الدَّوْلَةُ الفَاطِمِيَّةُ هي إحدى دُولِ الخِلافةُ الإسلاميَّة،  والوحيدةُ بين دُولِ الخِلافةِ التي اتخذت من المذهب الشيعي الإسماعيلي مذهبًا رسميًّا لها.  قامت هذه الدولة بعد أن نشط الدُعاة الإسماعيليّون في إذكاء الجذوة الحُسينيَّة ودعوة الناس إلى القتال باسم الإمام المهديّ المُنتظر،  فانتقلوا إلى المغرب حيثُ تمكنوا من استقطاب الجماهير وسط قبيلة كتامة البربريَّة خصوصًا،  وأعلنوا قيام الخِلافةِ بعد حين. شملت الدولة الفاطميَّة مناطق وأقاليم واسعة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط،  فامتدَّ نطاقها على طول الساحل المُتوسطيّ من بلاد المغرب إلى مصر،  ثُمَّ توسَّع الخُلفاء الفاطميّون أكثر فضمّوا إلى مُمتلكاتهم جزيرة صقلية،  فأصبحت دولتهم أكبر دولةٍ استقلَّت عن الدولة العبَّاسيَّة،  والمُنافس الرئيس لها على زعامة الأراضي المُقدَّسة وزعامة المُسلمين. 1/أُصول الفاطميين 
 اختلفت المصادر التاريخيَّة حول تحديد نسب الفاطميين،  الإمام عُبيد الله المهدي بالله،  فهُم بهذا عَلَويّون،  ومن سُلالة الرسول مُحمَّد عبر ابنته فاطمة الزهراء ورابع الخُلفاء الرَّاشدين الإمام عليّ بن أبي طالب.  مما أُثيرت حول أُصول الفاطميين عدَّة قضايا مُعقَّدة على أنَّ قضيَّة نسب الأُسرة الفاطميَّة،  وانقسم الى رأيين
 •	الرأي الأوَّل :هو التباين السياسي والمذهبي الذي ساد بين المُسلمين بعد وفاة الرسول،  عن إعلان أنسابهم، *وذهب كُلُّ مصدر مذهبًا خاصًّا في تحديد اسم ونسب عُبيد الله المهدي قبل أن يكون مهديًّا،  وبعد أن صار كذلك.  فبعضُ المصادر تنفي عنه النسب العَلَوي،  وتعزوهُ إلى الفُرس أو المجوس،  وترجع في نسبه إلى ميمون القدَّاح فارسيّ الأصل.  وهي وإن اختلفت في تحديد اسمه قبل استلامه رئاسة الدعوة الفاطميَّة،  وفي المُقابل تؤكد مصادر أُخرى،  مُعظمها شيعيَّة،  صحَّة نسب عُبيد الله المهدي، 2/ نشأة الدَّوْلَةُ الفَاطِمِيَّةُ  وانتشارها
  ذلك أنَّ التشيُّع العَلَويّ تركَّز مُنذ نشأته في المشرق،  وظهر في بيئة الكوفة مُتعددة الأجناس والقوميَّات،  وانتشر بين الموالي،  وكانوا جميعًا من فرع الحسن بن عليّ بن أبي طالب،  وتمركزوا في شمال أفريقيا حيثُ ضعُفت السيطرة العبَّاسيَّة لبُعد المسافة عن مركز اتخاذ القرار في بغداد،  على الرُّغم من وجود فوارق كُبرى بين الفئتين في طبيعة دعمها للعَلويين بعامَّة، ورُبَّما كان العطف على آل بيت الرسول مُحمَّد،  كبيرًا في المغرب من أيِّ مكانٍ آخر،  وقد أتاح للأدارسة السَّيطرة على المغرب الأقصى بدون مشقَّة وتأسيس دولتهم المُستقلَّة.  باستثناء الأراضي التابعة لإمام تاهرت،  ممَّا هيَّأ الأرضيَّة الخصبة لزرع وتنمية الدعوة الشيعيَّة.  لكنَّ المذهب الإسماعيلي دخل إلى إفريقية بصورةٍ أكثر تنظيمًا وسريَّةً قبل نحو مائةٍ وخمسةٍ وثلاثين سنة من قُدوم أبي عبدِ الله الدَّاعي،  وتركَّز في ديار القبيلة البربريَّة كتامة في المغرب الأوسط،  التي عُرفت بأنَّها أكثرُ القبائل عددًا وأصعبها مُراسًا،  وهي البلادُ المُمتدَّة من طرابلس الغرب إلى طنجة.  وتولَّاها اثنان هُما أبو سُفيان الحسن بن القاسم وعبدُ الله بن عليّ بن أحمد،  ومرحلة الدور العمليّ،  وقامت على أكتاف الدَّاعي أبي عبد الله المُحتسب المشهور بالشيعي الصنعاني
  وكانت ميلة تحت حُكم موسى بن عيَّاش الذي اشتهر بعدائه لأبي عبد الله الشيعي،  خشيةً على مركزه،  وشارك في جميع المؤامرات التي حاكها الأغالبة للتخلُّص منه. وكانت ميلة المذكورة تُشكِّلُ مركزًا عربيًّا في قلب بلاد كتامة البربريَّة، لذلك كانت أوَّل عائق أمام انطلاق الدعوة إلى الخارج،  ، فشنَّ عليها الداعي حربًا وانتصر على حاميتها العسكريَّة،  902م): ولّى أبا يُوسُف ماكنون بن ضُبارة الأجاني.  لكن سُرعان ما استعادها الأغالبة مُجددًا،  وتراجع الجيش الأغلبيّ بعد الهزيمة إلى سطيف، *في سنة 291هـ،  سنة 903م،  استأنف الدَّاعي عمليَّاته العسكريَّة،  وكانت مدينةً مُعرقلةً لتحرُّكاته العسكريَّة،  وتُمثِّلُ قاعدةً لقوَّات العدو
 * وفي( 293هـ،  سنة 906م): استولى أبو عبد الله على مدينة طُبنة ،  وبسقوط هاتين المدينتين،  ولا بُدَّ من مُهاجمته. *وفي سنة 296هـ لِسنة 908م:هاجم الدَّاعي وجُنوده وأتباعه الحصن المذكور واستولوا عليه،  فانسحبوا إلى القيروان وسوسة وبعض المُدن الأُخرى.  وما حصل في دولته من الفوضى،  وبهذا زالت الدولة الأغلبيَّة وبالتالي سُلطة العبَّاسيين الإسميَّة والفعليَّة عن هذه البلاد،  ودخلت إفريقية في مرحلةٍ جديدةٍ من تاريخها. 4/نظام الحكم 
 1/الخِلافة والإمامة
  وكان لهذه الصفة المذهبَّية أثرها في صوغ كثير من النظم والرسوم التي اختصت بها.  كان نظامُ الحُكم في ظل الخلافة الفاطميَّة،  كما كان في سائر الدول الإسلاميَّة الأُخرى،  ثمَّ بعد ذلك مُنذ قيامها بمصر،  وإنَّ الوزير يجمع السياسة والجباية،  والجباية جامعة للوُزراء والعُمَّال،  وأن الملك يجمع الطاعة والسياسة،  والعاملُ يجمع الجباية والأعطاء،  وإنَّ الأعطاء جامعٌ للعُمَّال والرعايا،  وقد يكون هو الإمام الروحيّ والملكُ الزمني معًا،  وقد يكون تحت رياسته ملوكٌ آخرون،  وهو الحاكم المُطلق،  فإنَّ الخليفة الفاطميّ كان يحكُمُ حُكمًا مُطلقًا،  مثل الخُلفاء الأُمويين والعبَّاسيين قبله،  بينما قداسة الخليفة عند الفاطميين أصلٌ من أُصول الإيمان،  وهو معصومٌ عن الخطأ وِفق المُعتقد الشيعي،  وهو قائمُ الزمان،  وقيامه يرجع إلى مشيئة الله
  كما أنَّهم حرصوا على إضافة نعوتهم الخاصة إلى لفظ الجلالة كما فعل العبَّاسيّون قبلهم،  و«العزيز بالله».  وما إلى ذلك  ،  وسار الخُلفاء الفاطميّون على نظام الحُكم الوراثي بتفويضٍ من الله،  دُفن عددٌ من أئمَّة الإسماعيليَّة والخُلفاء الفاطميين في مسجد الإمام الحُسين بالقاهرة،  وذلك في موضع يُقال له «باب مُخلفات الرسول» 
 2/الولاية
  أي للتوسُّع شرقًا مُستقبلًا.  فأعدَّ لها تنظيماتٍ على المُستوى المُتقدِّم كدولةٍ ناشئةٍ مُتطوِّرة،  وعيَّن الحُكَّام لأقاليمها ووُلاةً لإدارة أجزائها الواسعة،  ويذكُرُ المقريزي بعضًا من ذلك،  فولّى أخاهُ على جرجنت.  وقد توسَّع ابن خِنزير سنة 298هـ،  وولاية الإسكندريَّة،  وولاية صقلية،  وولاية اليمن.  وتخلَّى حُكَّامها عن المذهب الشيعي ولبِثت صقلية كذلك تابعةً من الناحية الشرعيَّة للخِلافة حتَّى انتهت بالسُقوط في يد النورمان في سنة 462هـ المُوافقة لِسنة 1072م وكانت أعمال الحرمين واليمن أيضًا تابعة للخِلافة الفاطميَّة من الوجهة المذهبيَّة،  ولكنَّها كانت مُستقلَّة بشؤونها. 3/الوزارة
  ولم يكن الوُزراء إلَّا مُعاونين للخليفة يُنفذون سياسته وأوامره.  أمَّا في العهد الفاطميّ المُتأخر،  وبلغ من نُفوذ الوزراء في ذلك العصر أن غلب سُلطانهم على سُلطان الخُلفاء بشكلٍ عام،  وزاد نُفوذ الوُزراء حتَّى أنَّهم كانوا يُعينون بعض الخُلفاء ويعزلونهم،  بل ويتآمرون عليهم،  كما اتخذوا ألقابًا كلقب «الملك» وألقاباً أُخرى تفيد مزيدًا من التفضيل مثل «الأكمل» و«الأفضل» و«الأشرف»،  حيثُ تضاءلت إلى جانبها وظيفة الخليفة.  وأوَّل هؤلاء الوُزراء كان بدرُ الدين الجمالي،  الذي جمع بين إمارة الجيش والوزارة،  وكان الأمر الناهي في الدولة ما عدا في الشؤون الدينيَّة. 4/القضاء
 أدى تأسيس الدولة الفاطميَّة إلى ظهور خلافةٍ جديدة في العالم الإسلامي،  تتبع المذهب الشيعيّ عوضًا عن المذهب السنُّي الذي كانت تتبعه الدولة العباسية،  إلا أنَّه يتبع المذهب الإسماعيلي ويستند إليه في أحكامه عوضًا عن الحنفيّ.  وكان يستقرُّ قاضي القضاة عادةً في الجامع الأزهر الذي بناه الفاطميُّون بعد فتحهم لمصر مباشرة كان أول قاضي قضاةٍ فاطمي هو النعمان بن محمَّد الذي عيَّنه الخليفة المعز لدين الله،  وقد كان أول من يؤسِّس نظامًا قضائيًّا بالدولة الفاطمية عندما كانت لدى المواطنين مظالم على أمرٍ ما،  فإنَّهم كانوا يتجهون إلى حاجب الخليفة،  فإذا كانت صغيرةً فإنَّه يحولها إلى قضاة أو ولاة الدولة،  كما كان يوجد منصبٌ يلي قاضي القضاة مباشرة في أهميَّته وقوته، 5/النظام العسكري
 كان الدَّاعي أبو عبد الله الشيعي أوَّل من نظَّم الإسماعيليَّة تنظيمًا عسكريًّا دقيقًا ضمن قيادةٍ مُوحَّدةٍ،  إذ كان الإسماعيليّون من كتامة وغيرهم مُتناثرين مُتباعدين مكانيًّا،  ممَّا جعلهم غير قادرين على التحرُّك الفعَّال ضدَّ القوى المحليَّة،  وانطلق بهم من فج الأخيار قوَّة مُوحَّدة فعَّالة أقام أبو عبد الله الشيعي مراكز تدريبٍ عسكريَّةٍ بعد التنظيم الذي أحدثهُ في فرز قياداتٍ تدريبيَّةٍ وتسليحٍ قويٍّ،  وهكذا بدت القوَّة العسكريَّة المُعدَّة ذات فاعليَّة أرعبت الحُكَّام المُجاورين. شكلت كتامة العنصر الأساسي في الجيش الفاطمي في مرحلة قيام الدولة،  ثم انضمت إليه عناصر من عرب إفريقية وزويلة والمصامدة والبرقية،  وفي عهد العزيز بالله،  وأكثر من الاعتماد عليهم وزاد عليهم الحاكم بأمر الله طائفة من العبيد وبالأخص السود،  ومع تولّي بدر الدين الجمالي الوزارة، 000 رجل وعشر سفن محملة بعشرة آلاف مقاتل وقد انقسم الجيش الفاطمي إلى ثلاث طبقات.  الأمراء وهم قادة الألوف والمئات والعشرات،  فخواص الخليفة وحرسه الخاص،  ثم الجنود.  فأسسوا دار للصناعة في المهدية للسيطرة على غرب حوض المتوسط.  وبعد أن انتقلوا إلى مصر،  ابتنوا دارين أخريين في القاهرة،  كانوا يصنعون فيهم المراكب الحربية من مختلف الأحجام تولت تلك السفن حماية الثغور الفاطمية في البحرين المتوسط والأحمر،  وكانت تتمركز في قواعد رئيسية في الإسكندرية ودمياط وعيذاب. 125] وكان يتولى إدارة الجيش والأسطول ديوان عُرف بديوان الجيش يتولى حصر الجند من حيث الأحياء والأموات والمرض،  بالإضافة إلى تنظيم الرواتب وتوزيعها. 5/العصر الذهبي للدولة
 بلغت الدولة الفاطميَّة ذُروة عزِّها وكمالها في عهد الخليفة الخامس،  وإليه يُعزى تمكين السيطرة الفاطميَّة على مصر والشَّام،  التي بلغت في عهده أقصى اتساعها كان العزيز مسؤولًا عن إرساء الدولة الفاطميَّة وتشكيل هويَّتها،  وقد بدأ عهده في سنة 365 هـ الموافقة لِسنة 975م.  قبل أن تبدأ بالانحطاط والسُّقوط شهد عهد العزيز إنجازاتٍ إدارية وتنظيميَّة متنوعة.  فقد رُتِّبت الدواوين بدقَّة لتسهيل الإجراءات الإدارية.  وأحاط العزيز نفسه بمظاهر الترف وأغدق الأموال على قصوره وممتلكاته.  واستحدث منصب الوزراء،  إلا أنَّه اختارهم من الطائفتين اليهوديَّة والنصرانيَّة،  لكي لا يكون لهم نفوذٌ كبير يسمح لهم بالانقلاب عليه (وقد كان أوَّلهم وأحد أشهرهم يعقوب بن كلس).  وكذلك عدَّل تركيبة الجيش العرقية،  فقد كان الجيش الفاطمي بأكمله تقريباً مؤلَّفا من البربر،  وكلَّف هذا الجيش بإدارة معظم ولايات دولته عوضًا عن الجيش البربري.  وقد وقعت نتيجةً لذلك فتنةٌ في الجيش بين المغاربة والأعراق الأخرى وقد أراد العزيز أن يكون مذهب الدولة الرسميُّ هو المذهب الإسماعيليّ،  فعمل على نشره في دولته بكلُّ ما استطاع،  شهد عصره بعض الإنجازات العسكريَّة أيضًا،  فقد قاد جوهر الصقلي عدَّة حملاتٍ على الشام والعراق،  بل وقد نجح ببلوغ الموصل وإجبار جوامعها على الدعاء للخليفة الفاطمي لفترةٍ قصيرة.  توفّي العزيز نتيجة مرض في القولون سنة 386هـ الموافقة لسنة 996م
 خلف العزيز ابنه الحاكم بأمر الله، وحسَّن علاقته مع أهل السُنَّة،  ومنع النسوة من المشي في الشوارع،  ولم يعد شديد التديُّن،  فثاروا عليه وكرهوه،  ودبَّت الفوضى وأخيراً قرَّر الحاكم الخروج من القاهرة،  واختفى اختفاءً غير مفسَّرٍ بعد خروجه منها بفترةٍ قصيرة.  وهناك العديد من الروايات والنظريات حول سبب اختفائه،  لكن الأرجح أنَّه اغتيل.  أخذت قوَّة الفاطميين السياسيَّة بالانحدار شيئا فشيئًا،  وكان معظم الحكام الذين تبعوه صغارًا لم يبلغوا سنَّ الرُّشد بعد،  فأصبحت عمَّة له تُدعَى «ست الملك» الحاكمة الفعليَّة للدولة،  وتمكَّنت من إدارة شؤون الدولة بصورةٍ جيِّدة،  وقد سار عهده بهدوءٍ في البداية،  إلى أن بدأت الثورات ضدَّه،  فخرج صالح بن مرداس في الشام وانتزع منه حلب،  وقد دام حكم الظاهر لخمسة عشرة سنة، تولَّى ابنه معد المستنصر بالله الخلافة وهو لا يزال في السَّابعة من العمر،  وقد دام حكمه نحو 60 سنة،  ليكون أطول الخلفاء الفاطميِّين عهداً على الإطلاق.  في بداية عهده،  كانت أمُّه وبعض وزرائه هم الحكام الفعليِّين للدولة.  كان النصف الأول من خلافة المستنصر مزدهرًا ازدهارًا عظيمًا،  بل وقد تمكَّن سنة 450هـ الموافقة لسنة 1058م رجلٌ من حلفاء الفاطميّين يدعى أبا الحارث البساسيري من الاستيلاء على بغداد والقبض على الخليفة العباسي،  فأقام الخطبة فيها للخليفة الفاطمي المستنصر،  إلا أنَّ الأمور بدأت بالاضطَّراب فيما بعد،  فأصيبت مصر بمجاعةٍ هائلة استمرَّت سبع سنوات من سنة 457 إلى 464هـ (الموافقتين لسنتي 1065 إلى 1071م)،  وهي تُعرَف باسم «الشدَّة العظمى» و«الشدَّة المستنصريَّة».  فانقطعت الخطبة عن المستنصر في مكة والمدينة سنة 462 هـ الموافقة لسنة 1070م ليُخطَب عوضاً عنه للخليفة العباسي مجدَّدًا،  وكانت الحال نفسها في المغرب،  فقطع أمير بني زيري المعز بن باديس علاقته بالفاطميِّين وحوَّل ولاءه إلى الخلافة العباسيَّة،  أمَّا بغداد التي كانت قد انضمَّت للفاطميين حديثًا،  فقد قتل حاكمها البساسيري على يد سُلطان السلاجقة طغرل بك القادم من الشرق،  بل تابعوا التقدُّم غربًا ليصطدموا بالدَّولة الفاطمية مرة أخرى في بلاد الشام،  ونجح سلطانهم جلال الدولة ملكشاه بانتزاع معظم بلاد الشام من الفاطميين - بما فيها القدس وفلسطين - سنة 463 هـ (1070م).  وتسبَّب عجز المستنصر عن السيطرة على هذه الأحداث بانهيار هيبته تمامًا في الدولة وعلاوةً على هذه الخسارات الكبيرة،  فقد وقعت الفتنة سنة 466 هـ بالجيش بين المغاربة أولاً،  فقرَّر المستنصر الاستعانة بحاكم عكا الأرمنيّ بدر الدين الجمالي،  وهو أشبه بدكتاتورٍ يُعرَف بشدَّته وقدراته الإدارية والتنظيميَّة العالية.  فأعاد للدَّولة قوَّتها واستقرارها وثبَّت أركانها من جديد.  ووصلت الدولة في عهده أوج قوَّتها وازدهارها،  فشيِّدت القصور وازدهر العلم والحضارةوعادت الأموال الكثيرة إلى مصر،  من جهةٍ أخرى،  فشل بدر الجمالي في بعض النواحي العسكريَّة،  فخسر الفاطميُّون كُل الشَّام ما عدا مدينة عسقلان لم يكن مجيء بدر الجماليِّ جيِّدًا تمامًا للمستنصر،  فقد بدأ ينازعه على السُّلطة،  وتنامى نفوذه بدرجةٍ كبيرةٍ جدًّا،  حتى أصبح أقرب إلى الحاكم الفعلي للدولة الفاطميَّة،  فبدأ بذلك «العصر الفاطمي الثاني»،  الذي كان الوزراء فيه هم الحكَّام الفعليِّين للدولة. دخول الجيوش الصليبيَّة إلى بيت المقدس سنة 492 هـ\1099م،  بعد مقاومةٍ من الحامية الفاطميَّة في المدينة دامت لنحو شهر (في زمن خلافة المستعلي)
 *حسب النظام المتبَّع في الدولة الفاطمية،  كان أكبر أبناء الخليفة هو الذي يُعيَّن وليَّا للعهد،  وكانت هذه واحدةً من ملامح نفوذ الوزراء الشَّديد بالدولة الفاطمية وسيطرتهم عليها،  التي استمرَّت منذ وفاة المستنصر وحتى نهاية الدَّولة حصل في حين وقوع هذه الأحداث أن الحسن بن الصباح جاء إلى مصر لتحصيل علوم المذهب الإسماعيلي،  فشهد الخلاف الذي وقع بين الإسماعيليَّة والنزاريَّة،  ودعا بأحقيَّة نزار بالخلافة،  وقد تمكَّن حسن الصباح من الفرار لاحقًا،  فرحل إلى بلده أصبهان ليدعو بإمامة نزار وأسَّس هناك جماعة الحشَّاشين
  طمعَ بأن يعيد هذه الأراضي إلى سلطان الدولة الفاطمية مجدَّدًا،  فحشد جيشًا وحاصر القدس وأخذها من السلاجقة، 83] إلا أنَّ الجيوش الصليبية سرعان ما وصلت،  وكان قوامها نحو 40, 000 رجل،  ثم تمكَّنت من دخول المدينة،  ووقعت مذبحةٌ عظيمةٌ في جيوش الفاطميّين راح ضحيَّتها عشرات الآلاف،  وسقطت القدس بذلك في شهر يوليو سنة 1099م (492 هـ) وقد فقد الفاطميُّون إثر هذه المعركة آخر أملاكهم في بلاد الشام،  وأصبحت دولتهم تقتصر تقريبًا على مصر وحدها. لم تدم خلافة المستعلي طويلاً،  بناءً على رغبة وزير الدولة الملك الأفضل. 90] كان الأمر خليفةً قويًّا،  فدبَّر لاغتيال الملك الأفضل،  إلا أنَّه رغم ذلك لم يحسن السِّيرة،  فساءت أوضاع الدولة في عهده.  وقد قتل اغتيالاً سنة 524 هـ (1130م)
 وفي حين مقتله،  ولم يكن للآمر ابنٌ آخر يتولَّى الخلافة،  فعُيِّن أخوه الحافظ لدين الله نائبًا للخليفة ليتولَّى شؤون الحكم حتى بلوغ الطيّب سنَّ الرشد. فما إن تولَّى هذا الوزارة حتى قبض على الحافظ وزجَّ به في السجن،  واستبدَّ الوزير بالدولة ولم يعد للخليفة المسجون كلمةٌ فيها.  لكنَّ الحافظ ظلَّ بعد ذلك يعاني من نفوذ الوزراء الشديد في دولته، 92] ففي سنة 529 هـ أراد «بهرام الأرمنيّ» (أحد ولاة الدولة الفاطميَّة) أن يصبح وزيرًا،  فسار بجيشٍ إلى القاهرة وضرب عليها الحصار،  حتى اضطرَّ الحافظ للرضوخ وتعيينه وزيرًا،  وقد جاء من بعده «رضوان بن ولخشي»،  إذ سار إلى القاهرة سنة 530 هـ فنجح بإزاحة بهرام، 90] وأجبر الحافظ على تعيينه وزيرًا جديدًا،  لكن نشب فيما بعد خلافٌ بينهما، 92] وأخيرًا نجح الحافظ بطرده وقتله سنة 542 هـ.  ونصَّب الحافظ فيما بعدُ ابنه الحسن وزيرًا،  ثمَّ تمرَّد على والده وخاض معه حربًا،  لكن الحافظ فاز بالنِّهاية،  وظلَّ خليفةً حتى وفاته سنة 544 هـ (1149م
  وطلب منه عونًا عسكريًّا يمكنِّه من استعادة السيطرة على مصر،  شريطة أن يعطيه ثلث خراجها.  ووافق نور الدين،  إلا أنَّ شاور نقض اتفاقه مع نور الدين،  فأرسلت حملةٌ جديدةٌ بقيادة شيركوه تمكَّنت من استعادة مصر سنة 562 هـ،  وكان ممَّن شاركوا في هذه الحملة صلاح الدين الأيوبي.  ولأنَّ نجم صلاح الدين برز أثناء هذه الحملات وحروبٍ أخرى في الشام،  وكان لهم ما أرادوه،  فأصبح صلاح الدين وزيرًا للخليفة الفاطمي الرَّابع عشر والأخير العاضد لدين الله. 6/خاتمة الدولة
 بِتولّي صلاحُ الدين منصب الوِزارة في مصر،  كآخر وزيرٍ سُنيٍّ في الدولة الفاطميَّة،  إلى مصر وجرى من الأحداث في مصر،  بعد تولية صلاحُ الدين منصب الوزارة،  فالدولة الفاطميَّة لا زالت موجودة يُساندها الجيش الفاطميّ وكبار رجال الدولة،  فكان عليه أن يُثبِّت أقدامه في الحُكم،  وهو عازمٌ على الاستئثار بكافَّة الاختصاصات حتّى التي تخصُ منصب الخِلافة،  ونفَّذ عدَّة تدابير كفلت له الهيمنة التامَّة،  فاستمال قُلوب سُكَّان مصر بما بذل لهم من الأموال والإصلاحات،  وقد أدَّت التدابير التي نفَّذها صلاحُ الدين إلى تقوية قبضته على مُقتدرات الدولة،  وبالتالي مركز الإمامة،  وهو نوبي،  في حال استمراره،  فحاول الاتصال بعمّوري الأوَّل،  ملك بيت المقدس،  آملًا،  فيقبض هو على من يبقى من أصحابه في القاهرة،  ويثب على منصب الوِزارة.  غير أنَّ صلاح الدين علم بِخيوط المؤامرة،  غير أنَّ أنباء اهتزاز مركزه في مصر شجَّعت الصليبيين على القيام بمُحاولةٍ أُخرى لمُهاجمة البلاد. مُنمنمة أوروپيَّة للملك عمّوري الأوَّل،  فراسل مُلوك وأباطرة أوروپَّا الغربيَّة يطلب منهم الإسراع بالقيام بحملةٍ صليبيَّةٍ جديدةٍ تُنقذُ الموقف الصليبيّ المُتدهور في المشرق على أنَّ الأوضاع السياسيَّة في غربيّ أوروپَّا،  لا سيَّما فيما يتعلَّق منها بالنزاع بين البابويَّة والإمبراطوريَّة الرومانيَّة المُقدَّسة،  حالت دون تحقيق السفارة الصليبيَّة أهدافها،  وكان الإمبراطور سالف الذِكر أشد حماسًا من الصليبيين لغزو مصر،  ولم يكن أقل انزعاجًا لاتحاد الشَّام ومصر تحت راية الزنكيين،  فوافق الملك على هذا الاقتراح،  وتمَّ إعداد أسطولٌ عظيم مُدجج بالرجال والسلاح،  كان صلاحُ الدين قد تلقَّى تحذيرًا مُبكرًا بالغ الكفاية عن الحملة،  فاستعد لمُواجهتها بأن حصَّن الإسكندريَّة والقاهرة وشحن بلبيس بالعساكر اعتقادًا منه أنَّ هذه الحملة سوف تسيرُ على درب الحملات السَّابقة،  وبقي في القاهرة خشية قيام مؤامرةٍ فاطميَّة ضدَّه،  أمر بإلقاء القبض على مؤتمن الخِلافة وإعدامه،  ثُمَّ عزل موظفي القصر من السودان المعروفين بولائهم للخليفة الفاطمي العاضد لدين الله، 97] عزَّ على الجُند السودانيين استبعادهم وضياع نُفوذهم،  كما غضبوا لمقتل مؤتمن الخِلافة،  فثاروا على صلاح الدين،  فاضطرّوا إلى طلب الأمان منه فأجابهم إلى ذلك.  ويُنقذونه من قبضة صلاح الدين،  فأمر من في القصر أن يقذفوا العساكر الشاميَّة بالنشَّاب والحجارة.  ولمَّا هدَّد توران شاه،  لم يسعه إلَّا أن يُغيِّر موقفه
 وفي سنة 565هـ المُوافق ل 1169م،  وما أن علم صلاحُ الدين بوصول القوَّات المُتحالفة إلى المدينة سالِفة الذِكر حتّى أرسل إليها الرجال والسلاح والمؤن،  وبعث في الوقت نفسه رسالة إلى نورُ الدين محمود الزنكي في دمشق يُخبره بما حدث،  ويلتمس منه المُساعدة،  كما قام بالإغارة على مواقع الصليبيين في الشَّام لتخفيف الضغط عن دُمياط  وعلى الرُغم من الاستعدادات الكثيرة والتحضيرات الكثيفة،  فعجز عن تقديم المُساعدة العسكريَّة المطلوبة للقوَّات الصليبيَّة البريَّة، وهبَّت عاصفة شديدة مصحوبة بأمطارٍ غزيرة أغرقت المُعسكر الصليبي وحوَّلتهُ إلى مُستنقع،  فاضطرَّ الملك الصليبي وقيصر الروم أن يطلبا الصُلح،  أي بعد أن مكثا بجيوشهما أمام دُمياط أكثر من خمسين يومًا
 بعد هذا النصر،  أرسل نورُ الدين الزنكي إلى صلاحُ الدين يطلب منه أن يقطع الخِطبة للفاطميين فورًا ويُرجعها للخليفة العبَّاسي،  فاعتذر له بالخوف من وثوب أهل مصر وامتناعهم عن الاستجابة إلى ذلك لميلهم إلى العَلَويين،  لكنَّ نورُ الدين أصرَّ على تابعه أن يفعل ذلك في سبيل تحقيق الوحدة الإسلاميَّة والاستفادة من إمكانات مصر الاقتصاديَّة والبشريَّة في الجهاد ضدَّ الصليبيين،  وأرسل إليه إنذارًا نهائيًّا سنة 566هـ المُوافق فيه سنة 1171م يأمُرهُ بإسقاط الخِطبة للخليفة الفاطميّ العاضد،  وألزمهُ إلزامًا لا فُسحة له في مُخالفته ورأى صلاحُ الدين أن يستجيب لطلب سيِّده في دمشق نظرًا لأنَّ الغالبيَّة العُظمى من سُكَّان مصر لم تتشيَّع،  ولأنَّ الدولة الفاطميَّة أصبح من الواضح أنها تلفظ أنفاسها الأخيرة، وجاءت الخُطوة الحاسمة سنة 567هـ المُوافق لسنة 1171م،  عندما قطع صلاحُ الدين الخِطبة بمصر للخليفة الفاطمي وأقامها للخليفة العبَّاسي،  وأعاد السَّواد شعارُ العبَّاسيين.  وقد تمَّ هذا التحوّل بهُدوء تام،  وكان العاضد لدين الله أثناء ذلك مريضًا يحتضر،  فلم يشأ صلاحُ الدين إزعاجه ومُضاعفه همّه،  فأمر رجاله بألَّا ينهوا إليه بالأنباء ولم تكد تمضي أيَّام على قطع الخِطبة للفاطميين حتّى توفي الخليفة العاضد لدين الله،  فزالت من الحياة السياسيَّة بعد أن دامت 262 سنة. الــــــــــخـــــــــــاتــــــــــمـــــــــة
 لكل شيء نهاية،  ففي آخر عهد الدولة الفاطمية حكمها عدد من الخلفاء الذين كانوا ضعاف الشخصية وصغار السن،  فكان من نتيجة ذلك أن سيطر الوزراء على الدولة وأداروها لمكاسبهم الخاصة مهملين شئون الدولة إهمالا تامّا. لقد كانت ظاهرة الاعتماد على أعداء الإسلام من اليهود والنصارى واضحة في هذه الدولة،