ولد كارل روجرز في عام 1902 في ولاية الينوي بالولايات المتحدة الامريكية وتربى في عائلة صارمة جدا أخلاقيا ودينيا ، فوالدا جدا في نظرتهم الدينية والأخلاقية وهما يؤمنان بان لا شيء يمكن الحصول عليه الا بحب العمل والجدية فيه ، واعتبرا العمل خير وسيلة علاجية للضجر والملل فغرسا في نفس طفلهما كارل حب العمل والمثابرة. فيما كانت علاقاتهم الاجتماعية محدودة للغاية ، ولهذا لم تكن لكارل روجرز حياة اجتماعية خارج حدود البيت ، بانه كان في طفولته خجولا وحساسا وغير اجتماعي ، وشجعه والده على تربية الحيوانات من اجل الربح المادي ، فقام بتربية افراخ الدجاج والحمام وغيرها واخذ يتجول في الغابات فاكتشف نوعا من العث وقام بتربيته ومقارنته بانواع أخرى منه ، واعتقد بان تجاربه هذه علمته الاحترام الواعي للعلم والطرق التي ينبغي ان تستخدم في حل المشكلات (Rogers ، غير انه تحول عن هدفه هذا بعد اقل من سنتين الى دراسة الدين بفعل تأثيرات تنشئته الاجتماعية في عائلته ، واخبر والديه بانه من هذه اللحظة قد حرر نفسه من اسلوبهما في التفكير وانه يجب على الفرد ان يعتمد أساسا على خبرته الشخصية ، والتحق روجرز بكلية المعلمين في جامعة كولومبيا لدراسة علم النفس السريري (العيادي) وعلم النفس التربوي فشغف كثيرا بالمؤلفات والأبحاث النفسية ، واصل دراسته فحصل على شهادة الدكتوراه في عام 1931 ، وكان في اثناء دراسته الأخيرة هذه يعمل في معهد لارشاد الأطفال حيث كان العلاج فيه يتم وفق الأساليب الفرويدية ثم عمل في مركز اخر مماثل غير ان العلاج النفسي فيه كان يتم باساليب مختلفة ، مما شجعه على تبادل الآراء وحرية المناقشات الفكرية في الارشاد والعلاج النفسي ، واحس روجرز بالتناقض بين الأسلوب الفرويدي في الفكر والتطبيق ، وبين الأسلوب القائم على المنهج الاحصائي الذي درسه في كلية المعلمين على يد عالم النفس المعروف ثورندايك. وعمل روجرز أستاذا لعلم النفس في جامعة اوهايو في عام 1940 ، وبعد سنتين اصدر كتابه المهم في الارشاد والعلاج النفسي (Rogers ، 1942) وأوضح في مؤلفه هذا وجهة نظرة في العلاج النفسي ، بعدها انتقل روجرز ليعمل أستاذا لعلم النفس في جامعة شيكاغو في عام 1945 ، ثم انتقل الى جامعة وسكنس ، خلال الفترة من عام (1957- 1963) التي قضاها كاستاذ لعلم النفس والطب النفسي في جامعة وسكنس ، قاد روجرز مجموعة من الباحثين لاجراء دراسات مستفيضة في الفصام (الشيزوفرينيا) وفي عام 1963 سافر الى كاليفورنيا ليعمل في معهد للدراسات السلوك واضافة الى نشاطاته الاكاديمية هذه كان روجرز يكتب العديد من المقالات والأبحاث والمؤلفات فحصل على جائزة لكونه اكثر علماء النفس المنتجين في الكتابة ، كما انه كان قد انتخب في عام 1946 رئيسا لجمعية علماء النفس الامريكيين. تقوم نظرية روجرز في الارشاد والعلاج النفسي وفي الشخصية على عدد من المبادئ والمفاهيم الأساسية يمكن ايجازها بالاتي : المجال الظواهري : الظواهرية او الظاهراتيه Phenomenology هي أسلوب في علم النفس يركز على الكيفية التي يدرك بها الشخص ويعبر عن ذاته وعالمه (Petvin ، الذي يؤكد على ان الناس يجب ان يفهموا على أساس الكيفية التي ينظرون بها الى انفسهم والعالم المحيط بهم (Rogers ، 1961) وطبقا للمواقف الظواهري الذي طرحه روجرز منذ عام (1947) فان الفرد يدرك perceive العالم بطريقة متفردة ، أي تلك التي يكون الفرد عارفا بها ، وتلك التي لا يكون عارفا بها ، وخاصة بالنسبة للناس الاسوياء هي المدركات الشعورية. هذا يعني ان العالم بالنسبة لروجرز عالم ذاتي ظواهري ، الا ان تأكيده عليها صاغه بالشكل الذي يريد ان يقول فيه بان لكل فرد منا عالمه او واقعه الخاص جدا به ، وانه لا يمكن فهم هذا العالم الخاص بالفرد الا بالقدر الذي يسمح هو لنا بذلك. وخبراته الحاضرة المباشرة منها بشكل خاص التي يكون الفرد واعيا بها ، وبالرغم من ان المجال الظواهري هو أساسا عالم خاص بالفرد فاننا نستطيع يقول روجرز (1947) ان نحاول ادراك هذا العالم كما يبدو للفرد وذلك بالأسلوب العيادي Clinical لنرى بعيني ذلك الفرد المعنى النفسي لعالمه ، وقد علق روجرز في كتاباته اللاحقة (1964) على الظواهرية كاساس في العالم الذي ينبغي ان يفهم الفرد في ضوئها ، او محاولة فهم المجال الظواهري لشخص اخر (الشماع ، واكد على استعمال الأنواع الثلاثة أعلاه في دراسة سلوك الافراد ، اشرنا الى ان المجال الظواهري يعني مجموعة الخبرات او المدركات التي يعرفها الشخص نفسه وتشكل عالمه الذاتي الخاص به ، والخبرة تشكل مفهوما مركزيا في نظرية روجرز ، ورغم وهي ذات أهمية بالغة جدا في تشكيل الشخصية ، ويتكون الشعور وفقا لروجرز ما يمكن ترميزه (تحويله الى رمز) من المدركات والخبرات. واذا ربطنا الخبرة بالمجال الظواهري نستطيع ان نستنتج بان الانسان يستجيب وفقا لطبيعة خبراته التي يحتويها محاله الادراكي الظواهري ، فالواقع عنده هو ما يدركه انه الحقيقه بصرف النظر عن ان هذا الواقع هو حقيقة ام لا ، الذات : ص : 200) ، me , and myself فانا (1) حين يتكلم الفرد لنفسه عن نفسه ، ونفسي myself عندما يتكلم الفرد عن نفسه لشخص اخر وعندما يتكلم الفرد لنفسه فهنا يتكلم (I) عن (me). ان مفهوم الذات له تاريخ طويل في علم النفس واستخدام بطرق مختلفة وقد لاحظ هول ولندزي (1978) ان الذات جرى تعريفها في بعض الحالات على انها اتجاهات الشخص ومشاعره نحو نفسه ، كائن عقلاني بناء : لقد أوضح روجرز وجهة نظره بصراحة بخصوص الانسان ، وهي وجهة نظر تقف بالضد من وجهة نظر فرويد ، فلقد نظر فرويد الى الانسان وكما مر بنا في فصل سابق – على انه كائن غير عقلاني وانه مزيج من الانسان والحيوان لانه يشترك مع الحيوان في نشاطاته السلوكية المتعلقة باشباع حاجاته التي تحفظ له توازنه وحاجاته الى الحفاظ على النوع ، وأعطى فرويد الأهمية الأساسية للدوافع الجنسية ولغريزة العدوان واكد على الوراثة من اجل فهم سلوك الانسان. بناء Constructive وانه يتطور الى الامام في نموه وينطق روجرز من فكرة الفرد هي في جوهرها إيجابية وانه لدينا ميل فطري للنمو ولتحقيق وجودنا وشخصيتنا وكل ما نستطيع ان نكون قادرين عليه ، وانه لشيء طبيعي ومحتوم على الانسان ان ينمو ويتقدم الى الامام ، ويكون واعيا لذاته ويعمل على تسهيل نموه وتحقيقه. ص : 113). واننا طبقا لفرويد – يقول روجرز – غير متربين اجتماعيا وهدامين او مدمرين لذواتنا وللاخرين ويعلق روجرز على ذلك بقوله اننا قد نتصرف على هذه الشاكله أحيانا ولكننا سنكون في هذه الحالة عصابين وليس بشرا متطورين بشكل جيد. ويقول روجرز انه تجري أحيانا مقارنات بين سلوك الحيوانات وسلوك البشر بهدف ابراز أوجه شبه بين الصنفين ، ويعلق على ذلك بقوله انه لاحظ ان الأسود التي ينظر لها على انها حيوانات مفترسة تمتلك خصائص مرغوبة فهي لا تقتل الا عندما تكن جائعة وليس سبب طبيعة تدميرية كما يعتقد البعض ، 1961). وينتبه روجرز الى ان نظرته هذه قد يصفها البعض بانها تفاؤلية بدائية ، نظرية روجرز في الشخصية : لم تكن نظرية روجرز أصلا نظرية في الشخصية ، ص : 335) ، وبدا روجرز من هذه المرحلة فترة الثلاثينات بصياغة بانه يجري تثمينه من قبل والديه فانه سيشعر بالرضا ولا يكون بحاجة الى انكار خبراته اما اذا كان لا يحصل على تقدير إيجابي فيؤدي به ذلك الى الإحباط ، فعندما لا تستحسن الام سلوك ابنها فان الطفل سيدرك ذلك على انه عدم استحسان لجميع جوانب شخصية (ذاته). ومرت هذه المفاهيم والمبادئ بالكثير من التعديلات سواء عن طريق الخبرة المتأنيه في العلاج النفسي او البحوث الكثيرة التي اجراها هو ومساعدوه ونشاطاته وجهوده العلمية في المدارس والصناعة ، ودراساته التي تناولت العلاقة بين الاجناس والحضارات. ولقد تركز اهتمامه في البدء على ثلاثة أمور هي : الكيفية التي يدرك بها الناس عالمهم ، وعملية تغيير السلوك. واذا قارنا نظريته بتوكيدات نظرية التحليل النفسي لفرويد التي اكدت على الدوافع والغرائز واللاشعور وخفض التوتر والطفولة المبكرة ، فان نظرية روجرز تؤكد على المدركات Perceptions والاحاسيس او المشاعر والتقرير الذاتي self – report وتحقيق الذات وعملية التغيير.