- تعد حادثة شق الصدر التي حصلت له عليه الصلاة والسلام أثناء وجوده في مضارب بني سعد من إرهاصات النبوة ودلائل اختيار الله إياه لأمر جليل، وقد رويت هذه الحادثة بطرق صحيحة وعن كثير من الصحابة منهم أنس بن مالك فيما يرويه مسلم في صحيحه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه، فاستخرج منه علقة فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه- مرضعته- ينادون: إن محمدا قد قتل، ولكن يبدو أن الحكمة هي إعلان أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وتهييؤه للعصمة والوحي منذ صغره بوسائل مادية، ليكون ذلك أقرب إلى إيمان الناس به وتصديقهم برسالته. إنها إذن عملية تطهير معنوي، ليكون فيه ذلك الإعلان الإلهي بين أسماع الناس وأبصارهم. فلا ينبغي- وقد ثبت الخبر ثبوتا صحيحا- محاولة البحث عن مخارج لنخرج منها بهذا الحديث عن ظاهره وحقيقته إلى التآويل الممجوجة البعيدة المتكلفة. ولن تجد من مسوغ لمن يحاول هذا- على الرغم من ثبوت الخبر وصحته- إلا ضعف الإيمان بالله عز وجل. ينبغي أن نعلم بأن ميزان قبولنا للخبر إنما هو صدق الرواية وصحتها فإذا ثبتت الرواية ثبوتا بينا فلا مناص من قبوله موضوعا على الرأس، وميزاننا لفهمه حينئذ دلالات اللغة العربية وأحكامها. ولو أنه جاز لكل باحث وقارئ أن يصرف الكلام عن حقيقته إلى مختلف الدلالات المجازية ليتخير من بينها ما يروق له، لا نشلت قيمة اللغة وفقدت دلالتها وتاه الناس في مفاهيمها. ثم فيم البحث عن التأويل ومحاولة استنكار الحقيقة؟ أما إن ذلك لا يأتي إلا من ضعف في الإيمان بالله، ثم من ضعف في اليقين بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وصدق رسالته،