من ثم هي ببساطة مسألة قبول الكون، لأنك تفهم ضرورته الرياضية، وتكون قادراً على أن ترد الشر إلى الخير. بهذه الفلسفة راضيا عن حرمانه من شعبه؛ وقد نفترض أنه أخلد بهذه الطريقة في النهاية إلى لاعقلانية الدهماء الذين قتلوا أصدقاءه، أعنى أخوة دى فنت عندما بذلوا أقصى ما في وسعهم لكي يحافظوا على حريات هولندا. ولابد أن هذا النوع من الفلسفة ساعد إسبينوزا على أن يحصل على صفاء الذهن، وأن ينجو من شلل الحزن البالي على أحداث ليست في متناوله. وعندما نصل إلى فلسفته السياسية، سوف نرى أنه لم يوص بالاستسلام الشرقي بالنسبة لأحداث المستقبل التي يمكن أن تؤثر فيها. 1 - الفلسفة الاجتماعية إذا قارنا بين إسبينوزا وهوبز، بالأخلاق عنده، وأيضاً فلسفته السياسية، غير أن فكره يتجاوز بسرعة هذه الأوضاع إلى موقف أكثر اجتماعية وأشد روحية وفضلاً عن ذلك فقد أعطى أسبينوزا فلسفته الاجتماعية مكانة أكثر تحديداً في مذهبه الميتافيزيقي بأسره مما فعل هوبز والنتيجة هي أنه في حين أن فلسفة إسبينوزا الاجتماعية أقل اتساقاً من فلسفة هويز الاجتماعية، لكى يستمر في وجوده، أو قانون بقاء الذات، فالإنسان يرغب أي موضوع يستحسن هذا الدافع ويؤدى به إلى حالة أعلى من الكمال، أولاها - أننا نصف موضوعات بأنها خيرة ونجد أن بلوغها يمكن أن يسبب لذة لأننا نرغبها، ولذلك فإن إسبينوزا ليس من أنصار مذهب اللذة بصورة محددة. أو على أبعد تقدير القوة التي تزداد والغلبة، في الحال إلى رغبة في كمال» متزايد، أو كما قد نقول تطور شامل؛ ولذلك فإن إسبينوزا هو بحق مبشر بمذهب تحقق الذات في القرن التاسع عشر. أعنى نظرة فاضلة، فإنه سيدرك على الفور أنه لا شيء يفوق الغبطة من حيث إنها الحياة في مجتمع منظم تنظيماً جيداً حيث يكون الجميع الناس أهداف متساوية وكما لو كانوا يتحركون بواسطة عقل واحد. ولذلك، في حين أن الحسد والكراهية والغيرة، ومن مصلحة الإنسان أن يربى وينمى الحب والمتعة ويتغلب على الحسد والكراهية والغيرة. يحاول - بقدر المستطاع - أن يجعل كراهية الآخرين، وغضبهم، أو ازدراءهم له تتحول إلى حب وود (٦). ولذلك قد نقول إنه - على الرغم من أن أخلاق إسبينوزا تبدأ من الأنانية - فإنها المعرفة العلمية والدينية الحقيقة نهائية، هي التي تكون الله، وكذلك الحب العقلى المصاحب الله. وتؤلف الفصول الخمسة عشر الأولى من كتاب إسبينوزا رسالة في اللاهوت والسياسة دحضاً لوجهة نظر، كان يتمسك بها كثيرون في هولندا في كل مكان في ذلك الوقت، مثل حكومة اليهود الدينية في العهد القديم، عكس ذلك، أن المؤسسات السياسية العبرية الموصوفة في الكتاب المقدس كان الهدف منها العبرانيون القدماء فقط. ويثبت أن الأسفار الخمسة بأسرها لم يكتبها موسى في صورتها الحالية (٥)، ويفسر إسبينوزا المعجزات تفسيراً عقلياً، وأن الأسلوب الذي كتبت به الرسالة هو سمة للإنسان نفسه. ومصممة بصورة ثانوية للجنس البشرى، ومن ثم فإن الكتاب المقدس لا يعلم الناس، ويمكن النظر إليه على أنه كلمة الله من حيث إنه لا يؤثر إلا على الدين وتعاليمه ذات التطبيق العام هي مسائل بسيطة للإيمان - مثل أن الله واحد وموجود في كل مكان - وواجبات السلوك - مثل واجب المرء أن يحب لجاره ما يحبه لنفسه، وتكشف عن اعتقادات دينية صادقة وجدية. من الفطنة أن لا يسمح بظهور ترجمة له باللغة الهولندية. ونقل عن هوبز أنه اندهش الصراحة الكتاب، التي كان يقدرها بلا شك. وقد استبق إسبينوزا في نقد مسائل كثيرة من الكتاب المقدس الباحثين الألمان في القرن التاسع عشر. ينتقل في كتابه رسالة في اللاهوت والسياسة وكذلك في كتابه اللاحق الرسالة السياسية الذى لم يكتمل حتى وقت وفاته، وهو يعتقد مثل هوبز، أن لكل إنسان في حالة الطبيعة الحق في كل شيء يقع في نطاق منه، وأن هذه الحالة هي حالة خوف عام، يجب عليهم أن يكونوا دولاً بإرادتهم. بيد أنه يختلف عن هوبز فى الإصرار بقوة أقل على أنه لا يمكن إلغاء العقد الاجتماعي عندما يتكون دون أن يسبب ذلك ارتداداً إلى حالة الطبيعة. وأنه بدون المنفعة يصبح خاويا وبلا جدوى. ولا يستمر حق صاحب السيادة إلا متى استطاع أن يدعم قوته عن طريق تعزيز إرادته، ويعتقد أن الديمقراطية هي الصورة الطبيعية والأكثر توافقا مع الحقوق الفردية من كل صور الحكومة (۷). ومن المستبعد أن تكون هناك قرارات لاعقلية في الديمقراطية، لأنه من المستحيل في الغالب أن تتفق أغلبية الناس على تخطيط غير عقلی ومن يطع هذه الدولة يكن حرا، ولا تكون التحالفات بين الدول ملزمة إلا إذا كانت من مصلحة كل دولة أن تحافظ عليها، ولا يجب على أي حاكم، أن يحافظ على تعهداته التي تلحق ضرراً بمصالح مملكته. وتلك على الأقل الواقعية السياسية الأمينة). ولسوء الطالع لم يعش إسبينوزا حتى يكتب فصول كتابه الرسالة السياسية، الذي من المفترض أن يقدم فيه نظريته الخاصة بالديمقراطية بالتفصيل. ومع ذلك فقد احتوى الكتاب على فصول في النظام الملكي والنظام الأرستقراطي، الممتع أن نلاحظ أنه في تخطيط إسبينوزا للنظام الملكي، يرى أنه ينبغى حتى على الملك أن يطبع القوانين على نحو ما يفسرها القضاة، ولا يجوز أن تنفق الدولة على أي معبد للدين ولكن يمكن للجماعة أن تقوم بذلك بنفسها، وإذا وضعنا في ذهننا هذه الآراء، استطعنا أن نفهم لماذا شعر إسبينوزا بأنه سوف يضع نفسه في موقف زائف إذا قبل معاشا من لويس الرابع عشر ! . ذلك الإشراف الخارجي على العبادة والشعائر الخارجية للدين». وبخصوص هذه ويقاوم أسبينوزا هنا محاولة القدماء وإصدارهم أوامر للحكومة باسم الله حاول الكلفنيون في جنيف، وهولندا، وانجلترا الجديدة، واسكتلندا أن يفعلوا ذلك أحيانًا في القرنين السادس عشر والسابع عشر). ويصر أسبينوزا ضد السلطات الدنيوية والكنائس المسيحية والمحافل اليهودية على أن العبادة الداخلية الله والورع لا يكونان متضمنين في العقد الاجتماعي.