المقدمة تُعدّ أسطورة الكهف عند أفلاطون من أكثر الرموز الفلسفية عمقًا وتأثيرًا في الفكر الإنساني، والوهم، دون استحضار هذا النموذج الرمزي البليغ الذي صاغه أفلاطون في كتابه الجمهورية. فقد استطاع هذا الفيلسوف العظيم أن يجسّد من خلال الكهف حالة الإنسان المعرفية والوجودية، من الظلال إلى النور، ومن التقيّد بالمحسوس إلى الانفتاح على المطلق. تُبرز هذه الأسطورة الفرق الجوهري بين العيش في عالم الحواس المحدود وبين الانعتاق إلى عالم المثل والمعرفة العقلية. حيث صوّر أفلاطون الإنسان السجين منذ ولادته في كهف مظلم، ظنًّا منه أنها الحقيقة، إلى أن يتجرأ أحدهم على الخروج ومواجهة النور. فيكتشف حينها أن كل ما اعتقد أنه واقع لم يكن إلا وهماً، لكن المثير للدهشة، واتهامه بالجنون بدلًا من الإصغاء إليه، وهو ما يكشف عمق مقاومة الإنسان للتغيير. يهدف هذا البحث إلى دراسة أسطورة الكهف من عدة زوايا: أولًا، تحليل فلسفة أفلاطون وسياقه المعرفي، خاصة في ما يتعلّق بنظرية المعرفة ونقده للإدراك الحسّي. ثمّ يتناول مضمون الأسطورة كما وردت في النص الأصلي من محاورة الجمهورية، مع التوقّف عند رموزها وتفسير أبعادها الفلسفية. وخاصة في ظلّ ما نعيشه من تحوّلات رقمية، وهيمنة الصورة على الحقيقة. فهل أصبحت السوشيال ميديا هي "الكهف الجديد" الذي يعيش فيه الإنسان؟ وهل ما نظنه معرفة هو في الحقيقة مجرد ظلال؟ كما يحاول البحث أن يبيّن العلاقة بين فلسفة أفلاطون السابقة عليه، وتأثره بسقراط وبرمنيدس، وكيف أدّى به هذا التراكم الفلسفي إلى صياغة نظرية المثل، والتحرّر، والبحث عن الحقيقة، والعلاقة بين الفرد والمجتمع، في عالم يغلب عليه الظاهر على الباطن، والصورة على المضمون، حتى وإن كانت مؤلمة، من هنا، فإن هذا البحث لا يكتفي بعرض الأسطورة وتحليلها، بل يسعى إلى تأويلها تأويلاً معاصرًا،