امتاز الصحابي الجليل معاذ بن جبل رضي الله عنه على غيره من أقرانه بما آتاه الله من الفهم الثاقب لتعاليم هذا الدين ،  وقد شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بعلمه فقال عنه : ( .  وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل ) رواه أحمد . وهذا العلم الذي حباه الله به قد أثمر في قلبه الشوق إلى لقاء ربه ،  ولنقصّه كما رواه لنا معاذ نفسه ،  حيث قال : " لما رأيت خلوة رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه قلت له : يا رسول الله ،  فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم : ( سلني عمّا شئت ) ،  قال : يا نبي الله ،  حدثني بعمل يدخلني الجنة - وفي رواية : ويبعدني من النار - لا أسألك عن شيء غيرها " .  فإذا أقبل العبد على ربّه يسر له سبل مرضاته ،  فتوحيد الله جلّ وعلا هو أساس قبول الأعمال ،  والصلاة والزكاة والحج : من أركان الإسلام التي يجب على كل مسلم ومسلمة أن يقوم بها ، وبعد أن بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن دخول الجنّة مترتّب على الإتيان بتلك الأركان ،  فدلّه على أبواب أخرى للخير . فمن تلك الأبواب : صيام التطوّع ،  والجنة هي ما تحصل به الوقاية ،  وهو جنّة للعبد من النار يوم القيامة ؛  لأن العبد إذا صام لله تعالى يوما : باعده الله من النار سبعين خريفا ، ومن أبواب الخير : صدقة التطوّع ،  وقد شبّه النبي صلى الله عليه وسلم تكفيرها للذنوب بالماء إذا صُبّ على النار ،  فإنه يطفئها ويُذهب لهيبها ،  روى الإمام أحمد في مسنده عن عقبة بن عامر رضي الله عنه ،  أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( كل امرئ في ظل صدقته حتى يفصل بين الناس ) ، أما ثالث أبواب الخير التي دلّ عليه الحديث فهو قيام الليل ،  ومن بين أهله وحيّه إلى صلاته ،  فيقول ربنا : أيا ملائكتي ،  ومن بين حيّه وأهله إلى صلاته ؛  وشفقة مما عندي ) رواه أحمد في مسنده . وكأن النبي صلى الله عليه وسلم لمح في عينيّ معاذ رضي الله عنه الرغبة في معرفة المزيد ،  فأتـى له بمثال يبيّن حقيقة هذا الدين ويصوّره ،  وقدّم بين يدي هذا المثال تشويقا ، لقد شبّه النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام بالرأس ،  لأن الرأس إذا ذهب : ذهبت معه الحياة،  فكذلك إذا ذهب إسلام المرء : ذهب دينه . وفي قوله : ( وعموده الصلاة ) تشبيه للصلاة بالعمود الذي لا تقوم الخيمة إلا به ،  ووجه ذلك : أن الصلاة هي أعظم أركان الإسلام العملية التي يتصل بها العبد بربّه ،  وهي الحد الفاصل بين الإيمان والكفر ،  لهذا حظيت بهذه المنزلة ، ولما كان الجهاد سببا في ظهور الإسلام ،  وعاملا من عوامل انتشار هذا الدين ؛  شبّه النبي صلى الله عليه وسلم مكانته بذروة سنام الجمل ،  فإن هذا الدين متميز بالجهاد ،  وحسبنا أن نستحضر حديث النبي صلى الله عليه وسلم : ( مقام أحدكم يعني في سبيل الله خير من عبادة أحدكم في أهله ستين سنة ،  من قاتل في سبيل الله فواق ناقة وجبت له الجنة ) رواه أحمد . ثم أرشد النبي صلى الله عليه وسلم معاذًا رضي الله عنه إلى ما يحصل به إحكام الدين وإتقانه،  فهو السبيل إلى كلمة الكفر ،  والقول على الله بغير علم ،  فالنبي صلى الله عليه وسلم بتحذيره من خطر اللسان ،