يكون مدرساً موسيقياً، الفنان، في أنفس طلابه. ويوماً جلبت إليه صبية تحبو إلى العاشرة، أغيث أهلها في تعلم العزف على البيان، حتى أسلس قيادها، وتبدل كرهها للموسيقى شغفاً أي شغف. ومرة أقام الأستاذ حفلة ممتازة، وكانت أسرة الصبية أخوف ما تكون، لا تدري ما ويظفر بتصفيق الإعجاب والاستحسان. حتى جاءت نوبة الصغيرة، كأنما قد انسدلت على عينيها فطالعها وجه أستاذها قد انتبذ مكاناً من المنصة يخفيه عن العيون، وافتر ثغره لها عن ابتسامة رقيقة تحمل بين ثناياها الطمأنينة والوثوق. فتعلقت نظرائها حيناً بعينيه، تستمد من وميضهما المتألق روح الهداية ووحي الفن. وإذا هي ماضية إلى البيان وما برحت عيناها مؤصولتين بعيني الأستاذ، وجلست على كرسي المعرف، فانبعثت الأنعام تتموج وتتدرج، وتعلو وتهبط، وتشري في أرجاءالحفل تداعب المسامع في رقة ولطف. وأزهقت الأسماع لتستوعب ذلك النعم الشجي، وبعد أخشت الطبية بأنها تهبط وئيداً من أفقها العلوي إلى مستقرها الأصيل، الضجيج، وسخت الحناجر بالهتاف. يهنئونها ويغدقون عليها الثناء. والناس من حولها يتخلفون، وأطالت البحث والتفقد، كلمة الرضا وترى نظرة الإستحسان في عينيه. في وليس في سواهما برهان! وأحشت دافعاً يخدوها، فانطلقت تشق الزحام. وانتهى بها الشير إلى ذلك الركن القصي بجوار المنصة، ولم يكن بمرأى من جمع الناظرين، فما إن أخذها بصره حتى هش لها، إنه لفوز عظيم! - أحقاً أحسنت العزف؟ وقال : وقد وصلت باجتهادك إلى درجة طيبة.