تُعد الدراسة الاقتصادية لوسائل الإعلام حديثة نسبياً، فقد انصب الاهتمام سابقاً على الجوانب القانونية والسياسية والاجتماعية والتاريخية. ويرجع هذا الإهمال لعدم توفر بيانات إحصائية شاملة، وخصائص المنتجات الإعلامية (صورة، صوت،...) اللامادية نسبياً، إضافة إلى الاعتقاد السائد بأن وسائل الإعلام هي أجهزة بث ثقافي أو أدوات دعاية سياسية. لكن مع الوقت، فرضت النظرة الاقتصادية نفسها، خاصة في البلدان ذات الهياكل الليبرالية والرأسمالية، ثم في البلدان الاشتراكية المصنعة وبعض الدول النامية. وأصبحت الدراسة الاقتصادية ضرورية خاصة بعد حل المشاكل السياسية والأيديولوجية المتعلقة بعملية الاتصال، حيث أصبحت المشاكل الرئيسية تتعلق بتنظيم الإنتاج، الإنتاجية، التسيير، والتخطيط. ومع التطور السريع لوسائل الإعلام في أوروبا خلال منتصف القرن الماضي، وتعزيز قيم الرأسمالية التي كرست التنافس، تحولت وسائل الإعلام إلى مؤسسات اقتصادية ربحية تسعى لتحقيق الأرباح دون مراعاة حق المواطن في الإعلام، ودون الالتزام بمبادئ الخدمة العامة. نتج عن ذلك ظهور ما سمي بالمجوعات الاحتكارية (trusts) التي احتكرت المشهد الإعلامي الأوروبي، مما جعل الباحثين يقرون بأن هذه الوسائل تخلت عن سيطرة الحكومات لتسقط في سيطرة مالكي رأس المال. وهذا الأمر خطير خاصة أن معظمها لم تلتزم بأخلاقيات العمل الإعلامي، لأن أهم ما يهمها هو تحقيق الربح السريع. ظهرت الشركات المتعددة الجنسيات بنمط الشركات الاقتصادية، مستثمرة في وسائل إنتاج الخبر، تقوية الوسائل التكنولوجية (الأقمار الصناعية، الكابلات، الألياف البصرية، التلفزة الرقمية)، ووسائل البث والتوزيع (قنوات سمعية بصرية، خدمات اتصال، وكالات إعلان)، مما أدى إلى احتكار بعض الشركات الضخمة للساحة الإعلامية الدولية، مثل Time Warner. أدت العولمة الإعلامية، بامتدادها الجغرافي وتقديم مضمون متشابه، إلى تركيز وسائل الإعلام في تكتلات رأسمالية عابرة للقارات، مستغلة التكنولوجيا الحديثة لتجاوز الحدود الثقافية والسياسية، مما قلل من مشاعر الانتماء إلى مكان محدود. تتميز العولمة الإعلامية بتعظيم قدرات وسائل الإعلام على تجاوز الحدود السياسية والثقافية لدعم وتوحيد أسواق العالم، ولكن على حساب دور الدولة. بدأ التحول الضخم نحو العولمة في مجال الإعلام من الثمانينات، حيث استطاعت مجموعة من المؤسسات الإعلامية فهم حاجات المجتمعات المختلفة للمواد الإعلامية، مستفيدة من التطور التقني. بدأت المؤسسات الإعلامية الأمريكية القوية في تكوين شركات متعددة الجنسيات وشراء أنشطة ومؤسسات إعلامية في الخارج، مصحوباً بتحالفات استراتيجية مع جهات محلية قوية. وصل عدد المؤسسات الإعلامية الدولية إلى 40 مؤسسة، نصفها تقريباً أمريكي. أدت هذه السيطرة الواسعة إلى تقسيم العالم إلى جزء مسيطر (الدول الصناعية المتقدمة) وهامش متخلف، مما يمثل خطر احتكار إعلامي. تسيطر الشركات المتعددة الجنسيات على صناعة وسائط الاتصال وأجهزة الإرسال والاستقبال المختلفة، والتقنيات الحديثة، وأجهزة الحواسيب وبرامجها. أدت هذه الهيمنة إلى تعظيم دور هذه الشركات، وتوسيع الخيارات الإعلامية المتاحة أمام الجمهور، لكنها أيضاً أدت لانتشار مواد إعلامية رخيصة و رديئة الجودة.