اهو الحب العذري؟هو حب خالص من الشوائب الدنس و الرجس ،هو حب طاهر شريف لا يعرف مخزيات المآثم،ولامنديات الأهواءوفي هذا الحب يمتري كثير من الناس ،لأن ظواهرالأحوال تشهد بأنه عاطفة غير طبيعية.واستئثار وامتلاك،هو عدوان أرواح على أرواح ،واستبداد قلوب بقلوب ،وما نراه من توجع العشاق وتفجعهم وتحزنهم وإعلان استعدادهم للفناء فيمن يحبون ليس إلا وسيلة للظفر بما يشتهون.ونحن مع ذلك أمام ظاهرة وقعت بالفعل،هي وجود عشاق وصل بهم العشق إلى حد التصوف،فلم تكن لهم مآرب حسية يطفئون بها ظمأهم إلا الاستئثار والامتلاك،عندنا عشاق عذريون ،وعندسوانا عشاق أفلاطنيون،وقلوب صحاح.فما تعليل هذه الظاهرة الوجدانية؟ وما الرأي في هذا الحب الغريب الذي يفرض التضحية بمآرب الشهوات والأهواء؟الرأي واضح لمن يعرف،وهو أن شهوة الحس مطلب صغير بجانب شهوة النفس ويا نفس كم هي كثيرة شهواتك؟[.الشعراء لا ينظرون إلى النجوم نظرة اهتداء كما يصنع السارون في ظمائر الصحراء ،وإنما ينظرون إلى النجوم نظرات ذوقية وروحية يفرضها عليهم الهيام بتذوق جمال الملكوت.والشعراء هم الذين علموا الناس أن للجمال غاية غير ما ألفوا كمن الغايات الشعراء هم الذين فطنوا إلى أن للوجود محاسن تشتهى بجوانح غير الحواس. فهل يكون من العجب أن يخلق الشاعر من معشوقته دمية روحية يجاذبها أطراف الحديث حول أسرار الوجود؟يستطيع أي مفكر أن يقول:إن الشعراء العذريين لم يتغنوا بطهارة الحب إلا بسبب الضعف،وأن يزعم أن عفافهم لم يصدر عن تحليق وإنما صدر عن إسفاف،إلا أننا نقول أيها المفكرون لو فكرتم لعرفتم أن الشاعر يتأذى من الغايات الوضيعة ، ولا يرضى عن المرأة إن شاركته في السمو إلى الآفاق الروحية ،وحملته من مكاره الحب ما يملك به القدرة على النواح والأنين.الشاعر يطلب غاية مجهولة في عالم مجهول ،ومن هنا صح ما قيل إن المجنون"وهنا يقصد الكاتب مجنون ليلى"في حضرة ليلاه ليراها في تهاويل الطيف،وإنما كان ذلك لأن صورة نموذجية للمرأة الجميلة لا يماثلها الواقع كما يمثلها الخيال.الشاعر العذري يخلق للمرأة شمائل تميزها عن سائر بنات حواء،فهو يخلق منها قوة روحية تسيطر على مسالك ضلاله ومذاهب هداه،هو يراها أمنع من الظبية العصماء،وقد يراها أبعد من نجم السماء.هي جنية لبست ثياب المرأة لتخبله وتستبيه بلا ترفق ولا استبقاء.الحب العذري حقيقة من الحقائق ،وليس فؤضا من الفروض.ولا يرتاب في الحب العذري إلا الذين ضاقت منادح ؟أهوائهم فلم يجروا إلا في ميدان الحسن المبذول وأولئك قوم يمشون في دنيا الحب مشي المقيد في الوحل، فلا يتعالون إلى فكرة سامية ولا يتسامون ؟إلى مقصد رفيع.الحب العذري هو معركة عنيفة في ميدانين:الأول ميدان الصراع بين الشاعر وهواه،والميدان الثاني ميدان القتال بين الشاعر ومن يهواه،وهو في الميدان الثاني لا يطارد فريسة تنال بأيسر الجهد،وإنما يطارد ظبية عصماء لا تنال إلا باقتحام الأهوال فوق قمم الجبال.والحب العذري حين نتصوره هذا التصور لا يكون ألا رياضة أخلاقية،وقد لا يكون كذلك بالفعل في الأنس من أقبلوا عليه من أعاضم الشعراء،القوة التي قضت بأن ينتقل من أرض إلى أرض،