ذلت المجتمعات التي عاشت في الشرق الأدنى القديم (مصر وبلاد الرافدين خصوصًا) مجهودًا كبيرًا في سبيل التوصل إلى نظام توقيت سليم يتيح تنظيم الشؤون الاقتصادية والسياسية.ومنذ عصور قديمة كان البابليون يقسمون الأسبوع إلى سبعة أيام، والفلك إلى دائرة أبراج (حزام وهمي في السماء يشمل مسالك الشمس والقمر والنجوم). وكانت دائرة الأبراج بإشاراتها الإثنتي عشرة والمقسّمة كل منها إلى 30 درجة، بمثابة أداة لرصد حركة الشمس والقمر والكواكب.راقب البابليون الأجرام السماوية وتمكنوا من معرفة سير النجوم والكواكب، ضبط خسوف القمر وترقّبه بدقة. وتعتبر الأرصاد البابلية من أقدم الأرصاد العلمية التي دوّنتها الشعوب، واستفادت منها اوروبا في ما بعد.واتّبع المصريون القدماء في بادئ الأمر ما فعله أهل بابل باستخدامهم القمر لتقسيم السنة إلى أقسام، غير أن المصريين خطوا خطوة ثانية إلى الأمام عندما قسّموا السنة إلى ثلاثة فصول وهي: فصل الفيضان (من منتصف تموز حتى منتصف تشرين الثاني)، وفصل الزرع والإنبات والانبثاق (من منتصف تشرين الثاني حتى منتصف آذار)، ثم فصل الحصاد والجفاف (من منتصف آذار حتى منتصف تموز). وكانت مدّة كل فصل أربعة أشهر. وقد جعلوا كل شهر من هذه الأشهر مؤلفًا من ثلاثين يومًا، اعتبروها فترة عطلة وأعياد وذلك لكي يتطابق حساب السنة مع فيضان النيل ومع مواقع الشمس. وتتبّع الكهنة المصريون مواقع الكواكب وسجّلوا ملاحظاتهم قرونًا متتالية، وتمكنوا من إنشاء التقويم السنوي في عصور ما قبل التاريخ، وتحديدًا في المرحلة الأخيرة من هذه العصور.هذا الإنجاز العلمي الرائع أصبح في ما بعد أفضل إرث حضاري، وأعظم ما أورثته مصر القديمة للعالم المتمدّن. وكان الكهنة يعتبرون أن دراساتهم الفلكية التي أجروها يجب أن تظل من العلوم السرية. وقد لاحظ المصريون ظهور بعض الأجرام في سمائهم في الفترة التي ترتفع فيها مياه النيل وتفيض على جوانبه. وكان لظهور النجم المعروف بـ«نجم الشعرى اليمانية» شأن خاص عندهم، إذ ربطوا بين ظاهرة قرب فيضان النيل في صيف كل عام، وظهور هذا النجم في الأفق الشرقي قبل طلوع الشمس في يوم معيّن من السنة، فكان بزوغ النجم يدل عندهم على مجيء الفيضان. وبتكرار ملاحظاتهم تمكّنوا من حساب الفترة التي يستغرقها ظهوره على هذا النحو فوجدوا أنها 365 يومًا. وهكذا اخترع المصريون القدماء التقويم السنوي على أساس الدورة الكاملة للشمس. ونشأ في مصر أفضل تقويم قديم، يرتكز على شيء من العلم ويستجيب لحاجات ملّحة، كانت مدة السنة لدى المصريين القدماء 365 يومًا بدلاً من 365 يومًا وربع اليوم (الزمن الفعلي للسنة الشمسية). وبذلك كان التقويم المصري القديم يختلف عن التقدير الحقيقي بربع يوم (ست ساعات) ويصبح هذا الفارق يومًا كاملًا كل أربع سنوات وشهرًا كل 120 سنة، إلى أن يتفق ظهور نجم الشعرى اليمانية مع بداية السنة، وقد أدخل يوليوس قيصر التقويم السنوي المصري إلى روما وأمر بتصحيح هذا الخطأ، فأصلحه فلكيو الإسكندرية اليونانيون في العام 46 ق.م. ثم عدّله البابا غريغوريوس الثالث عشر وحَسّنه سنة 1582م، وما زال العالم الغربي يعتمد هذا التقويم في يومنا هذا. كانت تقسيم النهار والليل إلى إثني عشر قسمًا على منوال الإثني عشر شهرًا. فقد قسّموا اليوم إلى: ليل ومدته إثنتا عشرة ساعة، ونهار ومدته إثنتا عشرة ساعة، وهو التقسيم الذي مازال معتمدًا حتى الآن. ابتكروا مجموعة من الآلات المختلفة لتحديد الساعات الزمنية.