المبحث الأول : التأكيد على مدى أقدمية ظاهرة "الرأي العام"يرى أصحاب الرأي الأول أنه الرأي العام وجدت بعض أثاره المادية والمعنوية في المجتمعات القديمة و لكن بمسميات أخرى وبدرجات متفاوتة من حيث التعبير و التجلي العلني وهذا حسب طبيعة نظام الحكم والصلاحيات العرفية و القانونية و السياسية المتاحة للرعية أو بكلمة أدق لممثليهم من قبل الزعيم أو الإمبراطور أو البابا سواء في فترات السلم أو في فترات الحرب والتوسع ، حيث من أشهر هذه المسميات العرفية أو القانونية: الاتفاق المصلحة ،Volonté divine( الإرادة الإلهية ، )Consensus( الإجماع ، )Accord(‏ العامة ( Intérêt général). في الواقع لقد سادت معظم هذه المراحل التاريخية في الشرق والغرب ظاهرة احتكار السلطة والامتيازات السياسية والاقتصادية من قبل غالبية أو أصلية تمارس هيمنتها من خلال استخدام القوة العسكرية و النفوذ السياسي على المستضعفين من النساء والرجال تارة باسم التفويض المباشر وطورا باسم التفويض غير المباشر. لكن رغم هذه الطاعة المفروضة على المحكومين باسم دعايات سياسية تزعم الحفاظ على المكاسب التاريخية والسياسية للرعية خدمة لمصالح فردية أو فئوية آنية أو مستقبلية وجدت فترات استثنائية في مجتمعات و حضارات كالصينية والفارسية و الهندية و اليونانية و الإغريقية و غيرها ساد فيها العدل والإحسان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على يد أنبياء و رسل و من ثم خلفاء راشدين وقياسا مع الفارق، عرف العالم المسيحي الظاهرة بأشكال و صور شتى في ظل ظاهرة الإقطاع حيث عاشت الآراء تحت سيطرة الكنيسة اللاهوتية المتحالفة مع الملوك والأباطرة تمخضت في ظاهرة رأي عام خاضع ، يبرر وجوده عقائديا باسم القضاء والقدر السيد و العبد) نتيجة الأمية و الفقر والحرمان حيث ظل يتلقى السواد الأعظم من معتنقي المسيحية التعاليم الكنيسة في شكل طقوس زرعت في نفسيته الشعور بالانتماء والوحدة و الخلاص، خاصة مع بروز و تطور ظاهرة الحروب الصليبية خارج حدودها الإقليمية ، هذا في حين شهد العالم الإسلامي الظاهرة في صيغ الإجماع و الشورى كممارسة اجتماعية واسعة منذ عهدة النبوة وحتى أيام الخلافة الراشدة و بعضا من فترات الحكم الملكي.