يعنى الإعلام بأدوار مختلفة وكبيرة وهو الذي يضطلع بإنتاج رسائل إعلامية مختلفة المضامين والأنواع تؤدي وظائف متشعبة، ما يمنح لوسائل الإعلام وتقنياته أهمية كبيرة نتيجة للدور المحوري الذي تقوم به أو ينتظر منها القيام به في أي مجتمع كان.إن الوظائف التي تكلف بها وسائل الإعلام عموما ومهما كانت متخصصة من حيث المحتوى والجمهور يفترض أن تسعى في مجملها إلى تطوير المجتمع والسهر على ازدهاره وتوفير خدمة عمومية مرضية لأفراده؛ وهو ما يعني بشكل آخر أن تعمل على تحقيق التنمية فيه باستدامة على مختلف الأصعدة والمجالات، خاصة وأنها تغطي أغلب النشاطات ضمنه منها ما تعلق بالإخبار والصحة، التثقيف والوقوف بالاقتصاد، التنشئة الاجتماعية والسياسية، الخ (بالإخبار والصحة والتربية والتعليم والتثقيف والوقوف بالاقتصاد والتنشئة الاجتماعية والسياسية والتسلية والترفيه) وهي نشاطات ووظائف غير محدودة زمنيا بل مستمرة على المدى الطويل استمرار وتعاقب الأجيال المختلفة. يشترط لتحقيق غايات الوظائف المذكورة على أكمل وجه وتفعيل التنمية التي تراهن على إحداث تحسين وتغيير إيجابي (إيجابيين)، أن يكون الإعلام حرا ومستقلا، هادفا (وهادفا) وموضوعيا مراعيا لمختلف مكونات المجتمع؛ خاصة وأن السياقات الاجتماعية والثقافية وحتى الاقتصادية والسياسية تختلف من مجتمع إلى آخر، وقد تختلف داخل المجتمع نفسه. يعد مبدأ التعددية الإعلامية أساسا لحرية الرأي والتعبير، كما يرتبط بالتعددية الثقافية والتنوع الثقافيين كمؤشرات أساسية أصبحت تطرح قضايا راهنة ومهمة للدراسة والبحث والتحليل، يأتي هذا في ظل تطور مفهوم وطبيعة مدلول التنمية المستدامة (مفهوم مدلول التنمية المستدامة وطبيعتها) وتجاوزه الشق الاقتصادي والبيئي إلى الشق الإنساني الاجتماعي بما يعرف بالتنمية الإنسانية المستدامة التي تشكل فيها المقومات المشكلة لثقافة الإنسان، حقوق الإنسان وحرياته ومن بينها ما ذكرناه أعلاه حجر الزاوية لقيامها. أنتجت التطورات التكنولوجية الحديثة والانفجار المعلوماتي رؤى ثقافية متعددة من جهة، في ظل وجود أنماطا ثقافية قائمة وسائدة من جهة أخرى، بما كرس تنوعا ثقافيا كبيرا، مؤثرا ومتأثرا بمختلف السياقات الأخرى، خاصة وأن الأخيرة بطبيعة الحال مظاهر مستمرة في ظل تعاقب الأجيال ترتبط بالتنمية وتطرح إشكالات عديدة فيما تعلق بتحقيق تطوره ورفاهيته.يبدو جديرا مما سبق دراسة العلاقة بين كل من الإعلام والثقافة والتنمية، خاصة في ظل الاهتمام الأكاديمي والدولي الكبير بقضايا التعددية الإعلامية التي تعتبر (تعد) معيارا أساسيا لقياس مدى تطور الدول وهامش الحريات فيها وترتيبها حسبه، إضافة إلى ما يطرح من مشكلات ودراسات بخصوص التعدد الثقافي والهويات والتماسك الاجتماعي، وهي مستويات مرتبطة ارتباطا مباشرا بتفعيل التنمية المستدامة في المجتمع بآليات من المهم الكشف عنها علميا، وهو ما دفعنا إلى طرح التساؤل الرئيسي التالي (الآتي):«كيف تساهم التعددية والتنوع الثقافيين (الاول مذكر والثاني مؤنث، الإطار العام للدراسةالتساؤلات الفرعيةفيم تتمثل مقومات تكريس التعددية الإعلامية؟فيم تتمثل أبعاد التنمية المستدامة؟ما هو دور كل من التنوع الثقافي والإعلامي في تفعيل التنمية المستدامة؟أهداف وأهمية الدراسة (أهداف الدراسة وأهميتها)تعتبر مواضيع التعددية والتنمية المستدامة من المواضيع التي تولى لها أهمية أكاديمية كبيرة في المجال اعتبارا لدور ووظائف هذه المتغيرات في تطوير المجتمع على أصعدة مختلفة ويأخذ هذا البحث أهميته من منطلق ذلك.تهدف الدراسة إلى الكشف عن سياق العلاقة التي تربط التعددية بالتنمية المستدامة وتأثر فيها سلبا أو إيجابا عبر إبراز آليات عملها.تهدف الدراسة إلى إثراء المفاهيم المتعلقة بموضوع البحث وعرض شبكة مؤشرات متكاملة للإحاطة بشكل مفصل وواف بها والتقاطعات بينها ومنه تطوير آليات عملها للوصول إلى تحقيق أهدافها في المجتمع.2.1. مراجعة الأدبيات الأكاديميةتميل البحوث العلمية المتعلقة بدراسة التعددية الإعلامية إلى دراستها في سياق جزئي غير كامل وربطها أحيانا بمقوم واحد هو التعددية السياسية مما يوقعها غالبا في إغفال ربطها بالمقومات الأخرى التي تشكل شبكة مؤشرات تربطها علاقات معينة لتحقيقها، كما تركز معظم الدراسات التي تعالج التنمية والتنمية المستدامة على البعد الاقتصادي ثم البيئي كمستوى أول وبعده البعد الإنساني؛ مع ملاحظة أنه لا يوجد عدد كبير من البحوث التي ربطت بين التعدديتين الإعلامية والثقافية كمقوم لها وبين التنمية المستدامة خاصة التنمية المستدامة الإنسانية، وعليه نجد من هذه الدراسات التي ارتبطت ارتباطا غير مباشر بموضوع هذه الورقة:دراسة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة سنة 2015 بعنوان1: حيث هدفت إلى دراسة دور وسائل الإعلام في تشكيل مستقبل مزدهر قائم على التنمية من خلال دراسة كيفية ارتباطها بأهداف العملية الإنمائية الاجتماعية، من خلال إثراء مجموعة من النقاشات العلمية تخرج بورقة طريق مفصلة، حيث أكدت الأخيرة أن تحقيق التنمية المستدامة لا يمكن أن يتم بمعزل عن وسائل الإعلام ودورها المحوري في ذلك، مع الإشارة إلى أنه لا توجد صيغة واحدة لتطبيقها دوليا، وبالتالي فإن أفضل طريقة لتحديد ما يناسب شعب بلد ما هو الانفتاح على مناقشة الأفكار والاهتمامات المتعددة إلى جانب مكوناتها لحرية الإعلام والتعددية والاستقلالية (UNESCO, 2015) . لقد أشار هذا البحث وإن كان ذلك بشكل ضمني إلى دور وسائل الإعلام في تحقيق التنمية المستدامة من خلال التعبير وحرية الرأي والتفكير كما أشار إلى اختلاف تطبيق ذلك في مجتمع عن آخر وذلك نظرا لاختلاف السياقات الاجتماعية والسياسية والثقافية بينهما وهو ما يعبر بشكل أو بآخر عن التعددية؛ ونحاول من خلال هذه الدراسة التفصيل أكثر في آليات عمل التعدديتين الإعلامية والثقافية لتفعيل التنمية المستدامة.دراسة فوزية حجاب الحربي سنة 2016 بعنوان2: وانطلقت الباحثة من التأكيد على أهمية العلاقة المتبادلة بين الإعلام والتنمية المستدامة وهدفت إلى ربط مفهوم التنمية المستدامة بالإعلام من خلال عرض شروط تحقيقها ودور التخطيط الإعلامي في ذلك؛ طويلة النفس وعميقة المدى (الحربي، 2016). يبدو أن الباحثة ومن خلال النتائج المتوصل إليها أشارت إلى التعددية الإعلامية وسياق علاقتها بالتنمية المستدامة بشكل ضمني غير مباشر حيث جاءت النتائج مرتبطة بشبكة المؤشرات التي تشكل مقومات التعددية الإعلامية.دراسة ضحى هلال سنة 2018 بعنوان3: هدفت هذه الدراسة إلى عرض أهم النظريات المفسرة لدور الإعلام في التنمية المستدامة مبرزة من خلالها خصائص وأنواع الإعلام التنموي وعوامل ظهوره ومن بينها الفجوة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية وكل ما أفرزه ظهور تكنولوجيا المعلومات؛ بينما ركزت على التنمية السياسية كشكل من أشكال التنمية حيث ركزت على دور وسائل الإعلام في تنمية القيم الديمقراطية من خلال تشجيع المشاركة والتعبير عن الرأي وتشكيل الرأي العام، حيث انطلقا من خلاله إلى بناء تصورات نظرية ومعالجات تحليلية لمختلف السياقات الاجتماعية والثقافية المرتبطة بمتغيرات الدراسة الحالية، خاصة وأن هذه الدراسات أشارت إليها بشكل ضمني غير مفصل وصريح؛3.1. ضبط مفاهيم البحث1.3. ويعرفها معجم المصطلحات السياسية على أنها: تنظيم حياة المجتمع وفق قواعد عامة مشتركة تحترم وجود التنوع والاختلاف في اتجاهات السكان ذات الأطر الواسعة حيث تختلط الاتجاهات الايديولوجية والفلسفية والدينية؛ فيما يرى» روجيه لابوانت « أن التعدد يوجد حيثما يوجد التنوع، طبقي أو حزبي (عياش، 2018، ص 03).تعني التعددية اجتماعيا وجود مؤسسات فئات وجماعات غير متماثلة التوجهات في المجتمع، عقائديا، وهي بذلك تقوم على التنوع والاختلاف ضمن هذه المستويات، سواء كان ذلك في نطاق مجتمع محلي واحد وقد يتعداه إلى النطاق الدولي؛ كما يختلف بموجب ذلك التعدد باختلاف النطاقات الجغرافية وباختلاف المواضيع والمجالات التي يرتبط بها والدرجات التي يصل إليها، بحيث يكون إيجابيا أو سلبيا، مقبولا أو مرفوضا،1.1. التعددية الإعلامية Media pluralismيعد مفهوم التعددية الإعلامية مفهوما معقدا ومتعدد الأبعاد يتكيف وفقا لسياق محدد؛ وغالبا ما يتم تعريف التعددية باستخدام الازدواجية» الداخلية/الخارجية «، حيث تشير التعددية الخارجية إلى تعدد المصادر، بينما تشير التعددية الداخلية إلى تنوع المحتوى الذي يتم تقديمه من خلال كل وسيط أو وسيلة إعلامية (De Bustos & Del Rio, 2014).يرى زرن من هذا المنطلق أن التعددية الإعلامية تفهم عامة بالعودة إلى مؤشرين: (زرن، 2013، 46)مؤشر خارجي: يتعلق بملكية وسائل الإعلام.مؤشر داخلي: يتعلق بمضمون وسائل الإعلام والذي بدوره ينقسم إلى:مؤشر كمي: يتمثل في حجم الأخبار والأراء التي تعرض على الرأي العام،مؤشر كيفي: ويعني به» كل ما له علاقة بخلفية الآراء المعروضة، السياسية منها والإيديولوجية وحتى الثقافية؛ من جهة أخرى تمثل مواضيع الآراء والأخبار المعروضة من سياسية إلى اقتصادية إلى رياضية إلى صحية عنصرا محددا لمبدأ تعددية الإعلام؛ إذ تقوم كميا على ضرورة تشتيت الملكية الصحفية ورفع الاحتكار والتركيز عنها، ويتجاوز التنوع الكمي هذا الشرط إلى ضرورة وجود كم وعدد متنوع من المضامين والمصادر والجمهور المختلف التوجهات والغايات،تعرف الثقافة على أنها ذلك الكل المركب من المعارف والعقائد والفن والأخلاق والقانون والأعراف وكل ما اكتسبه الإنسان باعتباره عضوا في المجتمع؛ كما تعرف على أنها مجمل السلوك الاجتماعي المكتسب والمتعلم الذي يتم نقله من جيل لآخر (صالحي، 2015، وغايتها تطوير التفاهم المشترك بين المكونات الاجتماعية بما يحقق المساواة فيما بينها في الحقوق والواجبات حيث تسعى التعددية الثقافية إلى تنظيم أحوال الجماعات متنوعة الثقافات، ومنحها شعورًا بالقيمة، المكانة والتقدير (ابراهيم، 2017)؛ كما تتجلى التعددية الثقافية في الاحترام المتبادل ومحاولة عدم تشويش مكون ثقافي على مكون آخر مغاير، 2019، ثراء المجتمعات بفئات مختلفة الثقافات ومنه الايديولوجية واللغة وغيرها؛ وثانيها: القبول من خلال احترام الاختلافات بينهم، ص 242)؛ ويحمل مفهوم التنوع الثقافي فكرة التعايش بين أكثر من مظهر ثقافي داخل نفس الوسط المجتمعي (صالحي، 2015، ص 261)، في ظل تعدد الأشكال التي تعبر بها المجتمعات عن ثقافاتها وكذلك قدرة الأفراد على اختيار أشكال التعبير الثقافي؛1. التنمية المستدامة Sustainable developmentعرف مفهوم التنمية تحولات كبيرة انتقل فيها من المفهوم الضيق القائم على الكم الاقتصادي إلى المفهوم الواسع القائم على محورية الإنسان، خاصة بعد تأكيد إعلان الحق في التنمية لسنة 1986 الذي كان له الفضل في ربط عملية التنمية بحقوق الإنسان صراحة؛ وقد يكون معنويا يستهدف تعزيز اتجاهات الناس ومنه تعزيز أهداف التنمية (أحمد، 2007، ص 06)؛ وهي بهذا عملية هادفة في الزمان والمكان تسعى وتراهن على إحداث تغيير إيجابي.ويعني مفهوم الاستدامة التواصل والاستمرارية، حيث لا معنى لأي نشاط تنموي لا تكتب له الاستدامة بحيث تستفيد منه الأجيال القادمة (مسعودي، 2009، لذلك ارتأينا ضمن هذه الورقة البحثية تعريفها من منظور المجتمع والتنمية الانسانية التي تعد امتدادا للمفهوم الأول (التنمية والتنمية المستدامة) ومرتبطا بالممارسات الاجتماعية ومنه التعدد المجتمعي وبالتالي التعدديتين الثقافية والإعلامية باعتبارهما تبنيان على ذلك؛ رأس المال البشري والموارد البشرية، وتشمل أهداف وغايات ترتبط بجودة الحياة، رفاهية الفرد والحفاظ على كرامته الإنسانية فهي بذلك تتجاوز الحياة والأهداف المادية ولا تقتصر عليها فقط (ومن بين ما نقصده في هذا الصدد ويرتبط بموضوع بحثنا على سبيل المثال حرية الإعلام والحق فيه،2. دور التعددية والتنوع الثقافيين في تحقيق التعددية الإعلامية1.2. التعددية الثقافية بين التوازن والاختلاللعل أبرز ما خلفته التحولات الكبرى على الصعيد السياسي والاقتصادي والتقني التي شهدها العالم من تأثيرات متنامية على الخصوصيات الثقافية لمجتمعات لعالم المختلفة خاصة مع دخول العولمة بقوة حيث عملت وسائل الإعلام الغربية ونماذجها على تشكيل حالة من فقدان الهوية الثقافية لشعوب العالم من خلال بناء ثقافة موحدة بحيث يسود نمط ثقافي يكرس قيم الاستهلاك كحالة ثقافية أحادية تسيطر على الثقافات الأخرى؛ 2014، 196).غالبا ما تعمل هذه الممارسات من نشر وترويج للمنتجات الثقافية والإعلامية ومختلف المعلومات تحت غطاء التعددية الثقافية والتنوع وتأخذ من الديمقراطية والانفتاح مبررا لها، وهو نفس الشأن الذي تطرحه التعددية الثقافية التي يمكن أن نصفها بالسلاح ذو حدين يؤدي توزانها إلى تحقيق فوائد اجتماعية مختلفة كما يؤدي اختلالها إلى العكس تماما وهو ما يطرح محاذير حولها .ويمكن إبراز ذلك من خلال بعض:فوائد التعددية الثقافية التعرف على ثقافات المجتمع بأكملها، كالعادات والتقاليد والقيم.تحقيق المساواة بين الثقافات المختلفة في المجتمع فلا يوجد تهميش في المجتمع.إعطاء فرصة لتحقيق الحريات العامة وتأسيس قاعدة متينة للمساواة بين الثقافات المختلفة في المجتمع مثل القوانين (ابراهيم،محاذير التعددية الإعلامية يمكن أن يؤدي الأخذ بالتعددية إلى تفكيك المجتمع وتخريب النسيج الاجتماعي العام لأن كل ثقافة عاداتها وتقاليدها ونمط حياتها.يمكن أن يؤدي إلى اندثار فكرة المجتمع وظهور فكرة الجماعات، فالمجتمع هو نتاج صهر للجماعات تراعى فيه الخصوصيات الثقافية مع التركيز على المشترك الثقافي الأكبر الذي يحقق مبدأ الهوية؛ أما فكرة الجماعات فهي تشكيل غامض من جماعات غير منسجمة، لها تطلعات مختلفة أو ربما متعارضة، 2017).يجب أن تنظر المجتمعات إلى التعددية الثقافية في شقها الإيجابي وتعمل على تعزيزها بالشكل الذي يخدمها اجتماعيا وثقافيا وتنمويا خاصة على النطاق المحلي، أخذا بالاحتياطات التي تجابه محاذيرها خاصة الخارجية منها والدولية الرامية إلى الهيمنة والطمس حيث سنبرز سبل ذلك من خلال إبراز سياق العلاقة والأدوار بينها وبين النظم الأخرى.2.2. مقومات التعددية الإعلامية ويمكن في هذا الاتجاه رصد خمسة عناصر أو مقومات أساسية تكرس مجتمعة التعددية الإعلامية وهي:التعددية الإقليمية (الجغرافية): ويقصد بها حق الأقاليم الجغرافية التي يتكون منها العالم في أن تمثل بشكل متوازن نسبيا في إطار عملية تدفق المعلومات على الصعيد الدولي، حيث مثلت أحد أبرز العناوين التي كانت موضع مناظرة ونقاش بين الشمال والجنوب منذ الستينيات من القرن الماضي (الصرايرة، 2014،التعددية الفكرية (الايديولوجية): إذ تقتضي التعددية الإعلامية أن تقوم وسائل الإعلام بإعطاء تمثيل متوازن للنظم والأطروحات الفكرية المختلفة، بحيث توفر للجمهور قاعدة معلوماتية وتحليلية استنادا إلى رؤى متباينة، فالتمثيل الايديولوجي المتوازن عبر وسائل الإعلام وهو في الحقيقة انعكاس لمدى التزام وسائل الإعلام بحرية الرأي والتعبير.تعددية النظم الإعلامية: فوسائل الإعلام تختلف في دورها ووظيفتها من نظام إلى آخر، وتختلف في نظام الملكية بموجبه، فالتعددية الإعلامية تقضي بأن تمثل الثقافات المتنوعة على مستوى العالم عبر وسائل الإعلام بتوازن نسبي مقبول بدلا من أن تصبح أداة لترويج ثقافة محددة تسعى للهيمنة. 2014، ص 193-198)؛ وعليه توجيه الجمهور من جهة وحرمانه من الحق في الإعلام حسب خلفيات معينة لذلك تقتضي التعددية إعادة النظر في هذه الممارسات وضرورة احترام أخلاقيات المهنة الصحفية وتوفير توازن في المضامين.تشتيت الملكية الصحفية بما يعني عدم احتكار وتركز وسائل الإعلام لدى جهة واحدة ممثلة في السلطة أو مالك واحد متحكم على سبيل المثال.تنوع الصحف ووسائل الإعلام من حيث العدد والمضمون والجمهور والايديولوجيات والانتماءات الثقافية.استقلالية وسائل الإعلام لاسيما فيما تعلق بالأمور المالية والتمويلية. 2019، ص 122).إضافة إلى الانفلات من سيطرة الإعلان والمعلنين وتوجيههما للسياسة التحريرية وكذلك التأثيرات الشخصية والذاتية.3.2. التعددية الثقافية مبدأ أساسي للتعددية الإعلامية: سياسات التعزيزلاشك في أن المسارات التي سلكتها التعددية الثقافية في المجتمعات والبلدان كانت متباينة للعديد من الأسباب؛ في هذا السياق أجرى «كيملكا» وزملاؤه حصرا لتحديد درجة اعتبار البلدان «متعددة الثقافات» بما يعني مدى تبنيها لسياسات التعددية الثقافية وقد تمثلت في ثمانية مبادئ وسياسات اعتمدت بدرجات متفاوتة في البلدام المختلفة وهي: (راتانسي، 2013، ص 24-25)التأكيد الدستوري والتشريعي على التعددية الثقافية.تبني التعددية الثقافية في المناهج التعليمية والمدرسية.الإعفاء من قواعد الملبس.تمويل التعليم الثنائي اللغة أو التعليم باللغة الأم.اتخاذ إجراءات إيجابية لمصلحة الجماعات المحرومة أو بالأحرى صياغة تشريعات مناهضة للعنصرية.وإن كانت السياسة الثالثة المتعلقة بمراعاة تمثيل كل الفئات في وسائل الإعلام ومنه ما تعلق بأدوار هذه الأخيرة في ضمان الحق في الإعلام بمختلف مستوياته تبدو المبدأ الوحيد الذي يربطها بالإعلام ويعزز التعددية الإعلامية كونه مرتبط أساسا بالحق والحرية في التعبير كما أشرنا سابقا، إلا أن هذا الشق لا يمكن أن يتحقق بمعزل عن السياسات الأخرى، خلاصة القول أن مبادئ تعزيز التعددية الثقافية وإن كانت في ظاهرها تبدو منفصلة عن التعدديات الأخرى وأهمها التعددية الإعلامية إلا أنها ترتبط بها ارتباطا مباشرا ولو كان ضمنيا وتقوم على أساس العلاقة المتلازمة بينهما.1.3. أبعاد التنمية المستدامةمما سبق عرضه ضمن مفاهيم البحث وتعريفنا للتنمية المستدامة، يمكن أن نلخص أبعادها في ثلاثة أبعاد مترابطة ومتكاملة في إطار تفاعلي هي:البعد الاقتصادي: ويخص تلبية الحاجات المادية للإنسان عن طريق الإنناج والاستهلاك، ويرى بعض الاقتصاديين أن التنمية المستدامة تتطلب نموا اقتصاديا سريعا للقضاء على الفقر وتوليد الموارد اللازمة للتنمية. 2009، ص.ص 11-12).البعد الاجتماعي: وتدخل فيه اعتبارات العدالة بين الأجيال وداخل الأجيال نفسها (سقني، 2010، ص 40). وهو الذي يشمل تحقيق الأهداف الاجتماعية مركزا على الإنسان كونه عامل التنمية وهدفها عن طريق تحقيق العدالة الاجتماعية (ومثالها التوازن في تدفق المعلومات والإعلام وتمثيل مختلف الفئات بشكل متساوي)، تقديم الخدمات (ومنه الخدمة العامة عبر مختلف الوسائل)؛ كما أنه مرتبط ارتباطا مباشرا كذلك بتعددية وسائل الإعلام ونظمها كما أشرنا إليه سابقا، من حيث الملكية وأنواعها وكذلك من حيث تمويلها ونوعية منتجاتها ولعل أبرز دليل على ذلك فيما نراه من هيمنة بعض الشركات العالمية على السوق الإعلامية ما جعل التنمية في مجتمعات أخرى متأخرة وقاصرة.تبنى التنمية المستدامة على عدة مقومات ومؤشرات كالتالي: ومنه تشتيت الخدمات التي تجتمع عادة في مركز واحد (مثل البنوك والجامعات والمراكز الصحية ووسائل الإعلام. الخ) وتشتيت النشاطات الاقتصادية مثل المصانع وكذلك تشتيت القرارات الخاصة بها. 2015).التمكين والأمن: توسيع القدرات والخيارات مما يزيد من قدرة الأفراد على ممارستها بشكل متحرر من الحرمان والحاجة بالإضافة إلى زيادة فرص المشاركة في صنع القرارات المؤثرة على حياتهم في وسط آمن متحرر من ظواهر القمع والمرض ومصادر الضرر.التنوع والتعاون: نظرا لأهمية الشعور بالانتماء والسعادة والإحساس بوجود هدف ومعنى للحياة بالنسبة لتحقيق الذات بشكل كامل (برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، 1997، ص.ص 07-08)، ومنه تحقيق التنمية الأعم؛ وبشكل خاص يحدث التنوع فارقا في ظل المجتمعات المتعددة الثقافة والتوجهات الإيديولوجية والعقائدية ويشكل في مظاهره الإيجابية عاملا للدفع بعجلة التنمية فيها.الإنصاف والتشاركية: إن توسيع الإمكانيات والفرص يعني وجود عدل ومساواة في تقرير الفرد لما يريده أو تحصله على ما يحتاجه؛ كما أن التشاركية تساهم في جعل الفرد فاعلا وتنمي قدراته وثقته في نفسه وتؤدي بذلك إلى تنمية أشملالاستدامة: ونعني بها التواصل والاستمرارية حيث لا يمكن أن يحدث أي نشاط تنموي ويوصف يالتنموي لا تكتب له الاستدامة بما يضمن استفادة الأجيال القادمة منه ومن التحسينات الإيجابية والتطور الحاصل عبره.2.3.الجدول رقم 01: تصنيف أبعاد التنوع الثقافيالأبعاد الأوليةالأبعاد الثانويةالأبعاد الفرعيةالعرق/الاثنيةالدين - أسلوب التفكيرالمواقف - الإدراكاتالمعتقدات - القيمالسنالوضع العائلي - الوضع الاقتصاديقواعد الجماعةالقدرة الجسدية/ الإعاقةالخبرة العملية - التوجه السياسي ص 129)تشكل هذه الاختلافات والاتصاف بواحدة منها على الأقل أو أكثر من ذلك أو كلها بشكل لا يشبه الغير أغلبية كانت منهم أو أقلية وخاصة في رقعة جغرافية مشتركة، تنوعا ثقافيا بين الفرد والآخر، وكما ذكرنا سابقا تتأثر التنمية في أي مجتمع بهذا التنوع وهذا من خلال: العلاقة التفاعلية بين التنوع الثقافي والتنمية المستدامةالتنوع الثقافي مصدر لإثراء الثقافة البشرية، فالثقافات يثريها التواصل مع الثقافات المغايرة.التنوع الثقافي أحد المقومات الأساسية للحرية الإنسانية وأحد شروطها لفهم الحياة الإنسانية وتنظيمها من خلال خلق عالم غني ومتنوع في الأفكار والآراء والتقبل.التنوع الثقافي يخلق مناخا تشترك فيه الثقافات المختلفة بحوار يعود بالنفع على جميعها،التنوع والحوار بين الثقافات يحقق الاحترام المتبادل، الانسجام والمساواة وبالتالي تعزيز التنمية اجتماعيا،التنوع الثقافي أساس تطبيق الديمقراطية، فبدون الإقرار بالتنوع يوجد عائق أمام احترام الحقوق الإنسانية، ولا يمكن الإقرار بوجود ضمانات لكرامة الإنسان وحماية حقوقه ويصعب وجود مجتمع ديمقراطي لا تنتهك فيه الحقوق.التنوع الثقافي مؤثر في التعليم بما يساهم في التنمية المستدامة، على سبيل المثال تحديث المناهج والاستفادة من التجارب العالمية الناجحة، ضمان الانسجام والتوافق بين السياسات الخاصة بقطاع التعليم والقطاعات الخاصة بقطاع التنمية (مثلا الانفتاح على المحيطين الاجتماعي والاقتصادي؛ ومواءمة أهداف التنمية واستراتيجياتها على المستويين المحلي والوطني (صالحي، 2015، 266-267).نؤكد في هذا السياق على أننا نعالج في هذا الشق الطرح الإيجابي للتنوع الثقافي ومظاهر تفاعله مع ولتحقيق التنمية المستدامة، مع الإشارة دائما إلى أن هذا لا يعني أن التنوع يعود بالفائدة دائما وقد أبرزنا الطرح السلبي له بشكل مفصل أعلاه، كون هذه المحاذير بطبيعة الحال يمكن أن تعمل مع التنمية المستدامة بشكل عكسي نتيجة السلبيات التي تحملها؛ وقد يكون التنوع الثقافي سببا من أسباب الانحراف المجتمعي إذا تجاوز محاسنه إلى التفرقة الاجتماعية والعنصرية والتمييز وتفكك المجتمع.ناهيك عن الغزو الثقافي، حيث نلاحظ هيمنة الأنشطة الثقافية الأجنبية كما ونوعا في مقابل أنشطة محلية محدودة (صالحي، 2015، وهذا ما يؤثر سلبا على التنمية وقد أشرنا إليه سابقا؛ لذلك على وسائل الإعلام تفادي الآليات السلبية ومراعاة الآليات الإيجابية في صناعتها وتوزيعها لمضامينها المختلفة، ونفصل في هذا من خلال الكشف عن ملامحها وأدوارها.1.4. التعددية الإعلامية والتنمية المستدامة: التقاطعات وسياق العلاقةالشكل رقم 01: التقاطعات بين مقومات التعددية الإعلامية وأبعاد التنمية المستدامة إضافة إلى مقومات وشروط تحقيق التعددية الإعلامية التي تم إبرازها؛ وبالنظر إلى التقاطعات بينهما من خلال الشكل رقم 01 أعلاه وتحليل عناصرها يمكن تسجيل النقاط التالية لتبيان سياق العلاقة بين المتغيرين المذكورين: حيث يضمن من خلاله حق النطاقات المختلفة باختلاف مركزها، انتمائها وبعدها عن عاصمة القرار في الحصول على مختلف الخدمات بشكل عادل ومتساو، ومن بين هذه الخدمات حق الحصول على المعلومة والحق في الإعلام، والتدفق الإعلامي المتوازن، وتشتيت الخدمات المختلفة بشكل عام.يقابل مقوم التعددية الفكرية والايديولوجية مبدأ التمكين والأمن، حيث يشكل التحرر من مختلف القيود وفي مقدمتها ضغوط التعبير عن الرأي والتفكير والانفلات من قمعها أولى المستويات والضمانات التي تفتح مجالا رحبا لدافعية الإنجاز وتوسيع الخيارات ويفتح أفاقا واسعة نحو ممارسات ديمقراطية تعود بالإيجاب على الفرد في مختلف المستويات المعرفية والمادية؛إن مبدأ التعددية الثقافية كمؤشر وشرط أساسي للتعددية الإعلامية يتطابق مع مبدأ التنوع والتعاون، حيث وكما أشرنا إليه سابقا ينتج تمثيل الثقافات المختلفة خاصة داخل المجتمع الواحد بشكل متوازن وعادل مشاعر بالتقبل والسعادة وانتماء هذه المجموعات لبعضها البعض، ويدحض النزاعات بينها والصراعات التي قد تعرقل تنميتها أثناء انشغالها بالبحث عن ضمان مكانة لها ضمنه أو تتجاوز ذلك إلى التفكير في إلغاء الآخر من أجل ضمان بقائها؛ وبالتالي تبدو الأحادية الثقافية هنا نقيضا للتنمية المستدامة والتعاون المشروط لقيامها، ولا يتأتى تحقيق هذا التعاون إلا من خلال الاعتراف بالتنوع والتعدد خاصة من خلال اعتناء وسائل الإعلام بهذه الوظيفة التي تعمل على تحقيق السلام واتحاد المجتمع الواحد.بطبيعة الحال لا تتحقق الشروط السابقة إلا بشرط الاعتراف بتعددية النظم الإعلامية أو على الأقل وجود نظام إعلامي منفتح وديمقراطي ضمن النظام الواحد يرفض الممارسات التسلطية والبيروقراطية، هذه الأخيرة التي تتقاطع مع مبدأ اللامركزية الإدارية الذي يشكل حجر أساس لتحقيق التنمية المستدامة من خلال العمل على القضاء على كل أشكال التنظيمات الإدارية المعقدة التي تثقل كاهل الفرد وتعطل تحقيقه لأهدافه أو حصوله على الخدمات والحقوق المختلفة (ومثالها إصدار نشريات، العمل الصحافي والحق في الإعلام عموما) مع ضرورة أن نربط هذا المبدأ بأول شرط متعلق بالقضاء على المركزية الجغرافية والإقليمية التي تشكل امتداد آخر لممارسة التمركز الإداري وتساهم في تعطيل مسار التنمية.تتقاطع كذلك كل من التعددية الإعلامية والتنمية المستدامة في نقطتي «تعددية المحتوى والأولويات على وسائل الإعلام» و«الإنصاف والتشاركية» حيث أن تشتيت المحتوى الإعلامي كما وكيفا وتنوعها من حيث الموضوعات والأشكال وعددها إضافة إلى توجيهه إلى جمهور مختلف الميولات والتوجهات والاحتياجات يرتبط ارتباطا مباشرا ومحققا للإنصاف بين الفئات المختلفة لهذا الجمهور، كما أن تحديد الأولويات التي يتم انتهاجها يأتي من خلال مشاركة هذا الجمهور في اختيارها والتشاركية التي يضطلع بها من خلال مشاركته في صناعة المادة الإعلامية خاصة في ظل التقنيات والمساحات التي أصبحت توفرها تكنولوجيات الإعلام والاتصال الحديثة في هذا المجال؛ وهو ما يشير إلى ارتباط هذين المؤشرين وتقاطعها حيث لا تقوم التعددية الإعلامية والتنمية المستدامة بدونهما. الرأي، التعبير والتلقي وبالتالي انعكاسا للتعددية الإعلامية التي تشترط التمثيل المتوازن بدلا من الهيمنة والأحادية الهادفة إلى إحداث عولمة قائمة على إلغاء الثقافات الأخرى.للمؤسسات الإعلامية دور مهم في تحريك عملية التنمية عبر علاقة متوازية بين البشر والموارد وتفاعل العناصر الثلاث (المجتمع، ضمان حقوقه الإنسانية عموما والإعلامية خاصة، وحماية حريته؛ المؤسسات الصحفية والإعلامية عن طريق تشتيت ملكياتها، استقرارها المادي، انفلاتها من مختلف الضغوط السياسية والاقتصادية؛ المورد البشري من صحفيين وعاملين على مختلف المستويات والوظائف من خلال استقرار وضعهم المهني، احترافية آدائهم، تكوينهم وتدريبهم وضمان الرضا الوظيفي لديهم وهو ما يرفع الأداء ويؤثر إيجابا على بقية العناصر الأخرى، مع ضرورة مواكبة التطورات التكنولوجية وخاصة الصناعات الثقافية كصناعات أصبحت ذات أهمية كبيرة. التنوع والغزو الثقافيين «بين التنمية والطمس»: للعولمة أثر كبير وواضح في التأثير على الهوية الثقافية وقد برز اتجاهين:اتجاه مؤيد: ينظر إلى العولمة من زاوية إيجابية ويتقبلها باعتبارها ظاهرة تعود بالنفع نتيجة ما وفرته من تقارب ثقافي جعل العالم قرية واحدة وما أفرزته من انفجار معرفي أتاح لمختلف المجتمعات الوصول إلى المعلومات والاستفادة من الصناعات الإعلامية والثقافية المختلفة والمتطورة، لذلك يرى بعض المتخصصين أن التأثير على الهوية الثقافية بسيط.