لقد ابتعد العالم الإسلامي عن المناهج الإسلامية التي اتبعها علماء المسلمين خلال العصور الماضية، وسار على نهجهم التربوي الأجيال العديدة، على أن بداية التعليم ينبغي أن تكون من سن الرابعة للطفل بحفظ ما تيسر من القرآن الكريم، وبعد سن التمييز - السابعة فما فوق - تبدأ بدايات العلوم الأخرى. ومنذ أن أخذ العالم الإسلامي المناهج الغربية والشرقية ابتعدوا عن المنهج الإسلامي، وربما وصل الطالب والطالبة إلى المرحلة الجامعية وهو لا يدري أساسيات التي لا يصح إسلامه إلا بمعرفتها نظرياً، لذا كان من الضرورة بمكان أن تقرر مادة الثقافة الإسلامية متطلباً جامعياً في جميع الكليات الإنسانية منها، ويدعو إلى ذلك ويحتمه: 1) الانتماء إلى الإسلام إن انتماءنا إلى الإسلام يفرض علينا حداً أدنى من الثقافة، فأركان الإيمان الستة: "الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره " لا يصح إيمان المسلم إلا إذا علمها، وأركان الإسلام الخمسة: "الشهادتان، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً" لا يتم إسلام المسلم إلا بمعرفتها وتطبيقها تطبيقاً عملياً. بالإضافة إلى معرفة الأخلاق الحميدة التي دعا الإسلام إلى التحلي بها، كل ذلك مطلوب من المسلم أن يعرفه؛ لتتحدد معالم الشخصية المسلمة الجديرة بالإسلام. نحن نعيش في عصر أزيلت فيه الحواجز الزمانية والمكانية، ووصلت الأفكار والمعلومات إلى كل مكان شئنا أم أبينا، والانفجار المعرفي يلف العالم بتياراته المختلفة وكل صاحب دعوة أو مذهب أو فكرة يدعو إليها بأساليب جذابة لافتة للنظر، وبين ما يقبله الإسلام وما يرفضه، إن لم يكن فالثقافة الإسلامية تعطيه هذه المقاييس، إن المسلم خلق المهمة عظيمة، والجماعات من قبائل وشعوب هذه الأمة، وتعاون أمم العالم. هذا الاستخلاف والعمران، ومقومات تحقيقه. وفي وفي الناس؛ ) [التوبة: ٧١]. ويقتضي معرفة التاريخ الإنساني والحضارة البشرية، وارتقائها أو انحدارها وزوالها، والقيم التي تساعد في كل ذلك، ٤) معالجة المعضلات العالمية بالإسلام لقد قدم المسلمون أنموذجاً فريداً للعالم، عندما أقاموا حضارة إسلامية توافرت فيها كل مقومات الحضارة الإنسانية المثالية، والسنة النبوية الشريفة. فكانت دولة الإسلام صاحبة الحضارة الربانية، التي تحققت فيها كل معاني العدل والعز والتقدم والسعادة. ولكن عندما انصرف حكام المسلمين عن التمسك بهدايات الإسلام وضعفت هممهم عن المعالي، وانشغل علماء المسلمين وأصحاب القيادة الفكرية عن دورهم الترشيدي للحكام، واتبعت أهواءها، وأصبح العالم غابة تتصارع فيها القوى المادية، فتحققت فيهم سنة الله تعالى : ( وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ) [ طه : ١٢٤]. والعلاج الناجع لأدوائها الروحية والعقلية والبشرية اليوم بأمس الحاجة إلى هذه الحلول. ۱) تعريف الثقافة: مطلوب والإدراك، والحذق يقال: ثقف الشيء: أقام المعوج، والثقاف والمثقف: أداة من خشب أو حديد تقوم بها الرماح لتستوي وتعتدل. والمعنى الثاني لمادة (ثقف): الإدراك والملاقاة وجها لوجه . ومن هذا المعنى قوله تعالى : ( فَإِمَّا تَتَقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِدْ بِهِم مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ كما تدل كلمة ثقف على الحذق والمهارة ومنه قولهم: فلان ثقف لقف، ومع خاصية ثقافة كل أمة، فالتعريف المفضل الجامع لها هو : المجموعة المعارف والمعلومات النظرية، والخبرات العملية المستمدة من القرآن التي يكتسبها الإنسان، ومنهج سلوكه في الحياة. وأدرك أبعادها وحذق فيها قومت فكره، وبالتالي استقام سلوكه وفق تلك المعارف، وما أنتجته العقول المستنيرة بنور الوحي، ٢) الفرق بين الثقافة والعلم والمدنية والحضارة (أ) العلم: هو إدراك الشيء على حقيقته ". وحقائق الأشياء التي يصل إليها الإنسان لا تخضع لثقافة الباحث، فحقيقة كون الأجسام تتمدد بالحرارة، وتتقلص بالبرودة إلا الماء فإنه بالعكس. هذه الحقيقة لا تتأثر بإلحاد الملحد، ولا إيمان المؤمن، وسواء أجريت هذه التجربة في بلاد المسلمين، فإن النتيجة هي هي، ولكن صاحب أي معتقد قد يسخر الحقيقة العلمية للاستدلال بها على معتقده، فالمؤمن يستخدم الحقيقة السابقة لبيان حكمة الله في ذلك للحفاظ على الحياة الحيوانية والنباتية في البحار والمحيطات؛ كما أن صعود الطبقة الجليدية على سطح المياه يعرضها للهواء ولأشعة الشمس فتذوب ثانية. إن هذه السنة الكونية خلقها الله سبحانه وتعالى؛ لتبقى الكتلة المائية الهائلة على كوكب الأرض تؤدي وظيفتها التسخيرية للإنسان ( أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَهِرَةً وَبَاطِنَةً . الثقافة الإسلامية ۲) عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ / ۳۷۷ يقال: تمدن أي عاش عيشة أهل المدن، توجب الارض تؤدي وظيفتها السحيرية بالإنسان في الزيروا أن الله سحر نعم ما في السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً . ) [لقمان: ٢٠]. الثقافة الإسلامية ۲) عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ / ۳۷۷. ب) المدنية مأخوذة في الأصل من سكنى المدن، يقال: تمدن أي عاش عيشة أهل المدن، ج) الحضارة في الأصل تطلق في عرف اللغويين على الإقامة في الحضر وهي تقابل البداوة، قال القطامي: وربما لم يفرق بينهما وبين الثقافة، ولكن ينبغي مراعاة الدلالة اللغوية في المعنى الاصطلاحي، لذا فنحن نرجح التفريق بين المصطلحات الثلاثة: فالثقافة: تطلق على الجانب المعنوي من المعارف، والخبرات والعلوم والآداب. والمدنية تطلق على الجانب المادي من الوسائل التي تستخدم في رفاهية الأمة. والحضارة تشمل الجانب المعنوي والجانب المادي فهي أعم، وعلى ذلك فإن تعريف الحضارة في الاصطلاح هي حصيلة ما قدمته أمة، خلال حقبة تاريخية من المعارف والعلوم، تكون مشاعة بين الشعوب والأمم لأنها لا تتصف بفكر ولا تصبغ بعقيدة. وبما أن الثقافة تحدد سلوكيات الأمة الحضارية، فلابد أن تكون حضارة كل أمة متميزة عن حضارة الأمم الأخرى. والأنموذج الذي يسوقه. القرآن الكريم على الحضارات الربانية حضارة داود وسليمان عليهما السلام أما الحضارة التي سامت الناس الخسف وقهرتهم وأخضعتهم لسلطانها وجبروتها، واستخدمت قوتها المادية وتقنياتها للعلو في الأرض والإفساد، وإتباع الهوى والشهوات فهي حضارات جاهلية، ذمها القرآن الكريم وبين أن عاقبة أصحابها كان الدمار والخراب في الدنيا، وضرب القرآن الكريم نماذج لهذه الحضارات الجاهلية: حضارة قوم عاد بالأحقاف جنوب الجزيرة العربية. وحضارة قوم ثمود بمدائن صالح شمال الجزيرة العربية. - وحضارة الفراعنة في مصر . مصلوبه المعتزة بإسلامها المطلعة على ثقافة عصرها، ۲- عرض الإسلام عرضاً مبسطاً يتلاءم مع روح العصر، وأساليب منابره الدعائية والإعلامية. ۵) قال تعالى : ( وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَنَ إِذْ يحكمان في ا الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَهِدِينَ (2) فَفَهَمْتَهَا سُلَيْمَنَ وَكُلًّا أَتَيْنَا. ا حكما وَعِلْمًا وَسَخَرْنَا دَاوُدَ مَعَ د الجبال الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ يسبحن وَ والطير وكنا فعلين . وَعَلَيْتَهُ لكم الحصنَكُم مِّنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَتُمْ شَكِرُونَ ) وَاسْتَيْمَانَ الرِّيعَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِي إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَرَكَنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِمِينَ ) وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَن يَقُومُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حفظين ) [الأنبياء: ۷۸-۸۲] 1) قال تعالى : ( وَيَسْتَلُونَكَ عَن في القرنين قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُم مِنْهُ ذِكْرًا ) إِنَّا مَكَنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَمَالَيْتَهُ مِن كُلِّ شَيْ وَ سَبَبًا قانع سببًا ( حتى إذا بلغ مغرب الشمس وَعَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْب جملة ويجد بعدَهَا قَوْماً قُلْنَا بَدا العربي إِما أَن تُعَذِّبَ وَا يَنَا الْعَرْبَينِ وَإِمَّا أن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا الله) قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ، فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا ذكرًا (3) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جراء الحسنى وَمَنقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يا (3) ثُمَّ أَنْعَ سَببًا (3) حَتَّى إِذَا بَا ا بلغ مطلع الشمسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دونها سرا ان كذلك وَقَدْ أَحمنَا بِما لديه من الله ثم اتبع سما الله حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدِّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمَا لَا يكَادُونَ يَفْقَهُونَ قولا (3) قَالُوا مَنَا الْقَرْنِين إِن يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَل تحمل لك . ن يأجوج ومأجوج مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ تَعْمَلُ لَكَ خَيْمًا عَلَى أَن تَعْمَلُ بَيْنِنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا ) قَالَ مَا تَكْنِي فِيهِ رَن خير فأعينوني بفوز أجعل بينكم وبينهم ردما )) [الكهف: ٩٥٨٣] ۷) قال تعالى : ( ألم تر كيف فَعَلَ رَبُّكَ بِمَادٍ إِرَمَ ذَاتِ الْمَاءِ الَّتي لَمْ يُعْلَقَ مِثْلُهَا فِي الْبَلَادِ ( وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بالواد وفرعون في الأولاد ان الذين طغوا في البلاد فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ فَصَبَ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ ) فِي عَلَيْهِمْ سَوْطَ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ) [الفجر : ٦-١٤]. إلقاء الضوء على التحديات التي تواجه المسلمين، وترسم لهم طريق الخلاص وسبيل النجاة. رابعاً: خصائص الثقافة الإسلامية مطلوب تتسم الثقافة الإسلامية بخصائص تميزها عن غيرها من الثقافات السائدة في الأرض ومن أبرز هذه الخصائص: 1) الربانية: لأن الثقافة الإسلامية تستمد معارفها من الوحي الإلهي (الكتاب والسنة) وما استنبطه العلماء المسلمون من هداياتها، وهي تدعو إلى توحيد الله تعالى وإلى مكارم الأخلاق، وإحقاق الحق ورفع الظلم، وصلة الأرحام، وتصبغ الأمة بالصبغة الربانية ( صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَبدُونَ )) [البقرة: ١٣٨]. لقد كان التزام المسلمين بهذه الصبغة خير دعاية لمبادئهم مما جعل الشعوب يدخلون في دين الله أفواجاً، وفتحت لثقافتهم وأخلاقهم القلوب قبل البلدان. ۲ ) ملاءمتها للفطرة الإنسانية فالذي خلق الإنسان هو الذي أوحى إلى رسوله محمد بهذه الهدايات؛ وبيان واجباته تجاه خالقه، لذا كانت منطلقات هذه الثقافة لإصلاح الإنسان من داخله، بتلبية حاجاته الفطرية التي أودعها الله سبحانه وتعالى فيه، والإجابة على تساؤلاته العقلية، وإشباع أشواقه الروحية، فأدخلت الطمأنينة إلى نفسه وحققت له السعادة والرضا. فهي تطلق الطاقات الكامنة في الإنسان، وتوجهها إلى البحث العلمي،