• الخلافة وطبيعتها الخلافة لغة مصدر تخلف فلان فلانا اذا تأخر عنه والخلافة النيابة عن الغير الخلافة في لسان المسلمين رياسة عامة في أمور الدين والدنيا نيابة عن النبي عليه الصلاة والسلام وقريب من ذلك قول البيضاوي (الإمامة عبارة عن خلافة شخص من الأشخاص للرسول عليه الصلاة والسلام في إقامة القوانين الشرعية وحفظ حوزة الملة على وجه يجب اتباعه على كافة الأمة) • التسمية: وسمي القائم بذلك خليفة وإماما فأما تسميته إماما فتشبيها بإمام الصلاة وأما تسميته خليفة فلكونه يخلف النبي في امته فالخليفة عندهم ينزل من أمته بمنزلة الرسول صلى الله عليه وسلم من المؤمنين له عليهم الولاية العامة والطاعة التامة وعليهم ان يحبوه بالكرامة كلها لانه نائب رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس عند المسلمين مقام اشرف من مقام رسول الله صلى الله عليه • طاعة الخليفة: وليس للخليفة شريك في ولايته إلا ولاية مستمدة من مقام الخلافة وبطريق الوكالة وكل من يلي شيئا من امر المسلمين في دينهم او دنياهم من وزير او قاض او وال او محتسب او غيرهم كل أولئك وكلاء للسلطان ونواب عنه وهو وحده صاحب الرأي في اختيارهم وعزلهم وفي افاضة الولاية عليهم واعطائهم من السلطة بالقدر الذي يرى وفي الحد الذي يختار وهو مقيد بالشرع لضبطه إن أراد أن يجمح ولتقويم سلوكه ان خيف أن يميل الفرق بين الخلافة والملك وهو أن الملك الطبيعي هو حمل الكافة على مقتضى الغرض والشهوة، والسياسي هو حمل الكافة على مقتضى النظر العقلي في جلب المصالح الدنيوية ودفع المضار والخلافة هي حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي ولذلك يقرر ابن خلدون ان الخلافة الخالصة كانت في الصدر الاول الى آخر عهد علي ثم صار الامر الى الملك مذهبين ذلك رأي تجد روحه سارية بين عامة العلماء وعامة المسلمين وشاع هذا الرأي وتحدث به العلماء والشعراء منذ القرون الأولى فقال بعضهم : ولقد أراد الله إذ ولاكها من أمة إصلاحها ورشاده وأسرف بعضهم فقال: ومن كلام العلماء في ذلك قول القزويني في الرسالة الشمسية : ( فأشار إلي من سعد بلطف الحق ، وامتاز بتأييده من بين كافة الخلق ، وأفلح بمتابعته المطيع والعاصي) 2- المذهب الثاني: قد نزع اليه بعض العلماء وتحدثوا بــه ذلك هو ان الخليفة انما يستمد سلطانه من الامة فهي مصدر قوته وهي التي تختاره لهذا المقام. ولعل الحطيئة قد نزع ذلك المنزع حين يقول لعمر بن الخطاب : انت الامام الذي من بعد صاحبه لم يؤثروك بها اذ قدموك لهــــا القى اليك مقاليد النهى البشر لكن لانفسهم كانت بك الاثر وقد وجدنا ذلك المذهب صريحا في كلام العلامة الكاساني في كتابه البدائع قال : ( وكل ما يخرج به الوكيل عن الوكالة يخرج به القاضي عن القضاء لا يختلفان الا في شيء واحد وهو أن الموكل اذا مات او خلع ينعزل الوكيل والخليفة اذا مات او خلع لا تنعزل قضاته وولاته) ووجه الفرق ان الوكيل يعمل بولاية الموكل وفي خالص حقه ايضا وقد بطلت اهلية الولاية فينعزل الوكيل والقاضي لا يعمل بولاية الخليفة وفي حقه بل بولاية المسلمين وفي حقوقهم وانما الخليفة بمنزلة الرسول عنهم لهذا لم تلحقه العهدة كالرسول في سائر العقود والوكيل في النكاح . واذا كان رسولا كان فعله بمنزلة فعل عامة المسلمين وولايتهم بعد موت الخليفة باقية فيبقى القاضي على ولايته . وهذا بخلاف العزل فان الخليفة اذا عزل القاضي او الوالي ينعزل بعزله ولا ينعزل بموته لانه لا ينعزل بعزل الخليفة ايضا حقيقة بل بعزل العامة لما ذكرنا ان توليته بتولية العامة . حكم الخلافة عند علماء المسلمين: نصب الخليفة عندهم واجب اذا تركه المسلمون اثموا كلهم اجمعون يختلفون بينهم في ان ذلك الوجوب عقلي او شرعي وذلك خلاف لا شأن لنا به هنا ولكنهم لا يختلفون في انه واجب على كل حال حتى زعم ابن خلدون أن ذلك مما انعقد عليه الاجماع . قال : «وقد شذ بعض الناس فقال بعدم وجوب هذا النصب راسا لا بالعقل ولا بالشرع منهم الاصم من المعتزلة وبعض الخوارج وغيرهم . والواجب عندنا امضاء احكام الشرع فاذا تواطأت الامة على العدل وتنفيذ احكام الله تعالى لم يحتج الى امام ولا يجب نصبه الدليل: اولا : اجماع الصحابة والتابعين لان اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عند وفاته بادروا الى بيعة ابي بكر رضي الله عنه وكذا في كل عصر من بعد ذلك ثانيا : ان نصب الامام يتوقف عليه إظهار الشعائر الدينية وصلاح الرعية وذلك كالامر المعروف والنهي عن المنكر اللذين هما فرضان بلا شك لا يمكن القيام بهما الا من قبل الإمام واذا لم يقم بهما احد لا تنتظم امور الرعية ويكثر الظلم وتعم الفوضى ولا تفصل الخصومات التي هي من ضروريات المجتمع الانساني ولا شك أن ما يتوقف عليه رأي المؤلف: • بعد النظر بأقوال العلماء لم يجد المؤلف أحدا ً منهم أيد رأيه بدليل من القرآن الكريم والسنة المطهرة وذكر بعض الآيات التي يمكن أن تتصل بأمر الإمامة مثل قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُم ) وقوله تعالى (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلى الرَّسُولِ وَإِلَى أولِي الْأمْرِ مِنْهُمْ لَعَلَمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) ولكن لم يستشهد أي من العلماء بهذه الآيات على وجوب الخلافة واعلم على كل حال ان اولي الامر قد حملهم المفسرون في الآية الاولى على أمراء المسلمين في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وبعده ويندرج فيهم الخلفاء والقضاة وأمراء السرية وقيل علماء الشرع لقوله تعالى : ولو ردوه الى الرسول والى اولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم» واما اولو الامر في الآية الثانية فهم كبراء الصحابة البصراء بالامور او الدين كانوا يؤمرون منهم» وذلك معنى اوسع كثيرا وأعم من تلك الخلافة بالمعنى الذي يذكرون بل ذلك معنى يغاير الآخر ولا يكاد يتصل به . • واستند بعض العلماء على الوجوب بالإجماع وذلك برأي المؤلف لأنه لم يستطع إيجاد دليل من القرآن الكريم أراد بعض العلماء الاحتجاج بالآيات الوارد ذكر الإمامة فيها بوجوب الخلافة كابن حزم الظاهري ورشيد رضا فانتهى المؤلف أن دعوى الوجوب الشرعي للخلافة كبيرة ولا دليل يصلح للموازنة مع تلك الدعوى • الخلافة من الوجهة الاجتماعية دعوى الإجماع: تمحيص دعوى الإجماع: نسلم ان الاجماع حجة شرعية ولا نثير خلافا في ذلك مع المخالفين. الملاحظ البين في تاريخ الحركة العلمية عند المسلمين ان حظ العلوم السياسية فيهم كان بالنسبة لغيرها من العلوم الاخرى اسوا حظ وان وجودها بينهم كان اضعف وجود فلسنا نعرف لهم مؤلفا في السياسة ولا مترجما ولا ذلك وقد توافرت عندهم الدواعي التي تدفعهم الى البحث الدقيق في علوم السياسة وتظاهرت لديهم الاسباب التي تعدهم للتعمق فيها ومنها اهتمام المسلمين البالغ بفلسفة اليونان وهناك سبب آخر اهم ذلك أن مقام الخلافة الاسلامية كان منذ الخليفة الاول ابي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه الى يومنا هذا عرضة للخارجين عليه المنكرين له ولا يكاد التاريخ الاسلامي يعرف خليفة الا عليه خارج ولحركة المعارضة هذه تاريخ كبير جدير بالاعتبار وقد كانت المعارضة أحيانا تتخذ لها شكل قوة كبيرة ذات نظام بين كما فعل الخوارج في زمن علي بن ابي طالب وكانت حينا تسير تحت ستار الانظمة الباطنية كما كان لجماعة الاتحاد والترقي مثلا وكانت تضعف احيانا حتى لا يكاد يحس لها وجود وتقوى احيانا حتى تزلزل عروش الملوك فما لهم قد وقفوا حيارى امام ذلك العلم وارتدوا دون مباحثه حسیرین ؟ ما لهم أهملوا النظر في كتاب الجمهورية Republic لا فلاطون وكتاب السياسة لارسطو وهم الذين بلغ من اعجابهم بارسطو ان لقبوه المعلم الاول ؟ وما لهم رضوا أن يتركوا المسلمين في جهالة مطبقة بمبادىء السياسة وأنواع الحكومات عند اليونان وهم الذين ارتضوا ان ينهجوا بالمسلمين مناهج السريان في علم النحو وان يروضوهم برياضة بيدبا الهندي في كتاب كليلة ودمنة بل رضوا بان يمزجوا لهم علوم دينهم بما في فلسفة اليونان من خير وشر وایمان و کفر ؟ والسبب في رأي المؤلف في عدم الاهتمام بعلم السياسة : • الاصل في الخلافة عند المسلمين ان تكون راجعة الى اختيار اهل الحل والعقد قد يكون معنى ذلك أن الخلافة تقوم عند المسلمين على اساس البيعة الاختيارية وترتكز على رغبة اهل العقد والحل من المسلمين ورضاهم غير اننا اذا رجعنا الى الواقع ونفس الامر وجدنا ان الخلافة في الاسلام لم ترتكز الا على اساس القوة الرهيبة وان تلك القوة كانت الا في النادر قوة مادية مسلحة فلم يكن للخليفة ما يحوط مقامه الا الرماح والسيوف والجيش المدجج والبأس قد يسهل التردد في ان الثلاثة الاول من الخلفاء الراشدين مثلا شادوا مقامهم على اساس القوة المادية وبنوه على قواعد الغلبة والقهر ولكن أيسهل الشك في أن عليا ومعاوية رضي الله تعالى عنهما لم يتبوءا عرش الخلافة الا تحت ظلال السيف وعلى أسنة الرمح وكذلك الخلفاء من بعد الى يومنا لا نشك مطلقا في ان الغلبة كانت دائما عماد الخلافة ولا يذكر التاريخ لنا خليفة الا اقترن في اذهاننا بتلك الرهبة المسلحة التي تحوطه والقوة القاهرة التي تظله والسيوف المصلتة التي تذود عنه قد يلاحظ في بعض سني التاريخ ان تلك القوة المسلحة التي هي دعامة الخلافة لا تكون ظاهرة الوجود محسوسة للعامة فلا تحسين ذلك شذوذا عما قررنا فان لقوة موجودة حتما وعليها يرتكز مقام الخليفة غير انه قد يمر زمن لا تستعمل فيه تلك القوة لعدم الحاجة الى استعمالها فاذا طال اختفاؤها عن الناس غفلوا عنها وربما حسب بعضهم انها لم تكن موجودة ولو كانت غير موجودة حقيقة لما كان للخليفة بعدها وجود وما الملك الا التغلب والحكم بالقهر كما من هنا نشأ الضغط الملوكي على حرية العلم واستبداد الملوك بمعاهد التعليم كلما وجدوا الى ذلك سبيلا ولا شك أن علم السياسة هو من اخطر العلوم على الملك بما يكشف من أنواع الحكم وخصائصه وانظمته الى آخره لذلك كان حتما على الملوك ان يعادوه وأن يسدوا سبيله على الناس ذلك تأويل ما يلاحظ من قصور النهضة الاسلامية في فروع السياسة وخلو حركة المسلمين العلمية من مباحثها ونكوص العلماء عن التعرض لها على النحو الذي يليق بذكائهم وعلى النحو الذي تعرضوا به لبقية العلوم. لسنا نعجب والامر ما قد عرفت من ضعف الحركة العلمية السياسية عند المسلمين ولا من انحطاط شأن السياسة عندهم ولكن العجب هو أن لا يموت بينهم ذلك العلم وان لا يقضى عليه القضاء كله العجب العجيب هو ان يتسرب من خلال ذلك الضغط الخانق والقوة المترصدة والبأس المحيط بعض مباحث السياسة الى مجالس العلم وان يعرف لبعض قليل من العلماء رأى في مسألة سياسية على غير ما يهوى الخلفاء رد المؤلف على الوجوب للإجماع: • الأمة لم تجمع إلا إجماعا ً سكوتياً ولم يرد إجماع صريح وأن الإجماع الذي حصل هو بخلاف رأي الأمة ودون رضاها واستشهد بقصة يزيد بن سيدنا معاوية أنه أخذ البيعة غصباً وأيضاً استشهد في تعيين الملك فيصل من قبل الانجليز على العراق وادعاءهم أن ذلك تم من قبل أهل الحل والعقد وبإجماع للأمة • لم يتم الإجماع برأي المؤلف وذلك أن الخوارج لم يروا تعيين الخليفة واجباً وكذلك الأصم من المعتزلة رد المؤلف لدليل من يقول أن الخلافة مما يتوقف عليها إقامة شعائر الإسلام لذلك واجب تعيين الخليفة: • المعروف الذي ارتضاه علماء السياسة انه لا بد لاستقامة الامر في امة متمدينة سواء اكانت ذات دين أم لا دين لها وسواء أكانت مسلمة ام مسيحية ام يهودية ام مختلطة الاديان - لا بد لامة منظمة مهما كان معتقدها من حكومة تباشر شؤونها وتقوم بضبط الامر فيها ولعل أبا بكر رضي الله تعالى عنه انما كان يشير الى ذلك الرأي حينما قال في خطبته (( لا بد لهذا الدين ممـن يقوم به ولعل الكتاب الكريم ينحو ذلك المذهب أحيانا)) وقال تعالى في سورة المائدة ( وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمْ الفَاسِقُونَ وَأَنزَلْنَا إليك الكتاب بالحقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الكتاب وَمُهَيْمِناً عليه فاحكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ ولا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُم عَمّا جَاءَكَ مِنَ الحَقَّ لكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً ومِنهاجاً) • الواقع المحسوس الذي يؤيده العقل ويشهد به التاريخ قديما وحديثا ان شعائر الله تعالى ومظاهر دينه الكريم لا تتوقف على ذلك النوع من الحكومة الذي يسميه الفقهاء خلافة ولا على اولئك الذين يلقبهم الناس خلفاء والواقع ايضا ان صلاح المسلمين في دنياهم لا يتوقف على شيء من ذلك فليس بنا من حاجة الى تلك الخلافة لأمور ديننا ولا لأمور دنيانا ولو شئنا لقلنا أكثر من ذلك فإنما كانت الخلافة ولم تزل نكبة على الاسلام وعلى المسلمين وينبوع شر وفساد • منذ منتصف القرن الثالث الهجري اخذت الخلافة الاسلامية تنقص من أطرافها حتى لم تعد تتجاوز ما بين لابتي دائرة ضيقة حول بغداد وصارت خراسان وما وراء النهر لابن سامان وذريته من بعده وبلاد البحرين للقرامطة واليمن لعائلة لاطباطبا وأصفهان و فارس لبنی بویه والبحرين وعمان لفرع من القرامطة قد أسس فيها دولة مستقلة . والاهواز وواسط لمعز الدولة . • فما كان الدين أيامئذ في بغداد مقر الخلافة خيرا منه في غيرها من البلاد التي انسلخت عن الخلافة ولا كانت شعائره اظهر ولا كان شأنه أكبر ولا كانت الدنيا في بغداد احسن ولا شأن الرعيــــة أصلح أرأيت شعائر الدين فيها دون غيرها اهملت وشؤون الرعية عطلت - ام هل اظلمت دنياهم لما سقط عنها كوكب الخلافة وهل جفتهم رحمة الارض والسماء لما بان عنهم الخلفاء معاذ الله لا يريد الله جل شأنه لهذا الدين الذي كفل له البقاء ان يجعل عزاه وذله منوطين بنوع من الحكومة ولا يصنف من الأمراء ولا يريد الله جل شأنه لعباده المسلمين ان يكون صلاحهم وفسادهم رهن الخلافة ولا تحت رحمة الخلفاء. الكتاب الثاني الحكومة والاسلام نظام الحكم في عصر النبوة حال القضاء في عصر النبوة: حال القضاء في ذلك الوقت لا يخلو من غموض و ابهام يصعب معهما ولا شك في ان القضاء بمعنى الحكم في المنازعات وفضها كان موجودا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وقد رفعت الى النبي صلى الله عليه وسلم خصومات فقضى فيها وقال صلى الله عليه وسلم : (( انكم تختصمون الي ولعل بعضكم الحن بحجته من بعض فمن قضيت له بحق أخيه شيئا بقوله فإنما أقطع له قطعة من النار فلا يأخذها )). ولكنا اذا اردنا ان نستنبط شيئا من نظامه صلى الله عليه وسلم في القضاء نجد أن ذلك استنباط شيء من غير يسير بل غير ممكن لان الذي نقل الينا من احاديث القضاء النبوي لا يبلغ أن يعطيك صورة بينة لذلك القضاء ولا لما كان له من نظام ان كان له نظام وليس من السهل على الباحث ان يعرف هل ولی صلى الله عليه وسلم احدا غيره القضاء؟ هنالك ثلاثة الصحابة من العلماء ممن ولي القضاء في زمن رسول وقد قلد رسول الله صلى الله عليه وسلم القضاء لعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل رضي الله عنهم وينبغي أن يضاف اليهم أبو موسى الاشعري رضي الله عنه فقد كان في عمله على ما يظهر نظيرا بن جبل "بعد ذلك ذكر المؤلف عدة أدلة من السيرة النبوية على تولية هؤلاء الصحابة للقضاء أو بعض أموره من قبل النبي صلى الله عليه وسلم" ففي سنن الترمذي أن عثمان قال لعبد الله بن عمر اذهب فاقض بين الناس قال أو تعافيني يا أمير المؤمنين قال وما تكره من ذلك وقد كان أبوك يقضي لا قال ان ابي كان يقضي فان أشكل عليه شيء سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فان اشكل على رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل جبريل . واني لا أجد من اسأله وروى ابو داود رحمه الله تعالى عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وقال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم الى اليمن قاضيا وأنا حديث السن ولا علم لي بالقضاء وقال ان الله سيهدي قلبك ويثبت لسانك فاذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضين حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الاول فانه أحرى أن يتبين لك القضاء قال فما زلت قاضيا وما شككت في قضاء بعد وأما معاذ بن جبل فقد بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم قاضيا الى الجند من اليمن يعلم الناس القرآن وشرائع الاسلام ويقضي بينهم وجعل له قبض الصدقات من العمال الذين باليمن وذلك عام فتح مكة في السنة الثامنة من الهجرة • هذه الروايات برأي المؤلف لا تتيسر للإحاطة بشيء كثير من أحوال القضاء في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ومما يدل على ذلك اختلاف الرواية عن حادثة واحدة بعينها فبعث علي الى اليمن يرويه احدهم انه تولية للقضاء ويروي الآخر انه كان لقبض الخمس من الزكاة ومعاذ بن جبل كذلك ذهب الى اليمن قاضيا في رأي وغازيا في رأي ومعلما في رأي . • ينتهي المؤلف إلى أنه لا يوجد شيء واضح يتصل بالقضاء بشكل كامل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا حال غير القضاء من أعمال الحكم والولاية ويوضح ما وصل إليه بالبحث التالي: الرسالة والحكم • فاعلم أن المسألة الآن هي ان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان صاحب دولة سياسية ورئيس حكومة كما كان رسول دعوة دينية وزعيم وحدة دينية أم لا ؟