فلما نزلت به الآفة عمت المضرة وشملت العطلة، وطمع لو أنه عثر على ذلك العضو لاستقامت أحواله وفاض على سائر البدن نفعه وعادت الأفعال و ازال عنه ما نزل به وكان قد شهد قبل ذلك في الأشباح الميتة من الوحوش وسواها أن جميع أعضائها مصمتة، لا تجويف فيها إلا القحف والصدر والبطن، فوقع في نفسه أن العضو الذي بتلك الصفة لن يعدو أحد هذه المواضع الثلاثة ، إذ كان قد استقر في نفسه أن جميع الأعضاء محتاجة إليه، وإن الواجب بحسب ذلك أن يكون مسكنه في الوسط. أكثر ما كان يتقي من صياصيهم على صدره الشعوره بالشيء الذي فيه. فلما جزم الحكم بأن العضو الذي نزلت به الآفة إنما هو في صدرها، أعظم من الآفة التي نزلت بها أولا، فيكون سعيه عليها. ثم إنه تفكر، ثم عاد إلى مثل حاله الأول ؟ فلم يجد شيئا. فحصل له من ذلك الياس من رجوعها الى حالها الأولى وإن هو تركها، وبقي له بعض رجاء في رجوعها الى تلك الحال إن هو وجد ذلك العضو و أزال الآفة عنه. فحاول شقه فصعب عليه لعدم الآلات، ولأنها لم تكن إلا من الحجارة والقصب. فما زال يقلبها ويطلب موضع الآفة بها. وكان قد اعتقد عرض البدن، كما وكان أولا إنما وجد منها نصفها الذي هو في الجانب الواحد، والرئة مطيفة به من الجهة التي بدأ بالشق منها، لا سيما مع ما أرى له من حسن الوضع وجمال الشكل وقلة التشتت وقوة اللحم، وأنه محجوب بمثل هذا الحجاب الذي لم از مثله بشيء من الأعضاء. فبحث عن الجانب الآخر من الصدر، فوجد فيه الحجاب هذه الجهة، فحاول هتك حجابه وشق شغافه بكد، وما قدر على ذلك بعد استفراغ مجهوده . وجرد القلب، فرآه مصمنا من كل جهة. فنظر هل يرى فيه آفة ظاهرة؟ فلم ير فيه شيئا قشد عليه يده فتبين له أن فيه تجويفا فقال : لعل مطلوبي الأقصى إنما هو في داخل هذا فشق عليه فالقي فيه تجويفين اثنين: أحدهما من الجهة اليمنى والآخر من الجهة اليسرى والذي من الجهة اليمنى مملوء بعلق منعقد،