إن لخلافة الراشدين صبغة جمهورية إذ إنها تستند إلى الانتخاب، فقد كانت حيناً انتخاباً مباشراً، تسبقها معرفة رأي الناخبين، ومرة انتخاباً يقوم به الزعماء وهو في جميع الحالات يقتصر بالدرجة الأولى على المدينة. ولكن فكرة استناد الخليفة إلى موافقة الناس عليه عامة لا إلى أسرته وقبيلته مأخوذة من الإسلام ثم إن فكرة كون مصدر السلطة إلهياً، وضرورة بيان رأي الأمة - التي لا تجتمع على ضلال - في المرشح، وإن الطريقة المتبعة في الانتخاب - سواء باختيار الأمة كانت أم بالتعيين الذي تسبقه معرفة الرأي أم بالشورى - مأخوذة من التقاليد العربية، وهذا يصدق في الكلام على شكل البيعة أيضاً. ويمكن القول إن تعدد طرق الانتخاب في عصر الراشدين تدل على قلة تجربة العرب السياسية، ومحاولة تطبيق الأساليب العربية في قبيلة أو مدينة على ظروف امبراطورية جديدة. أما سلطة الخليفة فيحدّها الرأي العام - وفي هذا الأمر استمرار للتقاليد العربية - وهي مقيّدة بدستور إسلامي هو القرآن وسنة الرسول. يقول أبو بكر: أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فإذا عصيت فلا طاعة لي عليكم (١٠٧). ولكن مدى هذه السلطة أوسع من سلطة الشيخ على القبيلة،