عوامل ظهور الدول الإسلامية المستقلة في المشرق الإسلامي. ويكفى أن نطلق عليها الدويلات الإقليمية أو الإمارات المستقلة في المشرق الإسلامي، وهذا الأمر راجع إلى الاعتماد على الأصول والتنظير في مثل هذه المسائل. فمن خلال كتب الأحكام، الماوردى الذى ألف كتابه الأحكام السلطانية فى منتصف القرن الخامس الهجرى بعد أن اكتملت التجربة وعاصر يذكر الماوردي في الجزء الخاص عن الإمارة أن الإمارة نوعان خاصة وعامة، تهمنا فهى على ضربين إمارة استكفاء بعقد عن اختيار وهي معقودة على عمل محدود ونظر معهود يفوض إليه الخليفة إمارة أو بلد أو إقليم على جميع أهله فيصير عام النظر. أما إمارة استيلاء بعقد عن اضطرار فهي أن يستولى الأمير بالقوة على بلاد يقلده الخليفة إمارتها ويفوض إليه تدبيرها وسياستها ويكون الأمير باستيلائه مستبد أما الناحية الأخرى التى يشير إليها الماوردى فى أحكامه: " إذا فوض الخليفة تدبير الأقاليم إلى ولاتها ووكل النظر فيها إلى المستولين عليها كالذي في زماننا" أى أن إمارة الاستيلاء كانت تمثل قضية مطروحة على الساحة السياسية فى عهده واجهها بالتشريع ليحافظ على شوكة الدولة وسلطة الخليفة من أو أن التجربة كانت قد اكتملت وتحتاج إلى التنظير ووضعها في قالب كما يشير الماوردى أيضا إلى الشروط أو الواجبات التي تجب على الأمير المستولى تلك الواجبات التي تحدد العلاقة بين الخليفة وأمير الاستيلاء والتي في جوهرها دينية لحفظ حقوق الخلافة ومنها ظهور الطاعة. نجد أن قيامها قد مر بدورين الأول برضاء الخلافة في خلافة المأمون والخلافة لا تزال مرهوبة الجانب وإن تخلت عن المركزية بعض الشيئ بهدف حماية حدودها في مناطق الأطراف بعد أن بدأت الإقليمية تطل والدور الثاني قامت فيه بعض الكيانات السياسية رغما عن الخلافة، القدرة على الانفراد بالأمر مستفيدين من ضعف الخلافة العباسية التي وضعت تحت سيطرة فضلا عن الإمارات التي قامت وسيطرت على الخلافة ومع أن هذه الدويلات كانت قوية فقد كانت تحاول دائما أن تحصل على رضاء الخلافة ما أمكن من خلال إرسال الأموال والهدايا إلى الخلافة بهدف الحصول على التقليد الشرعي في وقت كانت فيه الخلافة العباسية ضعيفة ولا تملك حتى أن تحمى نفسها بينما كانت هذه الدويلات تمثل قوة ضاربة في مناطق الأطراف، ومع ذلك كانت في حاجة دائمة إلى الشرعية من الخلافة التي تملك يستطيعوا أن يستقلوا عن الخلافة تماما مثلما حدث في بلاد المغرب. كذلك نجد أن أمراء المشرق الإسلامى وإن كانوا حريصين على الاستئثار بالسلطة، حرصا على استمرار الطاعة والولاء للخلافة، فالإمارة الصفارية مثلا التي طمعت بعد قيامها في أن تحل محل الأتراك في الخلافة وكشفت عن نياتها بشكل سافر عندما خرج يعقوب بن الليث الصفار بجيشه لدخول بغداد نفسها لم يطعه جنده عندما ظهر الخليفة المعتمد على رأس جيش الخلافة وتخلوا عنه، على الخلافة وما تعرضت له الخلافة أثناء هذه الفترة من ضياع هيبتها، ومهما قيل عن وسائل إذلال الخلافة خلال سيطرة الأتراك ومن بعدهم البويهيين، لكن علاقتهم بالخلافة مع ذلك ظلت محكومة دائما بضرورة رضاء الخلافة وهناك ارتباط بين ما قام به الفرس والترك تجاه الخلافة وبين هذه الشعوب والبيئة التي أتوا منها، الذين أقاموا عددا من هذه الدويلات في المشرق كانوا دائما محكومين باحترام شخصية الخليفة ارتباطا بماضيهم ولذلك فإن هذه التجربة في شرقي العالم الإسلامى تختلف عن تجربة الغرب، خاصة في بلاد المغرب فمع أنها تشترك مع المشرق فى وقوع كل منهما في أطراف العالم الإسلامي، على الخلافة وهذا يرجع إلى اختلافها عن المشرق في نواح كثيرة منها خصوصية بلاد المغرب التي نشأت منذ المقاومة البربرية الشديدة الشرسة وما ترتب على ذلك من ضياع جهود الفاتحين، وتختلف بلاد المغرب أيضا عن كما أن الدول التي قامت بها خلال القرن الثاني الهجرى بدأت رافضة أساسا لوجود خلافة المشرق ونشأت أيضا كما أن أول تجربة إقليمية أقامتها الخلافة العباسية برضاها كانت دولة الأغالبة عام 184هـ / 800م عندما أقرت الخلافة النزعة الإقليمية، وقد سبقت بذلك قيام الدولة كذلك ما يؤيد أن هذه الكيانات التي قامت في المشرق كانت مجرد دويلات أو إمارات أن بعضها قد شمل فترة زمنية قصيرة مثل الإمارة الصفارية التي اقتصرت على خمسة وثلاثين عاما من عام 254-290هـ والطاهرية قبلها فيما بين 205-259هـ والسامانية ما بين 279-378هـ والإمارة الزيارية ما بين 376-432هـ ما جعل البعض يطلق عليها الإمارات المستقلة أو الأمراء المستقلون ومما يؤيد ذلك أن نفوذهم السياسي لم يتجاوز الفارسية أن تتغلب على إيران كلها في حركة سياسية شاملة، إنما حدث أن كل إقليم من أقاليم إيران أو كل ولاية من ولاياتها حصلت على الاستقلال الذاتي وظهرت بينها إمارات تنظر إلى الإمارات الأخرى نظرة عداء حتى إذا بدا الضعف على إحداها قامت أخرى لتبتلع ممتلكاتها وذلك لأنه لم يكن هناك ثمة تفكير في قومية إيرانية شاملة فكانت مرحلة الاستقلال المجزاً. كذلك لم يكتف هؤلاء الأمراء بتأكيد انتسابهم إلى الأكاسرة الفرس، بل راح بعضهم يعمل على التشبه بهم بمراتبهم وإذا كان آل زيار قد جهروا بهذا الأمر فإن غيرهم من الأمراء مثل الطاهريين والسامانيين والغزنويين الذين ظهروا بمظهر الولاء الكامل للخلافة العباسية كانوا في حياتهم الخاصة وجالسهم وبلاطهم ودواوينهم إنما أما عن ظروف قيام هذه الدويلات فإنها ترجع إلى عوامل مختلفة سياسية واقتصادية واجتماعية وبعضه كان كامنا في جسم الخلافة في عصرها الأول وعندما تجمعت لها الظروف بدأت الإقليمية تطل برأسها وتحاول أن يمثل حدا فاصلا بين عصرين متمايزين بالنسبة للأتراك عام . 232هـ وكان ظهور الأتراك مرتبطا بتغير أحوال من خلال سيطرة القوى الخارجية على طرق التجارة العالمية برا وبحرا وهيمنتها الكاملة على التجارة وحرمان العالم الإسلامي من دوره التقليدى كوسيط في تجارة العبور بين الشرق بين أجزاء العالم الإسلامي وأدت إلى تدهور الأحوال الاقتصادية مما ساعد على ظهور الأتراك. وتفصيل ذلك أن المجتمع الإسلامي الذي شهد في العصر العباسي الأول ازدهارا ملحوظا على كافة تزايدت الحاجة إلى الأموال للإنفاق على حياة البذخ ورواتب الجهاز الإدارى وأعطيات الجند، لذا لجأت الدولة إلى زيادة الضرائب من وبديهي أن تؤدى مثل هذه الإجراءات إلى مزيد من التدهور الاقتصادي مما ساعد على تذمر الطبقات لذلك زادت حاجة الدول إلى الجند، ولما كان الفرس والعرب يكونون جيش الخلافة آنئذ، شأنهم منذ قيام الدولة العباسية، لذلك لجأت الخلافة إلى عنصر جديد هو عنصر وكان طبيعيا أن ينشأ الصراع بين الجند القديم والجند الجديد وأدى ذلك إلى زيادة المعارضة واشتعال فلجات والقضاء على الثورات، لكن ضعف الخلافة بعد الواثق مباشرة وتناقل المؤرخون الأخبار حول العدوان على أشخاص الخلفاء بالسجن والتعذيب أو العزل وردوا ذلك إلى ضعف الخلفاء العباسيين وانصرافهم إلى اللهو فضلا عن التخلخل الذى أصاب جسم الخلافة نفسها، فالخلافة كانت تستمد نفوذها من صادر متعددة. الأنصار في الأقاليم ظلت طوال العصر العباسي الأول، للغاية بعد الخليفة المتوكل، الأول من أمراء الأمصار، وهذا معناه أن الخليفة قد فقد قيادته لهذا التنظيم العقائدى مما أدى إلى فقده لبعض مظاهر الهيبة فضلا عما تعرض له الخلفاء من مظاهر الإذلال من قبل القادة الأتراك. فمعلوم أن السفاح وسليمان، كما أن الخليفة المنصور نفسه قام بعزل سليمان من ولاية العهد كذلك وجدنا العباسيين يميلون إلى الثنائية في تولية العهد فالسفاح يولى أبي جعفر ثم عيسى بن موسى والمنصور يولى المهدى ثم عيسى بن موسى، وهذا يبين أن ضعف بل أن عوامل الضعف كانت مرتبطة بعوامل القوة أيضا. فضلا عن ذلك اعتمدت الخلافة على عصبية قوية متماسكة تؤمن أن بقاءها مرتبط ببقاء الخلافة قوية وقد بدأت العصبية العربية تضعف تدريجيا بسبب ترق العرب في الأمصار كما أن الخلافة نفسها قد نجحت في تلاشي وتضاؤل العنصر العربي معنى ذلك، فإن فقدها يؤدى إلى ضعف الخلافة. بل عكفوا على جمع الأموال دون النظر إلى المصلحة العامة وتحسين أحوال الرعية، فبدأت في الريف بهروب الفلاحين من الضياع وتحولت إلى قطع الطرق ثم تطورت إلى ثورات فلاحية، انتظم فيها التجار وأهل الحرف ومنها تنظيمات العيارين و كذلك وقد شاعت حركات الفتيان في العالم الإسلامي بأسره وإن اختلفت تسمياتها باختلاف الأقاليم فعرفوا وجندها هم الذين حملوا عبء الدفاع عنها في زحفها نحو وظل أهل خراسان أداة المنصور في القضاء على أعدائه الذين قاموا بثورات خاصة في الحجاز، كما كما أن العباسيين لم يتخلوا عن أهل خراسان، ظهروا وانتصروا بعد الصراع بين الأمين والمأمون واستعان بهم المأمون ليمكن السلطانه وقد احتكروا كثير من المناصب العسكرية، كما كانت بيدهم الوزارة بداية من أبي سلمة الخلال وأبي أيوب الودياني وزير المنصور الأول كانوا من العناصر الإيرانية. بل وصل الأمر إلى توارث هذه المناصب السياسية، وإذا كان العباسيون قد انتهجوا سياسة معينة تجاه العناصر الإيرانية الصاعدة والتي في حدود الطاعة وإلا كان نصيبها الكبت والقهر وأن كانت الخلافة لم تتخل عن هذه السياسة طوال عصرها الأول فهذا كان في صالح الخلافة حتى لا تخل لكن مع ضعف الخلافة كما بينا انتهزت هذه العناصر الفرصة مستفيدين من الأوضاع العامة، ويرى وتجدر الإشارة إلى لفظ يرد كثيرا في كتب المؤرخين وهو لفظ "المتغلبون" أو حكام الأطراف، اللفظ يرجع إلى الكيفية التي تحكم بها هؤلاء الأمراء سواء كان أمير أو صاحب جند أو قائد يتغلب على ناحية من النواحي يطلقون عليه اسم "المتغلب" أو "صاحب" "طرف" أما الفرس فيطلقون عليه طرفدار" وإمارته "إمارة وقد أسلفنا القول أن هذه الكيانات قد مرت بدورين برضاء الخلافة، أى بالتفويض ثم الاستيلاء وقد استخدمت هذه الألفاظ في كتب المؤرخين، الإسلامية إلى قسمين قسم نشأت فيه الولاية باختيار الخليفة، للعدو بغرض الاهتمام بهذا الثغر وتقويته ليستطيع دفع الأعداء أو مد نفوذ المسلمين في هذه الأطراف المتاخمة أما القسم الآخر الذى نشأت فيه الولاية على كره من الخليفة وفى إقراره نوع من المرونة السياسية للأمر والدولة الصفارية، والدولة الزيدية في طبرستان وجرجان وبلاد الديلم، أما الدول التركية التي قامت في المشرق الإسلامى هى الدولة الغزنوية، نح قائده طاهر بن الحسين حق إقامة دولة مستقلة سنة 205هـ/821م عرفت بالدولة الطاهرية،