اولا : الاتجاه القديم في دراسات القرابة : يمثل هذا الاتجاه علماء الانثروبلوجيا في القرن 19 الذين اتجهوا في دراستهم للانساق القرابية اتجاها تطوريا وذلك تمشيا مع التيار الفكري الذي ساد ذلك العصر حيث سيطر التفكير التطوري علي كل مجالات الحياة والذي جاء نتيجة لتأثرهم بكتابات " تشارلس دراوين " وخاصة في كتابة عن أصل الانواع فما كان منهم إلا حاولوا دراسة أصول النظم الاجتماعية في ضوء المنهج التطوري والبحث عن البدايات الاولي لتلك النظم وتتبع المراحل المختلفة التي مرت بها وقد أدي بهم اتباع هذا المنهج الي الاعتماد علي الظن والتخمين في جزء من دراساتهم مما اوقعهم في كثير من التناقض والتخبط في النتائج التي توصلوا اليها ، وقد تمثل ذلك الاتجاه في كتابات عدد من علماء الانثروبولوجيا المشهورين من امثال " لويس مورجان " و " سير هنري مين " وباخوفن وماكلينان وغيرهم يعتبر " لويس مورجان " من اهم علام المدرسة التطورية حيث كان لافكاره ابلغ تاثير في كثير من العلماء الذين انتسبوا لتلك المدرسة فقد اجمع معظم الباحثين علي ان الدراسة العلمية لانساق القرابة قد ظهرت مع أعمال " لويس مورجان " وخاصة في علمه العظيم كتاب " انساق روابط الدم والمصاهرة في العائلة الانسانية " فهو من الاعمال الرائد التي تستحق المدح والثناء حتي ان " لووي " يذهب الي ان مورجان قد عمل من خلال كتابة هذا علي خلق دراسة انساق القرابة خلقا وجعلها كما لو كانت فرع من علم الاجتماع المقارن استند " لويس مورجان " في اقامة نظريته علي المنهج المقارن والمنهج التطوري فعندما عرض لموضوعات القرابة والزواج والاسرة وجد ان كل نظام من هذه النظم يمر بعدة مراحل وتعتبر المرحلة اللاحقة أكثر تطورا وتقدما من المرحلة السابقة ولذا استند الي فكرة البساطة والتعقيد فكان ينظر الي النظم الاوروبية علي انها قمة التطور والتقدم وان كل ما عداها يمثل مرحلة تطورية اكثر تاخرا ولقد انطلق " مورجان " من فكرة اساسية نجدها عدد كثير من العلماء التطوريين الذي اشرنا اليهم وهي : ان المجتمع البشري كان في البداية عبارة عن جماعة اجتماعية كبيرة تعيش في حالة بدائية لا تحكمها قواعد خلقية حيث يعيش الناس في حياة اباحية وفوضي جنسية كما كان لكل فرد في المجتمع الحق في ان يتصل جنسيا باي امراة دون ان يفرض علي هذا الاتصال اي قيود او تحريمات ويتفق معه في ذلك كل من " باخوفن " و " ماكلينان " حيث يذهبان الي ان الاباحية الجنسية هي اول الاشكال الزواجية الذي ساد منذ فجر الانسانية ويري " مورجان " ان مرحلة الاباحية الجنسية قد ارتبطت بشكل معين من اشكال العائلة وهي العائلة الدموية التي تقوم علي الزواج بين الاخوة والاخوات ثم عرفت الانسانية مرحلة اكثر تقدما وهي مرحلة زواج الجماعة وفيه عرفت العلاقات الجنسية بين الرجال والنساء بعض القيود والتحريمات حيث يتم الزواج بين جماعة الاخوة وعدد من النساء لسن اخوات او يتم بين جماعة من الاخوات وعدد من الرجال ليسوا اخوة وقد ارتبط بهذا الشكل من الزواج علي ما يري " مورجان " العائلة البونالية التي تعتبر اكثر تقدما من العائلة الدموية ثم تطور زواج الجماعة الي شكلين جديدين من الزواج التعددي هما تعدد الازواج اي زواج المراه الواحدة باكثر من رجل وتعدد الزوجات وهو زواج الرجل الواحد باكثر من امراة ويري " مورجان " انه ارتبط بالشكل الاول من الزواج التعددي العائلة السندبازمية والشكل الثاني ارتبط بالعائلة الابوية الكبيرة واخيرا توصل " مورجان " الي الزواج الاحادي او المونوجامي الذي يعتبر في راي " مورجان " اعلي وارق شكل وصل اليه الزواج وقد ارتبط بهذا الزواج العائلة المونوجامية التي تقوم علي الزواج بين رجل واحد وامراة واحدة ويعيشان معا بصفة مستمرة ولا يندمجان في اي وحدة عائلية اخري وهذا الشكل هو السائد في المجتمع المتمدين ( المجتمع الاوروبي في نظر مورجان ) وتؤدي هذه العائلة الي خلق نسق واضح ومتميز من روابط الدم ، لقد اعتمد مورجان في اقامة نظريته علي فكرة اساسية وهي انه كلما اتسع نطاق العلاقات الجنسية الشرعية التي يدخل فيها الفرد الواحد في وقت واحد كان ذلك دليلا علي تاخر هذا الشكل من اشكال العلاقات الجنسية ، هناك وجه شبه كبير بين كل من " مورجان " و " باخوفن " حيث بدا كل منهما من فرض واحد تقريبا وهو أن الانسانية عرفت منذ فجرها الاول مرحلة الاباحية الجنسية وان كان " باخوفن " يضيف ان تلك الاباحية قد تطورت الي مرحلة اكثر تقدما يقصد بها المرحلة التي تقوم سيق ظهور العائلة الامومية علي العائلة الابوية أي أن الانتساب إلي الام في خط النساء جاء في مرحلة مبكرة عن الانتساب إلي الاب فكانت القرابة في خط النساء طبقا بهذه المرحلة أسبق في الظهور عن خط الرجال وقد علل " باخوفن " فرضه السابق في كتابه عن حق الام حيث أشار إلي أن النظام الامومي قد ظهر نتيجة لمرحلة الاباحية الجنسية التي كانت تسود علاقات الرجال بالنساء في بداية حياة الانسانية فمن المعروف بالطبع ان الاباحية كانت تحول دون معرفة الاباء لذلك كان انتساب الاولاد الي أمهاتهم فقط ومما يدعم هذا الرأي ما تشير إليه الحضارات القديمة من إعطاء المراة مكانة مرموقة وكثير من الاساطير يدل علي ذلك كما في أسطور ة ايزيس المصرية ، وبصدد الاراء التي توصل اليها " باخوفن " عن حق الام نجدها في كتاب " مورجان " المجتمع القديم مما يجعلنا في النهاية نخلص الي القول بوجود تاثير متبادل بين كل من " مورجان " و " باخوفن " حيث تشابهت الاسس التي تقوم عليها النظرية القرابية عند كل منها ، وقد توصل " ماكلينان" الي نتائج مشابهه إلي حد كبير للنتائج التي توصل اليها كل من " مورجان " و " باخوفن " صحيح ان " ماكلينان " قد اتفق مع غيره من العلماء التطوريين " مورجان " و " باخوفن " في القول بمرحلة الاباحية الجنسية وحالة الفوضي التي كان يعيش فيها المجتمع الانساني في البداية إلا أنه أعطي اهتماما أكثر بالبحث عن أصل نظام الزواج وتحليله كما كان مهتما بالبحث عن الشكل الاول للزواج هل هو الزواج الاكسوجامي ام انه الاندوجامي ويرجع الفضل " لماكلينان " في ظهور اصطلاحي الزواج الداخلي والخارجي علي انه نتيجة طبيعية لوجود نظام الطوطمية في مجتمع من المجتمعات الذي يفرض علي الرجل ان يتزوج من خارج الجماعة القرابية التي ينتمي اليها حيث أن افراد الطواطم الواحد كما هو معروف اخوه واخوات ومن ثم يحرم الزواج بينهم ومن هنا فان الزواج الاكسوجامي علي ما يري ماكلينان كان اسبق في الظهور من الزواج الاندوجامي او الداخلي ، وقد توصل " ماكلينان " ايضا الي سبق الانتساب الي الام علي الانتساب الي الاب وسيادة القرابة في خط النساء عن القرابة في خط الرجال التي ظهرت في مرحلة متأخره وفي هذا فأنه يتفق مع "مورجان " و " باخوفن " اما " سير هنري مين " فانه يؤكد علي العكس من ذلك حيث يري ان الانتساب الي الاب ظهر في مرحلة مبكرة عن الانتساب الي الام وان العائلة الابوية الكبيرة هي الشكل الاصلي للعائلة وهنا نلاحظ تضاربا في اراء العلماء التطوريين واذ عدنا الي الاسهام العظيم الذي اسهم به " مورجان " في مجال نظرية القربة لوجدناه يتمثل في التميز بين انساق القرابة حيث ميز بين نوعين هما : انساق القرابة التصنيفية وانساق القرابة الوصفية ويرجع الفضل الي " مورجان " في توجيه انظار العلماء الي وجود مصطلحات القرابة التصنيفية والتي توصل اليها من دراسته لانساق القرابة لدي قبائل الشوكتو والاوماها وان لم يكن هو اول من قال بوجود هذه المصطلحات حيث سبقته في ذلك " لافيتو " كما ذكر " راد كليف بروان " الذي توصل في القرن الثامن عشر الي المصطلحات التصنيفية التي توجد بين قبائل الهنود الحمر في امريكا وخاصة بين قبائل الايروكواي والهيرون وقد وجد "لافيتو " ان الاطفال هناك يعاملون خالاتهم علي انهن امهات لهم ويطلقون عليهم مصطلح ام كما يعاملون اخوالهم علي انهم اباء لهم ويطلقون عليهم مصطلح اب وان الاولاد من جهة الام واخواتها ومن جهة الاب واخواته يعاملون بعضهم كاخوه واخوات، ويمكن القول بصفة عامة بان مصطلحات القرابة التصنيفية تهدف الي ضغط علاقات القرابة البعيدة في عدد قليل من درجات القرابة مع اهمال التفاصيل وتستخدم المصطلحات التصنيفية المتعددة في تحديد الجيل والجنس كالعم والعمة في اللغة الانجليزية ، وقد لاحظ " مورجان " في رأي " راد كليف بروان " ان مصطلحات القرابة التصنيفية تعمل علي تماسك الجماعة القرابية الكبيرة عن طريق التقريب بين افرادها وتقريب درجة القرابة كما يري ان المبدأ الذي تقوم عليه تلك المصطلحات هو ما يعرف بمبدأ وحدة جماعة الاخوة وسوف اعرض لهذا المبدأ في معرض الحديث عن " راد كليف بروان " اما مصطلحات القرابة الوصفية فتهدف الي وصف جميع درجات القرابة خارج الاسرة ففي النسق الوصفي عند العرب يوجد مصطلح للعم يختلف عن ذلك المصطلح الذي يطلق علي الخال علي عكس اللغة الانجليزية حيث يطلق عليها uncle الا انه بالرغم من هذا وطبق للنسق الوصفي يطلق علي العم (اخ الاب) كما يطلق علي الخال ( اخ الام ) هذا هو معني مصطلحات القرابة الوصفية وسوف نعرض الآن النظام التصنيفي الذي درسه "مورجان" ووجده عند كل من قبائل الشوكتو والاوماها وهما من قبائل الهنود الحمر في شمال امريكا وجد مورجان ان مصطلحات القرابة التصنيفية عند الاوماها والتي تستخدم للاقارب ممن ناحية الام ، وقد عرض " راد كليف بروان " لهذين النسقين حيث يذكر ان "مورجان " في دراسته لمصطلح القرابة لدي قبائل امريكا الشمالية قد لاحظ سمات معينة تميز مصطلحات ابناء العمومة والخؤولة لديهم حيث وجد ان الشوكتو يطلقون كلمة اب ليس فقط علي العم وانما يطلقونها ايضا علي ابن اخت الاب (ابن العمة) ويصبح بذلك ابا تصنيفيا وان اولاد ابن العمة يعتبرون اخوة واخوات ومن الشائع لديهم ان يطلقوا كلمة ابن son علي ابن الخال ، ويقابل مصطلح القرابة عند الشوكتو ذلك المصطلح الذي يوجد لدي قبائل الاوماها وهنا يصير المصطلح التصنيفي خلال الاقارب من ناحية الام حيث يستخدم للخالة نفس المصطلح الذي يستخدم للام واولاد الخال يكونون اما اخوالا او امهات كما تستخدم المراة مصطلحا واحدا (ابن) لكل من ابنها وابن اختها وابن عمتها ،