أولا: تطور المسح الأثري وأنواعه1_ تطوره لم يظهر الاهتمام بالمسح الأثري مع نشوء علم الآثار في الزمن الراهن وإنما كان وسيلة فقط لعلماء الآثار حتى في مواسم الحفر البدائية مع المنقبين الأوائل. حيث لجأ هؤلاء إلى ريادة أماكن واسعة بحثا عن المواقع الأثرية وتسجيلها ثم توصيفها توصيفا علميا دقيقا، ثم شرعت أعمال المسح تأخذ منحى شمولي ونظامي في الوقت ذاته وكان ذلك في غضون الربع الثاني من القرن العشرين. ومن ضمن الأثريين ماكس ملوان الذي قام بعدة أعمال مسح سجل أثناءها عديد المواقع وحدد مواضعها وعصورها ودون الملاحظات الوصفية لها رغم أن تلك المجهودات كانت تصب في تحديد المواقع الأثرية التي تصلح لأجراء عمليات التنقيب. ويمكن الإدلاء ببعض الأمور التي تفيد أن المسح الأثري طرأ عليه نوع من التحديث الناتج عن تطور علم الآثار بحد ذاته في مفاهيمه وأساليب التحليل العلمي قصد جلب علوم واختصاصات متنوعة إنسانية وعلمية .وتتطلب هذه العملية توثيق، والأعمدة، والعمائر المختلفة الموزعة على الحقل الأثري وتركها كما هي في موضع وجودها من غير المساس، أوإلحاق الضرر بها.2_ مسح يصاحبه عملية تدخل ومسكوكات، ومعالجتها في المخبر._ إنجاز أسبار متفاوتة تتراوح بين الصغر،3_ المسح الواسعيقصد به أخذ عينات بطريقة غير منتظمة، وبأسلوب عشوائي من مواضع مختلف داخل الحقل الأثري الواسع خاصة في المدن المندثرة التي تتربع على مساحات شاسعة من أجل الحصول على عينات لمختلف الحضارات التي مرت هنالك. قلعة_ محل الدرس._ وهناك المسح المكثف شبه الكامل للوسط الجغرافي الذي يكون هدفا للمعاينة الميدانية الذي يقوم فيه فريق البحث بالمشي المستقيم وفقا للمنهجية العلمية المتبعة في مثل هذه الأبحاث الاستكشافية؛ وهي شبيهة إلى حد بعيد بعملية التمشيط التي تقوم بها وحدات الجيش الشعبي الجزائري مشيا على الأقدام لمسافات طويلة في الغابات والأحراش بحثا عن الألغام المضادة للأفراد والمركبات العسكرية المزروعة هنالك.ثانيا_ طرق المسح الأثري1_ الريادة الجوية للمواقع الأثرية والثانية. ومن بينهم الضابط الذين اشتهروا باستخدام هذه التقنية الفرنسي براديز الذي قام بطلعات في الشرق الجزائري في نهاية الأربعينات من القرن الماضي وتوج عمله بكتاب عن تلك المسوحات الجوية التي قام بها أطلق عليه (FossaeAfricae) .إن استخدام هذه التقنية في ظل الانفجار الرقمي الهائل في عصرنا يهدف الى تسهيل عملية تخطيط المواقع الأثرية وتوثيقها عبر برمجيات الاستشعار عن بعد ونظم المعلومات الجغرافية، بالإضافة إلى توثيقها بدقة عالية على نظام الموقع العالمي GPS.كما تعزز هذه الطريقة دراسة وبحوث الآثار، وتفتح الآفاق في عملية الاستكشاف الأثري، إلى جانب أهميتها في توفير بنك معلومات،وقاعدة بيانات قيمة من الصور الرقمية للباحثين والطلبة. الريادة الجوية المباشرة تتم من خلال طائرة يمكن التحكم بها تطير بأبعاد واتجاهات مختلفة ومزودة بكاميرات رقمية عالية الوضوح والجودة وجهاز تسجيل الموقع الجغرافي بدقة متناهية، بالإضافة إلى إمكانية التحكم بالتصوير من ارتفاعات وزوايا مختلفة، والكاميرات الرقمية الذكية تتمتع بقدرة تخزين فائقة تمكنها من التقاط مئات بل آلاف الصور الشمسية ذات الأبعاد الثلاثة في الطلعة الجوية الواحدة.2_ الاستشعار عن بعد واستعماله في المسح الأثريويقصد بهذا المصطلح العلمي(remotesensing in archeology) في اللغة الإنجليزية، و( (télédétection باللغة الفرنسية ذلك العلم التقني الجديد المبتكر عن التطور التكنولوجي والعلمي المذهل الذي أبهر البشرية. وهو يهتمبدقة متناهية في تحديد ومراقبة وقياس وتفسير الأشياء والأسطح بمختلف أشكالها وألوانها من الأعلى دون اتصال مباشر بها؛ وهناك طريقتين اتفق بشأنهما الأثريون للدلالة على تقنية الاستشعار عن بعد واستعماله في علم الآثار سنذكرهما على النحو التالي:أ_ الاستشعار من هذا المنظور يعني تقنية الحصول على معلومات عن الأشياء بواسطة تحليل البيانات التي رصدت وجمعت عبر الماسحات الضوئية، وأنظمة التصوير بالرادارات غير المتصلة مباشرة مع الأشياء قيد البحث سواء على سطح الأرض أو في السويات الأثرية بما يعرف بالستراتيغرافيا أو الطبقات المحتوية على اللقى الأثرية للحضارات المندرسة المتنوعة التي عاشت في منطقة ما من المعمورة. والعمائر، والمدافن المطمورة في باطن الأرض أي في السويات الأثرية المشار إليها سابقا. وذلك من دون العبث بالدليل المخفي للحياة في الماضي في شكله المادي الثابت أو المنقول.هذين التقنيتين لا تتضمن مستشعرات محمولة في الفضاء الواسع ( مستشعرات تصوير جوي تقليدية أو رقمية، ماسحات ضوئية متعددة الأطياف موجودة في الأقمار الصناعية)، بل تشمل أيضا أجهزة جيوفيزيائية موجودة أيضا على سطح الأرض .ينظر الصورة رقم: 01الصورة رقم: 01الاستشعار عن بعد بواسطة القمر الصناعي3_ المسح بواسطة استخدام قياس المقاومة الكهربائية وتقوم على أساس أن كل نوع من التربة، والصخور، وغيرها له قدرة ما في مقاومة مرور التيار الكهربائي. وتتم قراءة المقاومة الكهربائية في الحيز المراد إجراء المسح عليه بواسطة جهاز قياس التيار الكهربائي ويستخدم معه مصدر التيار الكهربائي، وأسلاك، وأوتاد معدنية وتتم العملية بغرس هذه الأوتاد في الأرض إلى العمق المطلوب ثم يمرر التيار الكهربائي؛ وبعد تسجيل القراءة تكرر العميلة في موضع آخر إلى أن تتم تغطية المكان المراد مسحه ثم بعد ذلك تحلل النتائج .4_ المسح عن طريق قياس القوة المغناطيسيةتعتبر طريقة المسح عن طريق قياس القوة المغناطيسية إحدى الطرق الجيوفيزيائية المستعملة على قياس الحقل المغناطيسي الأرضي للمنطقة المراد مسحها أو إجراء الحفرية فيها . ويستخدم في هذه العملية جهاز يطلق عليه الماغنيتو متر الذي يعطي قراءة موحدة إذا كانت التربة تفتقر إلى لأي آثار وتتمتع بطبيعة واحدة. (ينظر: الصورة رقم: 02 ) الصورة رقم: 02 استخدام جهاز الماغنيتو متر في عملية المسح يمدنا إذ ذاك جهاز القياس بمعطيات غير عادية عن المعثورات الأثرية المدفونة هنالك .5_ المسح باستعمال جهاز الكشف عن المعادنتستعمل في هذه العملية أجهزة كانت في الماضي توظف للكشف عن الألغام المضادة للأفراد والجماعات التي غرست في الحدود كخطي شال وموريس في الجزائر أثناء الحقبة الاستعمارية؛ ثم طورت للاستخدام المدني. ولهذه الأجهزة قدرة فائقة على تحديد أماكن وجود المعادن في باطن الأرض وعلى أعماق متفاوتة حسب قدرة كل جهاز وحجم الكتل المعدنية.إذ يقوم الجهاز بإطلاق صوت رنين معين عند وجود معدن أسفل منه ويستدعي الاستخدام الصحيح لهذه الأجهزة توقع أماكن وجود المعادن على خارطة المكان الذي يتم المسح فيه والاكتفاء بذلك وعدم نبش كل مكان يوجد فيه معدن لأن ذلك يؤدي إلى قلب الطبقات الأثرية . ( ينظر الصورة رقم: 03 ) الصورة رقم: 03 جهاز الكشف عن المعادن في الحقل الأثري6_ التحليل الكيمائي لعينات التربةوتتم هذه العملية بواسطة فحص وتحليل مستوى وكميات الفوسفات الموجود في التربة، حيث تكون النسبة مرتفعة في التربة التي كان الإنسان يعيش فوقها أو قريبا منها لاحتوائها على بقايا الفضلات والمخلفات المنزلية، مضافا لها رميم العظام البشرية والحيونية المنتشرة هنالك. وتلك التي زرعت في تلك الحقب الزمنية .ثالثا_ أنماط المسح الأثري(ينظر الصور، 04، 05، مهما كان نوع هذه الآثار وتاريخها سواء كانت مخلفات أو بقايا حجرية من عصور ما قبل التاريخ، ومغارات، والفينيقيين، والرومان وغيرهم. وربط كل ما ينتج عن المسح الأثري من إحصائيات وقياسات بالوسط الطبيعي والمجال الجغرافي والنشاط الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والديني لساكنة تلك المواقع ودراستها دراسة علمية وافية.2_ المسح الإختيارييلجأ علما الآثار إلى تحديد أماكن بذاتها لإجراء المسح الأثري،وحري بنا القول أن هذه العملية أقل كلفة وجهدا من سابقتها التي تتطلب وسائل كبيرة وأموال، وبناء السدود، وإنشاء المصانع، والمباني، والمؤسسات، وحفر الآبار، ومد السكك الحديدية،