وبدأ بحرف الواو على الرغم أنه لم يسبق بشيء، لم تبدأ في المستشفى ولم يكن أولها (سلال الورد)، فما تلك السلال إلا جزء من الألم الذي يعانيه الشاعر، ثم يأتي بعد الواو بكلمة(سلال) وهي نكرة من جهة وتدل على الكثرة من جهة أخرى، أولاهما طول مكثه على سرير الموت حتى تراكمت سلال ورد الزائرين عنده، وثانيتهما: أنه في حالة مرضية لا تسمح له بالتعرف على أصحابها فهم نكرة مثل كلمة (سلال)، وفي كلمة ( ألمحها) دلالة واضحة على ضعف الشاعر ووهنه، فهو لا يكاد يبصر وإنما يلمح لمحاً. وفي قوله: (ما بين إغمائة وإفاقه) تمثيل للهاجس الذي يعيشه الشاعر بين الحياة والموت.وفي المقطع الثاني ينتقل إلى حوارية مع تلك الورود، فيبدؤه بقوله: (تتحدث لي الزهرات) والحديث يحمل دلالة الودّ أكثر من الكلام فلم يقل (تكلمني) فهي تحدثه، وهو أحوج ما يكون إلى الحديث للشعور بوجوده والإحساس بالحياة، ثم إنه يضفي على الورد عنصر الحياة ذلك العنصر الذي يفتقده هو، وهذه إشارة أخرى إلى سيطرة هاجس الموت والحياة على الشاعر.يستمرُّ في نقل حديث الزهرات واندهاشها من الموت بلا سبب، وهي تتلقى أقسى حكم قضائي(الإعدام) دون أن تقترف أدنى ذنب، أليس في ذلك إشارة إلى إحساس الشاعر القوي بالموت ؟ بلى.وبعد ذلك ينقل الشاعر لنا هذا السقوط المفاجئ للحياة، فالوردات تهوي من عروشها بعدما كانت كالملوك في عروشهم؛ لتفاجأ بنفسها أسيرة ميتةً جثةً هامدة تعرض للبيع وراء زجاج الدكاكين، فقد هوى من علياء شبابه وقوته فهو لم يتجاوز الأربعين سنة حتى وجد نفسه جثة هامدة في المستشفى.ثم يعلن في ختام هذا المقطع عن ذلك الهاجس وتلك المرحلة الوسطى بين الحياة والموت، وتلك الثنائية التي يقوم عليها النص كله: تَتَحدثُ لي.وأحزانُها الملَكيةُ ترفع أعناقَها الخضْرَ فتلك مفارقة عجيبة.3. أما في المقطع الأخير فيكشف الشاعر عن الرابط الوثيق بينه وبين الورود، فهي مثله تماماً تجود بأنفاسها الأخيرة، وكلاهما وإن دهش لحظة القطف ولحظة القصف إلا أنه يبدو راضياً: وعلى صدرِها حمَلتْ - راضيهْ.