في إشارة جد معبرة عن وضعية علم النفس وجدل التأسيس الذي رافق وجوده وتاريخه يقول عالم النفس الفرنسي موريس روكلان (سنة 1957)" لو أن علم النفس ظل ذلك الفرع من الفلسفة المخصص ل "النفس" لكان تاريخه يبتدئ مع أوائل آثار الفكر الإنسان ي. هذا بالنسبة للواقع الخاص بعلم النفس ككيان معرفي وكمجال له مكانته ضمن خريطة العلوم ولماله من دور في حياة الأفراد والمجتمعات ([4]) . نجد أنه علم عرف عدة تطورات بنيوية ووظيفية ليس فقط على مستوى المهام والموضوع أو على مستوى المنهج وأشكال الإشغال، وإنما أيضا وأساسا على مستوى مفهوم علم النفس ذاته([8]). وبالتالي فإن علم النفس بالقياس إلى تاريخه والمطارحات اللإبستمولوجية التي رافقته لم يتوقف في حدود أسئلة الموضوع بالنسبة لما يستهدفه ولكن أيضا هو كموضوع في حد ذاته، لذلك كانت مغامرة التأسيس والبناء العلمي لهذا المجال بالنسبة لعلماء النفس بمثابة مغامرة سيكولوجية تعكس تجربة خاصة ومغايرة إلى حد ما لتلك التجارب المعاشة في الاشتغال بالعلوم الأخرى كالفيزياء والبيولوجيا مثلا([10]). وبالتالي فإن وجهة هذا المسار ذاته ستتجاذبها مساعي في تحديد الانتماء العلمي بين العلوم الطبيعية([12]) والعلوم الإنسان ية في مرحلة أولى ، وذلك من خلال تفرعه إلى مجالات نوعية. تحديد المهام وخصوصية المجال : بل إن وجود هذا المجال العلمي يتوقف أولا وأخيرا على الإنسان . فعلم النفس في هذا السياق يسعى إلى تحقيق معارف أكثر تجريدا؛ في هذا السياق يقدم علم النفس إجابات على مشكلات نفسية واقعية، ولابد من التأكيد على أن المجال الذي سيحتضن هذه الدراسة العلمية والذي سيشكل منطلق المشروع العلمي بالنسبة لعلم النفس ، مثل: النفس والروح؛ في نطاق هذه الأهداف النوعية التي ارتبطت بقيام ونهضة علم النفس كعلم له موطنه الخاص ضمن خريطة العلوم الطبيعية أو الاجتماعية والإنسانية التي كانت آنذاك قيد التأسيس والتشكل، في خضم هذه الاهتمامات والتوجهات التي سكنت علماء النفس الرواد حول الحياة العقلية ونشاطات تفاعل الإنسان مع البيئة، هذا الأخير سيصبح بمثابة الموضوع المميز للسيكولوجيا العلمية، وذلك بالقدر الذي يجعل من علم النفس في هذا الإطار بمثابة علم نفس معرفي بامتياز. بل إن منظومة هذه العلوم الجديدة والتي سيشكل علم النفس بالنسبة لها محورا رئيسيا ستعمل على تحقيقها بفعل قوة ووثاقة مشروعها العام([34]). وفي هذا السياق صار علم النفس يمتاز بمهام نوعية دقيقة يفيد بها سواء كعلم له خصوصيته أو كطرف رئيسي ضمن منظومة العلوم المعرفية([35]). وذلك من خلال نقلة أرستها "الثورة المعرفية" التي أعادت الاهتمام لعلم النفس بالظواهر العقلية – الغير المحسوسة-مع التقيد بما تفرضه أسئلة المادية matérialisme (كإطار أنطولوجي طبع البحث العلمي) بالنسبة لهذه الظواهر([38]). هكذا سيعاد تحديد الأهداف العلمية لعلم النفس ضمن صياغة جديدة تتمثل في دراسة : صارت واقعا يشترك علم النفس المعاصر في إرساءه بمصداقية وثبات، ثم إن علم النفس باستناده الرئيسي إلى الأساس الطبيعي(خاصة البيولوجيا) في التفسير السيكولوجي لنشاطات الإنسان،