بِسْمِ اللَّهِ اَلرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى اَلْمَبْعُوثِ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ مُحَمَّدْ - صَلَّى نَقْطِفُ مِنْ ثِمَارِهَا وَنَنْهَلُ مِنْ مَعِينِهَا، وَلَعَلَّكم بَعْضَكُمْ يَتَسَاءَلُ عَنْ مَوْضُوعِ خُطْبَتِنَا. لُغَتَيْ هُوِيَّتَيْ )هَذَا هُوَ عُنْوَانُ خُطْبَتِنَا اَلْيَوْمِ فَأَعِيرُونِي اَلْقُلُوبُ وَالْأَسْمَاعُ فَإِنَّ اَلْمَوْضُوعَ مِنْ اَلْأَهَمِّيَّةِ بِمَكَانٍ. عَنْ هَذَا اَلسُّؤَالِ سَوْفَ تَكْتَشِفُونَهَا مَعِي أَثْنَاءَ حَدِيثِي لَكُمْ عَنْ خَصَائِصِ لُغَتِنَا اَلْعَرَبِيَّةِ لِأَهْلِ اَلْأَرْضِ ، وَكَذَلِكَ اِخْتَارَ نَبِيُّهُ اَلْأَخِيرَ مِنْ اَلْعَرَبِ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إِلَّا لِمِيزَاتٍ فِي اَللُّغَةِ اَلْعَرَبِيَّةِ لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهَا مِنْ اَللُّغَاتِ ، قَالَ تَعَالَى :" لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ " . كَمَا بَيَّنَ لَنَا عُمَرْ بْنْ اَلْخَطَّابْ - رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ - أَهَمِّيَّةُ اَللُّغَةِ اَلْعَرَبِيَّةِ حِينَ قَالَ: ( تَعَلَّمُوا اَلْعَرَبِيَّةُ فَإِنَّهَا مِنْ اَلدِّينِ ) وَصَدَّقَ عُمَرْ - رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ - لِأَنَّهُ لَا حَتَّى يَوْمِنَا هَذَا . بَلْ لَا يَخْفَى عَلَيْكُمْ أَنَّهَا مِنْ اَللُّغَاتِ اَلرَّسْمِيَّةِ اَلْقَلِيلَةِ اَلْمُعْتَمَدَةِ فِي اَلْأُمَمِ اَلْمُتَّحِدَةِ . بِهَا تَصْدُر اَلْقَرَارَاتُ وَتُتَرْجِمُ إليها أيضا . وَنُذَكِّرُ مِنْهَا عَلَى سَبِيلِ اَلْمِثَالِ : أَوَّلاً اَلْخَصَائِصُ اَلصَّوْتِيَّةُ : إِنَّ اَلْمُتَحَدِّثَ بِالْعَرَبِيَّةِ يَعْلَمُ أَنَّ حُرُوفَهَا مُوَزَّعَةٌ عَلَى جَمِيعِ أَجْزَاءِ جِهَازِ اَلنُّطْقِ عِنْدَ اَلْإِنْسَانِ مِمَّا يُسَهِّلُ نُطْقُهَا وَيَحْدُثُ اِنْسِجَامٌ صَوْتِيٌّ وَمُوسِيقَى تَطْرَبُ لَها اَلْآذُانُ . اَلْعَرَبِيَّةَ لَا تَجْمَعُ بَيْن ( اَلزَّايُ ) و ( اَلظَّاءُ ) وَلَا بَيْن ( اَلضَّادُ ) و ( اَلذَّالُ ) . وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ صُعُوبَةَ نُطْقِ هَذِهِ اَلْحُرُوفِ مُتَتَالِيَةً فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ . أُمًّا عَنْ خَصَائِصِ اَلِاشْتِقَاقِ : فَإِنَّ اَلْكَلِمَاتِ اَلْعَرَبِيَّةَ كَالْبَشَرِ تَمَامًا قَدْ يَخْتَلِفُونَ فِي أَشْكَالِهِمْ وَأَلْوَانِهِمْ لَكِنَّهُمْ فِي اَلنِّهَايَةِ يَعُودُونَ إِلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَبُوهُمْ آدَمْ عَلَيْهِ إِلَى أَصْل وَاحِدِ وَمِثَال ذَلِكَ كَتَبَ / كَاتِبٌ / مَكْتُوب / كِتَابٌ / كِتَابَةٌ كُلِّهَا تَعُودُ إِلَى أَصْلٍ أما عن أَهَمِّ خَصَائِصِ اَللُّغَةِ اَلْعَرَبِيَّةِ فهِيَ اَلْإِيجَازُ : ومعناه اَلِاخْتِصَارُ دُونَ اَلْإِخْلَالِ " إِنَّ فَهَذِهِ اَلْآيَةُ اَلْكَرِيمَةُ رغم قصرها إلا أنها مَا تَرَكَتْ خَيْرًا إِلَّا وَأَمَرَتْ بِهِ وَلَا شَرًّا إِلَّا وَنَهَتْ عَنْهُ . وَكَذَلِكَ أَحَادِيثُ اَلرَّسُولِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ قَالَ . وَهَذَا اَلْحَدِيثُ تتوقف عليه أَعْمَالِ اَلْإِنْسَانِ كُلِّهَا . اَلْكَلِمَاتِ بِالْحَرَكَاتِ وَهَذِهِ مِيزَةٌ فَرِيدَةٌ فِي اَللُّغَةِ اَلْعَرَبِيَّةِ تَمَيَّزَتْ بِهَا عَنْ غَيْرِهَا مِنْ اَللُّغَاتِ . فَأَنْتَ فَقَطْ تَحْتَاجُ لِلتَّفَرُّقِ بَيْنَ كَلِمَتَيْنِ لَهُمَا مَعَانِي مُخْتَلِفَةٌ تَمَامًا لَكِنْ لَهُمَا نَفْسُ اَللَّفْظِ لَا تَحْتَاجُ إِلَّا لِتَغَيُّرِ حَرَكَةٍ وَاحِدَةٍ . مِثَالُ ذَلِكَ : ( عِبْرَةٌ ) ( عِبْرَةٌ ) وَالْأُولَى تَعْنِي اَلْمَوْعِظَةُ وَالثَّانِيَةُ تَعْنِي اَلدَّمْعَةُ أَثْنَاءَ اَلْبُكَاءِ . كَمَا أَنَّ اَلْحِرَفَ اَلْوَاحِدَ فِي اَللُّغَةِ اَلْعَرَبِيَّةِ قَدْ يُقَابِلُهُ حَرْفَانِ أَوْ ثَلَاثَةٍ فِي اَللُّغَاتِ اَلْأُخْرَى فَمَثَلاً ( اَلْخَاءُ ) عِنْدَنَا بَقَابَلْهَا فِي اَلْإِنْجِلِيزِيَّةِ ( KH ) وَهُمَا حَرْفَانِ ، هَذَا بِالْإِضَافَةِ إِلَى أَنَّ لُغَتَنَا بِهِا حَرْفٌ لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهَا من اللغات وَهُوَ ضُيُوفُنَا اَلْكِرَامِ : إِنَّ مِنْ يَعْرِفُ خَصَائِصَ اَللُّغَةِ اَلْعَرَبِيَّةِ اَلَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَاَلَّتِي لَمْ يَتَّسِعْ اَلَّذِينَ اِتَّهَمُوهَا أَنَّهَا صَارَتْ لُغَةٌ قَدِيمَةٌ وَلَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَتَمَاشَى مَعَ اَلْعُلُومِ وَالْمُخْتَرَعَاتِ اَلْحَدِيثَةِ فَرَدَّتْ عَلَيْهِمْ وَذَلِكَ فِي قَصِيدَةٍ رَائِعَةٍ عَلَى لِسَانِ اَلشَّاعِرِ اَلْعَظِيمِ رَمَوْنِي بِعُقْمٍ فِي اَلشَّبَابِ وَلَيْتَنِي * * * عَقِمَتْ فَلِمَ أَجْزَعُ لِقَوْلِ عَدَاتِي