حين نبحث في المعنى اللغوي لكلمة (نقد) واشتقاقها وتطورها ونبين وظيفة النقد وعرفت معدنها الأصيل. والمثالب. وما يستدعي ذلك من خبرة وفهم وموازنة ثم حكم. أما في العصر الحديث فإن النقد لم يعد يكفيه الوقوف عند التمييز بين الجيد والرديء من النصوص والآثار والأعمال الأدبية والفنية, فقد صار علماً تتجاوز دراسته الأسلوب بمعناه اللغوي إلى التعرف على منحى الكاتب وطريقته في التأليف والتفكير والإحساس, كذلك التعرف على الصلة بين الأدب ومادته وموروثه وبين الأدب وإيدلوجيات العصر, والحاضر. والنقد الأدبي بمعناه الواسع: تقويم الأعمال الأدبية بالوصف والتحليل والتفسير إن الحديث عن الأدب يتضمن فكرة تعدد وجهات النظر وتحاورها وتجادلها, إن النقد الأدبي يوفر الإمكانات اللازمة للحديث عن الأدب فضلا عن توفير تلك التعددية من الآراء ووجهات النظر التي تؤلف الحديث ذاته. بما للأدب من فإن النقد نقد لهذا النقد أو تفسير لهذا النقد, -2- و( النقد هو إبداع آخر للنص ) وثمرة النقد تقويم العمل الأدبي في ضوء أجناسه الأدبية وتطورها العالمي . ويقوم جوهر النقد الأدبي على: أ -( الكشف عن جوانب النضج الفني في العمل الأدبي ) فكل كاتب كبير هو ناقد بالفعل . للنقد صلة وثيقة بالعلوم التي تدرس نشاط الإنسان. وبخاصة الفلسفة. كما يستعين بعلوم اللغة وبما للكلمات من جرس ودلالة. كما يستعين بعلوم الأصوات والدلالة في معناها الحديث وبعلوم التركيب, إلى مجالات فلسفية وجمالية. فكبار الناقدين متأثرون في نقدهم بمن سبقهم من النقاد ( فنجد في إنتاجهم الأصالة والتأثر بمن سواهم) -3- والنقد الأدبي في نظرياته مرنا تتغير اعتباراته من جنس أدبي إلى آخر بل ومن مسرحية إلى أخرى ومن قصيدة إلى أخرى . والخطر في النقد هو الوقوف عند حدود نظرية واحدة ). وكل أديب يضيف شيئاً إلى تراث أمته وأدب كل أمة جزء من الأدب العالمي فالآثار الأدبية تؤلف وحدة عامة يجب أن يقاس النتاج الأدبي الحديث بنسبته لها و(الأدب الحديث لا يقوم على أساس الأدب القومي في ماضية فحسب . ٣-التوجيه. و تكون أهمية التفسير محاولة للتسهيل على القارئ العادي. التفسير, والتفسير لا يقف عند التفسير الموضوعي للأعمال الأدبية بل يمتد للدراسات ٢- التقويم: وهذه الوظيفة تثير جدلا في أسسها وطريقة تحقيقها فيرى بعض النقاد أن تقويم العمل الأدبي من داخل العمل ذاته وليس للناقد تقويم في ذلك. فالتقويم يصف مقدار ما وفقت إليه الأعمال الأدبية من تحقيق لشروط النجاح والجودة. فيكون تحويل فأصبحت من مهماته الكشف عما يخفيه الأديب عن الأنظار من غايات مكنونة, خاصة وأن الأدب أصبحت له مذاهب متعددة وصلات بالعلوم والمعارف العلمية والنفسية الحديثة, -4- النصوص والمعارف والعلوم ليتعرف على صلتها وتأثيرها على الأعمال الأدبية وعلى مبدعيها. كما أن النقد معلم من معالم الرقي المعرفي والعلمي والحضاري للأمم. إ ّن ثقافة الناقد عرفها علماء العرب قديما إلى ثلاثة ملكات : ١- ملكة منتجة : و تكونوا في ال ُكتّاب و الشعراء و الخطباء. ٣- ملكة متذوقة : تدرك بنفسها أو بوساطة الناقد ما في النصوص من حسن وجمال. كذلك عرفوا أن الناقد لابد أن يكون ذا طبع موهوب حتى يستطيع أن يبين للناس و لم يقتصر علماء العرب على الاعتداد بالطبع و الذكاء وحدهما بل رأوا ومن الشروط التي يجب توفرها في الناقد الأدبي: 3- معرفته بلغة أجنبية واحدة أو أكثر ومتابعة الحركة النقدية والاتجاهات الجديدة؛ حتى يتسنى له الاطلاع على ما أبدعته الأمم الأخرى في مجال الأدب والثقافة. 4- الاطلاع الواسع على المعارف والعلوم التي ارتقت إليها الأمم في العصر الحديث من علم النفس والاجتماع والإنسان والاقتصاد والمذاهب وغيرها. يؤ ّرخ النقد الغربي في أوائل القرن السابع عشر , ويرى بعضهم أنه في أواخر القرن السادس عشر كالأفلاطونية والرواقية وقد ابتُكر بهدف تحاشي التماثل اللفظي الذي ظهر بفعل عدم القدرة على التمييز باللغة الانجليزية بين كلمة "ناقد" وكلمة "نتائج نقدي" وفي عام ١٦٧٧م قال "درايدن" في مقدمة كتابه "حالة براءة" : بأن ومع أو رجل قضاء. أو الحكم أو اتخاذ القرار. إن اسم النقد الأدبي في القديم يمارسه الفلاسفة و البلاغيون, وقد تكلم أفلاطون في كتابه "الجمهورية" عن الشعر وعن الفروض النفسية والاجتماعية القائمة في أصله و مهمته من خلال نظرية "عالم المثل" . ثلاث خطوات. أما أرسطو فقد ج ّرد اتهامات أفلاطون من مغزاها وحولها إلى وجهة جديدة واعتبر أن المحاكاة طبيعية عند الإنسان لا يمكن أن توصف بأنها رديئة في ذاتها , و المحاكاة قد تنتج شعرا تراجيديا أو فكاهيًا أو ملحميًّا و م ّيز كل هذه الأنواع ثم واجه التهمة بأن الشعر ينبّه العواطف فقال إنه يصرف العواطف, أما في العصور الوسطى فيبدو أن هذا المصطلح لم َي ِرد إ ّلا مصطل ًحا طبيًّا (بمعنى غير أن تغلغل المصطلح في اللهجات المحلية ظل بطيئا جدا. لقد سار تط ّور المفردة في المدة بين العصر الكلاسيكي وعصر النهضة بين مجالين مختلفين فأُعيدت دراسة الأعمال الأدبية و ظل النقد معنيًّا بتحقيق النصوص و إعادة و تصحيح ما تلف منها ؛ فظهرت كتب تشرح النظرية و توسع مفهوم النقد حتى وصلت إلى معنى الفهم والحكم. -6- لذا ازداد الاهتمام بنظرية النقد في انجلترا و فرنسا بعد الاهتمام إذ يُج ّرد النقد من أي قيمة حكميّة , بل يحتويهما . النقد الأدبي العربي: نظرة تأريخية: الوقت نفسه. لكن هذا النقد لم يصل أيام الجاهلية إلى نجده في كتب التراث ما يحكي عن القبة الحمراء التي كانت تضرب للنابغة الذبياني في سوق عند أنشده الأعشى مرة, التي أنشدته قصيدتها في رثاء أخيها (صخر) التي منها: فإنها تعبر بصورة عامة عن روح النقد الذي كان سائداً في العصر الجاهلي والقائم على الانفعال والتأثر المباشر والسريع بوقع الكلام. وهنا لابد من طرح سؤال مهم هو لماذا لم يصل النقد العربي في هذه الحقبة إلى مستوى الشعر مثلما حدث عند اليونان؟ لقد قامت مدارس النقد الحديث في أوروبا على أساس مذهب الحركة النقدية إلى التطور في القرن الهجري الثاني وذلك بفعل النضج الثقافي والأدبي الكبير عمر بن العلاء. وغيرهم. وحاول أن يضع قواعد وأصولاً للنقد لم تخرج في الغالب عن حدود النهج وابن يذكر طبقات الإسلاميين العشر جاعلاً في كل طبقة أربعة من الشعراء. يقول طه أحمد ويظل ابن وأوضح من الدلائل وبي َن وصورة للأذواق المختلفة, " (3) أما كتاب ابن قتيبة (الشعر وللخصومة بين القدماء والمحدثين, لم يبتدئ أحد مرثيةً  على الرغم من ذلك لم يصل النص إلى مستوى النص الإبداعي المتمثل خاصة في النص الشعري. هذه هي الصورة التي توقف عندها النقد العربي في القرن الهجري الخامس قبل أن يدخل استيقظ العقل العربي على عامل تغيرت فيه موازين القوى بعد أن أصبحت أوربة سيدة -8- العامل دون منازع. أركان المجتمع العربي الغارق في سباته. وكان على الفكر العربي أن يعيد بناء ما تهدم في كل المجالات. وكانت الخطوات الأولى والأهم هي إعادة بناء البنية الثقافية والفكرية لأنها منطلق الدخول في العالم الحديث. لكن السؤال الذي واجهه جيل الرواد: هو على أي أسس أما التيار الأول فقد قدم طروحات تتعلق ببناء مشروع عن التيارات النقدية الغربية ومتواشج مع التراث النقدي العربي القديم. وجرجي زيدان في (تاريخ آداب اللغة العربي). المرصفي لوجدناه يقسم الشعراء إلى ثلاث طبقات وذلك وفق العصور التاريخية. وضع في وفي الطبقة الثانية وضع الشعراء المحدثين الذين كانوا يحرصون على موافقة العرب ويجتهدون