قادت العديد من الأحداث السياسية العالمية إلى اهتمام متصاعد بمصطلح الأخبار الكاذبة[1]، فانتصار الرئيس دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية، واستفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، تصاعدت فيها اتهام أحد طرفي الصراع باستخدام الأخبار الكاذبة، وذلك بُغية تحقيق مكاسب سياسية. فمن الأهمية بمكان البحث في تعريفات ذلك المصطلح، وكذا سياقات نشأته أ- المحتوى المضلل (Misleading Content): يقصد به المحتوى الحقيقي وغير الكاذب، ولكن يتم استخدامه بطريقة مضللة لتوجيه الاتهامات زورا لقضية ما. والذي ينتحل هوية المصادر الحقيقية. ج- المحتوى المفبرّك (Fabricated Content): محتوى جديد غير صحيح في معظمه ويهدف للخداع والأذى. د- الربط المزيَّف (False Connection): عندما لا تدعم العناوين الرئيسية أو الفرعية باقي المحتوى، ويكون الغرض منها تحقيق الربح. ه- السياق المزيف (False Context): مشاركة محتوى حقيقي مع معلومات مزيفة ضمن سياق واقعي بهدف التضليل. و- التلاعب بالمحتوى (Manipulated Content): عندما يتم تغيير المعلومات أو الصور الحقيقية بهدف الخداع[8]. كما أن لكل عصر رجاله، وقيمه، وكذا الحقائق؛ بل والتبرير لها في بعض الأحيان، عبر القول إن الآخرين يستخدمونها لتحقيق أهدافهم. أو الدول، كما تهدد الأمن المجتمعي والعالمي. ويمكن صياغة بعض أضرار الأخبار الكاذبة على سبيل المثال لا الحصر في النقاط التالية 1- تُساعد في تشكيل ثقافة ووعي سياسي غير صحيحين: 2- تنتشر أسرع من الأخبار الحقيقية: 3- تهديد السلم الاجتماعي: 4- تهديد السلم والأمن العالمي: 1- أنظمة الحكم: أو تلك التي لها ميول يمينية- على إطلاق الأخبار الكاذبة، بهدف تحقيق مكاسب سياسية. وسوف تتعرض الدراسة في المحور السابع (أبرز الأحداث التي أثرت فيها الأخبار الكاذبة) لمثالين على ذلك، وهما استخدام ترامب للأخبار الكاذبة، وكذلك استخدام الأخبار الكاذبة إبان الأزمة الخليجية. 2- الصحفيون: رغم التوسع الكبير الذي تشهده وسائل الإعلام الرقمية في العقود الأخيرة، إلا أن الصحفيين والعاملين في وسائل الإعلام التقليدية ما زال لهم تأثير كبير في عملية نقل الأخبار وتداولها. مواقع وسائل التواصل الاجتماعي: ظهرت في الأعوام الأخيرة العديد من الحسابات والصفحات الساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، خامسا: أهداف نشر الأخبار الكاذبة بإطلاق أخبار كاذبة؟، لماذا ينشر أحدهم خبرا يعلم أنه كاذب، وأن انكشافه سيطعن في مصداقيته، فضلاً عن أضراره. لا تتسع الدراسة لذكرها، ولأن البحث في الأساس يهدف إلى تحليل إستراتيجيات الأخبار الكاذبة في الإعلام المصري؛ فقد فضّل الباحث تصغير السؤال ليكون: ما دوافع قيام الأنظمة القمعية بإطلاق أخبار كاذبة في إطار استراتيجيتها للسيطرة على المجال العام وقمع التغيير واحتكار السلطة؟ وفي هذا الإطار، يمكن الحديث عن عدد من الأهداف، 1- استثارة مشاعر الخوف: 2- تزييف الوعي: 4- التشكيك في روايات الآخرين: سادسا: عوامل انتشار الأخبار الكاذبة في عصر ما بعد الحقيقة، تنتشر الأخبار الكاذبة في وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها انتشار النار في الهشيم، ولذلك من الأهمية بمكان استعراض وسائط نقل الأخبار الكاذبة وترويجها، فبدون معرفة الخصائص المميزة لتلك الوسائط، وأسباب سهولة انتشار الأخبار الكاذبة على بعضها، ويأتي على رأس تلك الوسائل مواقع التواصل الاجتماعي. تتميز وسائل التواصل الاجتماعي ببعض الخصائص، منها: 1- تزايد أعداد مستخدميها: أظهرت دراسة حديثة أن ما يقرب من 5 مليارات شخص، أي ما يزيد على 60% من سكان العالم، 2- زيادة أهمية مواقع التواصل في نقل الأخبار: كشفت دراسات أن نسبة الأفراد الذين يعتمدون على منصات التواصل الاجتماعي في الحصول على الأخبار في تزايد مستمر؛ حيث أكد ما يقارب 54% من مستخدمي الإنترنت أنهم يستخدمون منصات التواصل الاجتماعي كمصدر للأخبار أسبوعيا[41]. 3- التوسع في الإعلانات الرقمية: إزاء الزيادة الكبيرة في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي حول العالم؛ أضحت تلك المواقع أحد أهم ساحات الإعلانات، كما ظهر أثر ذلك في ارتفاع أرباح تلك المواقع من الإعلانات. يستطيع مستخدم مواقع التواصل الاجتماعي إخفاء هويته الحقيقية عن طريق اختيار اسم مستعار، ووضع صورة شخص آخر أو صورة عامة، سابعا: أحداث بارزة أثرت فيها الأخبار الكاذبة ثامنا: تحديات انتشار الأخبار الكاذبة تطرح الأحداث السابقة وغيرها أهمية تناول موضوع الأخبار الكاذبة، والبحث عن طرق للتعامل معها حتى لا تؤدي إلى عواقب وخيمة. لا يستطيع أحد الادعاء بأن لديه القدرة على القضاء على تلك الظاهرة، فمن المعلوم أن الكذب صفة لم تختف على مدى الحياة البشرية، لكن العصر الحالي يتميز بسرعة انتقال الأخبار، ومنها: 1- الافتقار إلى استراتيجية فعالة: تعاني الكثير من دول العالم في الوقت الحالي -وبالأخص النامية- من افتقارها إلى استراتيجية فعّالة للتعامل مع المعلومات المضلّلة[59]، وهو ما يُضر بها، كما يضر بالدول المتقدمة كذلك، بسبب سهولة انتقال المعلومات بين أنحاء العالم. 2- العجز عن السيطرة على مواقع التواصل: تمنح مواقع التواصل الاجتماعي فرصا كبيرة لأي شخص لينشر أخبارا كاذبة، بدون أن يواجه مساءلة قانونية إذا استخدم أي وسيلة يخفى بها هويته الحقيقية، وهذا يزيد من مخاطر انتشار الأخبار الكاذبة. كما ورد آنفا، أكدت دراسة كمية أجراها باحثون في معهد ماساتشوستس أن “المعلومة الزائفة تنتشر بشكل ملحوظ جدا وعلى نطاق واسع، وبوتيرة أسرع وأعمق من المعلومات الحقيقية[60]“. كما توصلت دراسات أخرى إلى نفس النتيجة. 4- ابتكار وسائل تكنولوجية متقدمة للتزييف: استُحدثت وسائل جديدة لنشر الأخبار الكاذبة، -منتدى أمريكي شهير- عندما تمكن المستخدمون من تركيب أوجه نساء مشهورات فوق أجساد ممثلات إباحيات يمارسن الجنس. اتبعت وسائل الإعلام المصرية العديد من الاستراتيجيات لنشر الأخبار الكاذبة، وسيتم توضيح تلك الاستراتيجيات خلال المحاور القادمة. أولا: سردية مغايرة لثورة 25 يناير قدمت صحف وفضائيات رواية مختلفة لثورة الخامس والعشرين من يناير، تعتمد بشكل رئيسي على تصويرها كمؤامرة أجنبية اشتركت فيها دول لإسقاط نظام حسني مبارك. وتعتمد على محاور رئيسية، وهي: • اشتراك الحركات الثورية، مثل حركة شباب 6 أبريل، والاشتراكيين الثوريين، وشخصيات مستقلة، مثل الدكتور محمد البرادعي، في تدريبات رعتها أجهزة مخابرات غربية قبل الثورة مباشرة. • تخطيط جماعة الإخوان المسلمين لإحراق أقسام الشرطة واقتحام السجون وتهريب المعتقلين، بالإضافة إلى تورطها في موقعة الجمل، • التشكيك في نتائج انتخابات الرئاسة عام 2012، التي فاز بها الرئيس الراحل محمد مرسي، والادعاء بأن المرشح أحمد شفيق هو من فاز بها، والزعم بأن جماعة الإخوان هددت بتخريب البلاد، مما اضطر المجلس العسكري إلى إعلان فوز مرسي[65]. هذه الجوانب الرئيسية سيطرت على إستراتيجيات الإعلام المصري عند الحديث عن ثورة يناير، رغم أن الدستور الذي استفتي عليه عام 2014 أكد أن 25 يناير ثورة. رغم خروج حشود من المصريين في مظاهرات الثلاثين من يونيو للمطالبة برحيل الرئيس مرسي، ورغم صعوبة تحديد الأعداد بدقة لغياب المعايير التي يمكن القياس بناء عليها، إلا أن الإعلام بدأ منذ ذلك اليوم في إضافة تفاصيل غير حقيقية على المشهد. بدأت هذه التفاصيل في الثلاثين من يونيو، ونشرت صحيفة ما قالت إنه “آخر حوار بين السيسي ومرسي قبل 3 يوليو”، والمؤكد أن الحوار المزعوم عبارة عن تسريب من إحدى الأجهزة الأمنية بهدف المساهمة في زيادة شعبية السيسي، وإظهار مرسي كخائن يستدعي التدخل الأجنبي[67]. ثالثا: أحاديث ملفقة منذ تولي الرئيس الراحل محمد مرسي مقاليد الحكم، لم تتوقف الصحف ووسائل الإعلام عن نشر تفريغ لما زعمت أنها حوارات تدور في الغرف المغلقة، نقلا عن مصادر مجهولة، وقد امتلأ عهد مرسي بالشائعات التي ثبت فيما بعد عدم صحتها[81]. وبعد عزله، نشط الإعلام في نشر مثل هذه الأخبار، والتي اتخذت أشكالاً عدة، نذكر من بينها: قرر الاتحاد الأفريقي تجميد عضوية مصر، وإرسال لجنة حكماء لبحث الوضع في البلاد. وفي محاولة للإيحاء بوجود تأييد دولي لعزل مرسي، أنت نجحت في انتخابات الرئاسة بنسبة 51%، وخسرت في أقل من عام لدرجة أن الشعب انقلب عليك، ولا يمكنك إنكار حجم الحشود ضدك، مصلحة بلدك أهم من مصلحتك الشخصية، 2. نشر اعترافات ملفقة: عقب فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، ألقي القبض على الآلاف من قيادات وأنصار جماعة الإخوان المسلمين، ونشرت صحف اعترافات لم يدل بها أصحابها، في محاولة لإقناع القراء بأن قيادات الجماعة وأنصارها جبناء ويتهربون من المسؤولية ويلقونها على عاتق بعضهم البعض. 3. تسريبات ملفقة: رغم إذاعة العديد من التسجيلات الصوتية والمقاطع المصورة المسربة لمسؤولين رسميين بعد عزل مرسي، إلا أن الإعلام لم يستطع نشر أي تسريبات متعلقة بقيادات جماعة الإخوان المسلمين تثبت الاتهامات التي نشرها عنهم طوال العام الذي حكم فيه مرسي، مثل بيع البلاد والتخابر والتآمر مع جهات أجنبية. سابعا: علاج الإيدز في الثاني والعشرين من فبراير 2014، نشر المتحدث العسكري للقوات المسلحة المصرية على صفحته بموقع فيسبوك بيانا أعلن فيه عما وصفه بـ”الاكتشاف المصري الفريد من نوعه”، لاكتشاف وعلاج مرضى فيروسات الالتهاب الكبدي الوبائي (سي) والإيدز، بنسبة نجاح تجاوزت 90%، وبدون الحاجة إلى أخذ عينة من دم المريض، وكذلك الحصول على نتائج فورية وبأقل تكلفة. أعقب هذا الإعلان دعاية إعلامية كبيرة تشيد بهذا “الإنجاز” غير المسبوق، بالإضافة إلى الهجوم على المشككين فيه. من خلال كبسولات تعمل على رفع كفاءة الجهاز المناعي للإنسان، إلى جانب جهاز يسمى (سي سي دي) للقضاء على الفيروسات من النوعين. ويبلغه بشفائه التام من مرض الإيدز[125]. ثاني عشر: تحريف تغطيات الإعلام الأجنبي سياسة أخرى تضمنتها إستراتيجيات الإعلام المصري بعد عزل مرسي، وتقديم ترجمات مغلوطة لمقالات الصحف الأجنبية، ثالث عشر: استطلاعات زائفة تتضمن هذه الاستراتيجية نشر أخبار تتحدث بلسان فئات من الشعب،