاء الفقراء شيئا منها، وحال بينهم وبين ذلك الرزق الذي كانوا أشرفوا عليه. فقد أراد أن يجعل لهم آية تهديهم إلى الإيمان به والتسليم لأوامره بالإنفاق على المساكين وإعطاء كل ذي حق حقه.