فالإنسان لا يمكن فهم ذاته بدون فهم وإدراك الآخر؛ لذلك ثمَّة ضرورة لفهم قيمة الهوية بوصفها شاملة لكل الخصائص الثقافية والاجتماعية والنفسية المتوفّرة لدى كل الجماعات البشرية. ويُخطئ من يتعامل مع مفهوم الهوية بوصفه مفهومًا اصطفائيًّا وخاصًّا بفئة دون أخرى. وعليه فإن مفهوم الهوية لا يمكن اختزاله أو تجفيف روافده الإنسانية، وأية محاولة للاختزال أو التجفيف فإن مآلها الأخير هو الفشل والإخفاق. أن يفهم نفسه بدون الآخر؟ وهل يستطيع الإنسان أن يستغني عن الآخر؟ أم العلاقة بين الذات والآخر من العلاقات المركَّبة على المستويين الفردي والجماعي، بحيث إنه لا يمكن فهم الذات إلَّا بفهم الآخر؟ وبالتالي فإن العلاقة بين الذات -مهما كان عنوان تعريفها- هي بحاجة إلى الآخر مهما كان عنوانه و تعريفه. فإن هذه الذات بحاجة ماسة لفهم ذاتها وللعيش الإنساني السليم مع الآخر الديني. فإنه لا يمكن لهذه الذات من إدراك حقائق الحياة بدون نسج علاقات سوية مع الآخر. فالآخر بكل دوائره هو مرآة الذات بكل دوائرها. ومن يبحث عن ذاته لا يمكن القبض على حقيقتها وجوهرها بدون استيعاب الآخر وفهمه وإدراك حاجاته ومتطلباته. فالآخر هو مرآة الذات، ولا ذات حقيقية بدون آخر حقيقي؛ فدعوات نفي الآخر واستئصاله لم تؤدِ ولن تؤدي إلَّا إلى تشبُّت الذات بكل خصوصياتها وحيثياتها المباشرة وغير المباشرة؛ وعليه فإن الآخر الديني هو ضرورة وجودية للذات الدينية، كما أن الآخر المذهبي هو ضرورة وجودية ومعرفية للذات المذهبية،