قال ابن القيّم: أمّا التّأمّل في القرآن: فهو تحديق نظر القلب إلى معانيه. وجمع الفكر على تدبّره وتعقّله. لا مجرّد تلاوته بلا فهم ولا تدبّر، وقال تعالى أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها (محمد/ 24) وقال تعالى: أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ (المؤمنون/ 68)، وقال تعالى: إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (الزخرف/ 3) وقال الحسن: «نزل القرآن ليتدبّر ويعمل به. فليس شيء أنفع للعبد في معاشه ومعاده، وأقرب إلى نجاته من تدبّر القرآن، وجمع الفكر على معاني آياته. فإنّها تطلع العبد على معالم الخير والشّرّ بحذافيرها، وعلى طرقاتهما وأسبابهما وغاياتهما وثمراتهما، وتتلّ في يده «2» مفاتيح كنوز السّعادة والعلوم النّافعة وتثبّت قواعد الإيمان في قلبه. وتحضره بين الأمم وتريه أيّام الله فيهم. وتعرّفه ذاته وأسماءه وصفاته وأفعاله، وقواطع الطّريق وآفاتها. وتعرّفه النّفس وصفاتها، ومفسدات الأعمال ومصحّحاتها وتعرّفه طريق أهل الجنّة وأهل النّار وأعمالهم، وأقسام الخلق واجتماعهم فيما يجتمعون فيه. وتعرّفه مقابل ذلك ثلاثة أخرى: ما يدعو إليه الشّيطان، وما للمستجيب لدعوته من الإهانة والعذاب بعد الوصول إليه. فهذه ستّة أمور ضروريّ للعبد معرفتها، وتميّز له بين الحقّ والباطل في كلّ ما اختلف فيه العالم،