أسباب الإرهاب ودوافعهتختلف أسباب العمل الإرهابي ودوافعه باختلاف نوع العمل وممَّن صدر (فرد أو جماعة أو دولة)؛ وتأتي هذه الأسباب والدوافع متعددة ومتباينة، وأخرى مجتمعيَّة.أولًا: الدوافع والأسباب الشخصيةتتنوع الدوافع الشخصية التي تدفع الإرهابي إلى ارتكاب جريمته لتحقيق هدف شخصي، أو بسبب عامل يتعلق بشخصيته، وسياسية، وإعلامية.أ- الدوافع النفسيةفالبناء السيكولوجي للفرد يلعب دورًا مهمًّا في تفاعله مع مجتمعه، كما ترى بعض الدراسات أن القائمين بالعمل الإرهابي تجمع بينهم خصائص متماثلة، كالطفولة المضطربة، والعلاقات المضطربة في الأسرة خاصة مع الوالدين، والانقطاع عن الأصدقاء(7).ب- الدوافع السياسيةففي كثير من الأحيان يكون دافع العمل الإرهابي سياسيًّا، للفت نظر الجهة المستهدفة من هذا العمل، وتهميش المواطن، بما يشعره بالكبت والقهر السياسي، وأنه مُهمل لا دور له. قد يدفع الأفراد لعمل بعض الأعمال الإرهابية لتخليص الوطن من المحتل الأجنبي، الذي يمارس الاضطهاد والقهر(8).نتيجة للتطور التكنولوجي في وسائل الاتصال، والتواصل الاجتماعي، في نشر الأخبار والوقائع فور حدوثها، نجد أن من دوافع العمل الإرهابي لفت أنظار الرأي العام العالمي إلى قضية من القضايا، لجذب الانتباه لإيجاد نوع من التعاطف مع القائم بالفعل الإرهابي، ووسائل الإعلام هي الوسيلة الوحيدة التي بواسطتها يستطيع الإرهابيون طرح شروطهم ومطالبهم وآرائهم وشرح قضاياهم. وهذا ما قام به بن لادن والظواهري في تنظيم القاعدة، وأبو بكر البغدادي في تنظيم الدولة الإسلامية أخيرًا.بل تطور الأمر إلى إنشاء قنوات فضائية، ومواقع إلكترونية باستخدام أحدث أدوات التكنولوجيا في التصوير، وإعدام مجموعة من المصريين في ليبيا ذبحًا.إضافة إلى ذلك، فإن الإعلام من خلال نقله للأحداث يُسهم في إظهار بعض الإرهابيين بمظهر الأبطال؛ مما يدفع إلى تقليدهم والسير على طريقتهم، وهذا ما حدث أيضًا من تحمُّس الآلاف من الشباب للانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" لرؤيتهم من خلال الإعلام أنهم يحققون مكاسب على الأرض، ناهيك عن الظلم الواقع عليهم من أنظمتهم المستبدة.ثانيًا: الدوافع المُجتمعيةوهي الدوافع التي يكون للمجتمع الذي يعيش فيه مرتكِب العمل الإرهابي دور كبير في دفعه إلى الإرهاب، ودوافع تاريخية، ودوافع إثنية، ودوافع أيديولوجية.أ- الدوافع الاقتصاديةفالحاجة والفقر والعوز الاقتصادي، قد يكون له آثار سلبية على البناء المجتمعي، بما يولِّد سلوكًا عدائيًّا ضد المجتمع الذي يعيش فيه الفرد، ومن أبرز هذه المشاكل: التخلف الناتج عن السياسات الاقتصادية غير الملائمة للواقع الاجتماعي للدولة، بحيث تتكون فجوة تتسع تدريجيًّا بين الفقراء والأغنياء، مما يفرز خللاً في العدالة الاجتماعية، وظلمًا لقطاعات كبيرة من السكان، وهذا يؤدي إلى خلق حالة من النقمة والغضب على فئات من المجتمع، قد يصحبه ردَّة فعل بارتكاب عمل إرهابي معين.ب- الدوافع الاجتماعية وتترك آثارًا سلبية في نفوسهم، وبالتالي تسهم في انحرافهم، واستغلالهم من قِبل بعض المجموعات الإرهابية. كما يُسهم ضعف دور المدرسة في التربية والتنشئة السليمة، إلى ممارسات خارجة عن النظام والتقاليد الاجتماعية. وسوء التخطيط، وانتشار المساكن والأحياء الشعبية، وعدم توفر الحد الأدنى للمعيشة، يدفع الشباب إلى الشعور بالقهر الاجتماعي، ومن ثمَّ يدفعهم إلى الانحراف وارتكاب الأعمال الإرهابية.ج- الدوافع التاريخيةقد تُتخذ الحوادث التاريخية التي حدثت في فترة زمنية بعيدة سببًا من الأسباب الدافعة لارتكاب العمل الإرهابي، ومن الأمثلة على ذلك الأعمال الإرهابية التي قام بها جيش التحرير الأرميني ضد تركيا، انتقامًا للمذابح التي حدثت للأرمن إبَّان العهد العثماني، وكذلك ما قامت به إسرائيل من أعمال إرهابية ضد القادة الألمان في العهد النازي، وتتبعهم أينما كانوا واختطافهم ومحاكمتهم لادعائها باضطهاد النازيين لليهود، ومن الأمثلة على ذلك اختطاف "أدولف أتو إيخمان"(9) عام 1960 من قِبل عملاء الاستخبارات الإسرائيلية "الموساد" ونقله من الأرجنتين إلى القدس حيث جرت محاكمته وإعدامه هناك(10).د- الدوافع الإثنية وتمارس التمييز العنصري ضد شعبها، وخصوصًا إذا كان متنوع الأعراق، تلجأ بعض الجماعات إلى ممارسة العنف والإرهاب ضد الجماعة الأخرى الأقل قوة بهدف إخراجهم من ديارهم. وكما حصل في جنوب إفريقيا من تمييز عنصري من قِبل الحزب الوطني الذي تسلَّم السلطة عام 1948، ومارس سياسة التمييز العنصري، والتي مفادها أن على كل مجموعة عِرقية من المجموعتين الرئيستين في البلاد أن تتطور مستقلة عن الأخرى، وفقًا للإمكانيات والخصائص التي تتمتع بها وفي مناطق جغرافية منفصلة بعضها عن بعض؛ فالأقلية البيضاء حاولت الاحتفاظ بالامتيازات التي تسمح لها بالتطور والنمو مما أدى إلى تفاوت شاسع في الحالة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بين المجموعتين(11).ه- الدوافع الأيديولوجيةقد يدفع التعصب لمبدأ فكري أو ديني إلى اللجوء إلى استعمال العنف وممارسة الإرهاب من قِبل فئة معينة تحاول فرض مبادئها التي تؤمن بها على المجتمع الذي تعيش فيه، وربما تسعى تلك الفئة إلى محاولة الوصول إلى السلطة لتسهيل نشر تلك المبادئ وتطبيقها، والصراع بين البروتستانت والكاثوليك لأسباب دينية، وبين الهندوس والمسلمين في الهند،