خلفه شمس الدين راعيا للحرافيش شاكما للسادة والأعيان وثابر الفتوة على عمله سواقا للكارو، وسرعان ما صار من رواد الزاوية وأصدقاء الشيخ حسين قفة . ورحب باقتراح للشيخ حسين قفة فأنشا کتابا جديدا فوق السبيل. ولا شك أن فتوات الحارات المجاورة قدم استردوا أنفاسهم باختفاء العملاق المهيب ، وراحوا يتحرشون ببعض الباعة المتجولين من أبناء الحارة . ولكي يثبت أن ملاحته ورشاقته لا ينقصان من فتونته، قرر أن يتحدى أقوى الفتوات وهو فتوة العطوف. فدارت بين الفريقين معركة حامية انتصر فيها انتصارا حاسما اجتاحت أنباؤه الحارات جميعا. فأيقن كل من داعبه أمل التحدي أن شمس الدين لا يقل عن عاشور قوة وبأسا. رغم ذلك رجع شمس الدين من معركة العطوف مبلبل الخاطر . الزوبعة الثملة بالقوة والنصر تتشرب بالأتربة والقاذورات . لقد قال له فتوة العطوف وهو يتوثب للالتحام. - أقدم یا بن الزانية . وملأ سبابه الأسماع . إن امرأة يختارها عاشور الناجي زوجة له ووعاء لذريته لا يمكن أن ترتقي إليها شبهة من الشبهات . ولكن لفترة قصيرة . لم يسترد الصفاء ، وهامت في صدره الهواجس مثل السحائب في اليوم المطير . مليحة ملاحة فائقة . صغيرة الجسم رشيقة فاتنة . تقية محترمة وذات شخصية مؤثرة . و الويل لمن تسول له نفسه اقتحام محرابها ! کم تعلق بها لدرجة الهوس حتى قال له عاشور الناجي يوما : فكان يأكل وينام فوق الكارو ، ودار في فلك أبيه منتزعا من الأحضان الدافئة. وهو يتفادى من هجماتها، برد الشتائم بأقبح منها، وتوقفت المعركة ، فهرب الفتي، وراحت الفتاة تلتقط ملاءتها من الأرض وتلتف بها وهي ترامقه في حياء. فتمتم باسما: ما اسمك ؟ ألاتذكروني يا معلم؟ وتذكرها فجأة فقال بدهشة: - بلي . كنا نلعب معا - ولكنك لم تتذكرني أنت ابنة دهشان ؟ فحنت رأسها وذهبت. وأشعلت حواسه فتدفق شبابه مثل أشعة الظهيرة . وجسمها المدمج الريان. وسرعان ما اتخذت المرأتان مجلسهما فوق العربة وعيوشة تقول بنبرتها العجوز : وثب إلى مقدمة الكارو ، وهو يتمنى لو يخطف من المرأة نظرة أخرى . ويمتلىء بأريج العظمة الحقيقية، ويمحق بذلك خطرات الضعف والغواية . حتى غادرت العربة في الدرب الأحمر . وأتبعها ناظريه وهي تمضي نحو رواق المشايخ. ولبثت عيوشة بمحلها فنظر نحوها متسائلا فتمتمت : وإذا بالعجوز تسأله : - ألم تر من قبل ست قمر ؟ فشكر للمرأة فتحها الحديث وأجاب :