احتوت على قصص سبعة من الرسل أرسلوا إلى أقوامهم وأمروهم بالعبادة لله وحده، وأصروا على اتباع الهوى وتقليد عبادة الآباء، واستبدل بهم قوماً غيرهم، وهم القلة القليلة من الذين أمنوا مع رسلهم، فجاءت هذه القصص متناسبة مع الفترة العصيبة التي نزلت فيها، من أجل تثبيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، 011. والاستغفار والتوبة إليه. ولم يخلقهما عبثاً ولا باطلاً. وأرسل في ذلك الرسل مبشرين بالثواب إن هم أطاعوه، 011. وتنزيلها منازلها)، وأن الذي أحكمها هو الحكيم (أي الحكيم كامل الحكمة، وهو الحاكم كامل الحكم)، والذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء). أما التفصيل فقد جاء في الآية الثانية (2) وهو عبادة الله لا إله إلا هو، وإرسال الرسول محمد صلى الله عليه وسلم نذير وبشير (وكذلك جميع المرسلين مبشرين ومنذرين). {ويؤت كل ذي فضل فضله}، قال ابن جرير: من عمل سيئة كتبت عليه سيئة، ومن عمل حسنة كتبت له عشر حسنات. وهو على كل شيء قدير، ويعذب المسيئين المفسدين. أحكمت آيات الكتاب ثم فصلت بالأوامر والنواهي لأجل أن يعبد الإنسان الله وحده لا شريك له، وأن يستغفر من ذنوبه ثم يتوب إلى الله. فالإنسان خطاء كثير الذنوب مقصر في حق الله خالقه ورازقه ومالك أمره، كما في الحديث عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون”. ولن يستطيع أحد أن يؤدي حق الله بعمله، 011. والقرآن كله موعظة وذكرى، وهو مجازٍ جميعَهم بأعمالهم، 011. 4.4- وقال الشيخ محمد الشنقيطي في أضواء البيان: قوله تعالى: {أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ إِنَّنِى لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ}. هذه الآية الكريمة فيها الدلالة الواضحة على أن الحكمة العظمى التي أنزل القرآن من أجلها: هي أن يعبد الله جل وعلا وحده، ولا يشرك به في عبادته شيء، لأن قوله جل وعلا: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ ءايَـٰتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ} الآية، صريح في أن آيات هذا الكتاب فصلت من عند الحكيم الخبير لأجل أن يعبد الله وحده. وفيه قوله تعالى: {وَأَنِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَّتَاعاً حَسَناً إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى}. هذه الآية الكريمة تدل على أن الاستغفار والتوبة إلى الله تعالى من الذنوب سبب لأن يمتع الله من فعل ذلك متاعاً حسناً إلى أجل مسمى. لأنه رتب ذلك على الاستغفار والتوبة ترتيب الجزاء على شرطه. والعافية في الدنيا، وأن المراد بالأجل المسمى: الموت، 011. 5 ملخص موضوع السورة: نجده في الآية الأولى، التي تتحدث عن إحكام ثم تفصيل آيات الكتاب (وهو القرآن)؛ وأن الذي أحكمها ثمّ فصّلها هو الحكيم الخبير الذي لا يخفى عليه شيء. والتفصيل جاء في الآية الثانية وهو: عبادة الله وحده الذي أرسل لكم النذير والبشير. ثمّ تفاصيل العبادة والرسالة في الآية الثالثة وهي: الاستغفار من الذنوب والتوبة منها، ثم تهديد لمن تولى بالعذاب. ويعذب المسيئين. 5.1- ملخص الموضوعات باعتبار ترتيب الآيات: تتطابق فيها وتتكرر المعاني، حول موضوع واحد وهو: ابتلاء الله تعالى الناس بالعبادة له وحده لا شريك له، ثم يوفّيهم جزاء أعمالهم غير منقوص في الآخرة، كما يلي: 011. 5.1. 1- أولاً مقدمة (الآيات 1-24): احتوت على مقصد السورة وهو العبادة والاستغفار من الذنوب ثم التوبة إلى الله، للعبادة التي فيها نجاته وفلاحه. وكل ما في المقدمة من موضوعات فهي تخدم هذا المقصد. 5.1. 2- ثانياً قصص سبعة من الرسل (الآيات 25-99): أرسلوا إلى أقوامهم مبشرين ومنذرين: وهم نوح وهود وصالح وإبراهيم ولوط وشعيب وموسى عليهم جميعاً الصلاة والسلام. مالهم من إله غيره. ثم كيف أنّ الغالبية العظمى من هؤلاء الأمم لم يؤمنوا بل استكبروا بما أنعم الله عليهم من النعمة والقوة والتمكين في الأرض، وأصرّوا على اتباع الهوى وتقليد عبادة الآباء، واتبعوا الدين الذي جاءهم من عند ربّهم، يأمرهم بعبادته مالهم من إله غيره. 5.1. وقد خلقهم لأجلها. ويعمّ الرزق والنعيم، ثم ينالهم الجزاء الأعظم في الآخرة بالفوز بالجنة ورضوان الله؛ 011. 5.2- ونستطيع أن نفصّل أكثر ببيان ستّة مواضيع تكررت معانيها في المقدمة وفي قصص الأنبياء وفي خاتمة السورة، والاستغفار من الذنوب والتوبة (21 آية). 2- ثانياً: أنّ الله لا يخفى عليه شيء، وأنّ التهرب من سماع الأوامر والنواهي، 5.2. 5.2. وإيجاد العذر (17 آية). 5- خامساً: تثبيت الرسول صلى الله عليه وسلم، والمؤمنين معه بأخبار الأمم، 6- سادساً: الكفار يريدون الدنيا، فيعطون جزاء أعمالهم فيها، وليس لهم في الآخرة إلا النار. 5.3- الحكمة العظمى التي أنزل القرآن وفصلت آياته من عند الحكيم الخبير من أجلها: هي أن يُعبد الله جل وعلا وحده، ولا يُشرك به في عبادته شيئاً. وأن الاستغفار والتوبة إلى الله تعالى من الذنوب سبب لأن يمتّع الله من فعل ذلك متاعاً حسناً وهو سعة الرزق، ورغد العيش، والعافية في الدنيا، إلى أجل مسمى وهو الموت. وكان التركيز في كلّ القصص على العواقب الدنيوية للفئتين، الفئة المؤمنة والفئة الكافرة، لتكون عبرة وتثبيتاً للرسول صلى الله عليه وسلم ومن آمن من أمته إلى يوم الدين، بأن لا تفتنهم قلّتهم، حين يروا الكثرة الغالبة المحيطة بهم تقلّد ما وجدوا عليه آباءهم من عبادة الطواغيت والأموال والشهوات. وهي نفس الرسالة التي تكرّرت في كلّ الأمم على مر العصور. وهكذا بعد أن برهنت سورة يونس أن الوحيّ (الملائكة والكتب والرسل) على حق، جاءت سورة هود لتؤكّد أن ما جاء به الوحي هو أيضاً حق، وموعظة، وذكرى، قال تعالى: {وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120)}. وسيأتي البيان في سورة يوسف التي تبدأ بقوله تعالى: {الر تتِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1)}، ويمتحنهم في أعزّ ما يملكون من فقد الأولاد والأنفس والتعرض للظلم وغيره، اللهم اجعلنا من الذين آمنوا وعملوا الصالحات واستغفروا وتابوا واستقاموا على دينك وحسن عبادتك. 6 بعض التفاصيل عن موضوع السورة: تتكون السورة من ثلاثة أجزاء، وهي: مقدمة ثم قصص ثم خاتمة، حول موضوع واحد وهو ابتلاء الله تعالى الناس بالعبادة له وحده لا شريك له، وأنه أمهل الناس ليبلوهم أيهم أحسن عملاً، ثم جعل الدار الآخرة ليجزيهم فيها ويوفيهم جزاء أعمالهم غير منقوص: كما يلي: 6.1. 1- بيان أن رسالة الوحي التي في الكتاب هي الأمر بالعبادة لله وحده، ويمتعهم إلى أجل مسمى. 2- أن الله لا يخفى عليه شيء، وأن السر عنده كالعلانية، فهو عالم بما تنطوي عليه الضمائر، وما يعلن وما يسر. وإن التهرب من سماع الأوامر والنواهي، وعدم التلقي من الوحي لن يعذرهم أو يعفيهم من الابتلاء والتكليف. 6.1. فالابتلاء في إحسان العمل، كما قال تعالى في هذه السورة الكريمة. كما أبلغتهم عنه الرسل، وأنه جاءهم ما يصلح به حالهم ويهديهم. وإقامة الحجة على الناس. إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات. 6.1. 5- لا يضيق صدرك، فتوكل عليه. والعمل للآخرة. هم لا يعجزون الله وقد خلقهم، فإليه مرجعهم، 6.2- القصص: الآيات (25-99): الرافضين والعابدين لله وحده والعبرة دائماً بالعاقبة، في الآيات التالية: نوح عليه السلام: (25-48) = 24 آية. هود عليه السلام: (50-60) = 11 آية. لوط عليه السلام: (77-83) = 7 آيات: القصة هنا تتحدث عن قوم لوط، مدين عليه السلام: (84-95) = 12 آية. 6.2. 2- جزاء الأعمال في الآخرة: القصة التالية عن موسى عليه السلام فيها بيان العاقبة النهائية للكافرين والعابدين لله وحده، تصرح الآيات التالية بأن المقصد من إيراد القصص هي التثبيت والتسلية لمحمد صلى الله عليه وسلم وأمته، ليأخذوا العبر مما حصل مع من سبقهم من الأمم، فيستقيموا على عبادة ربهم كما أمرهم حتى يفوزوا بالجنة، محمد عليه السلام: (12-14، 49)، (100)، (109، ولو شاء سبحانه لجعل الناس أمة واحدة وعلى دين واحد هو دين الإسلام، وفريق كالأعمى والأصم، والحقيقة أن الله الذي خلق الإنسان، هو الذي أمره بعبادته وحده، لأنه خلقه للعبادة، وهي من أسباب الخير والقوة والمطر والرزق. وهي من أسباب الجور والظلم، وجالبة للخسارة في الدنيا والآخرة. وقد أرسل الله الرسل بالآيات تبين للناس هذا المقصد من وجودهم، وأنه للعبادة كان خلقهم، وتنذرهم أن يصيبهم مثل ما أصاب من سبقهم من الأمم التي أهلكت بسبب تكذيبها وكفرها. والتذكير بأنهم خلقوا لها. ولأن الإنسان هو نفسه الإنسان، تتكرر نفس الأخطاء والجهالات، عبر القرون والأجيال، التي تؤخذ على علّاتها، حتى مع علمهم بأن آباءهم على ضلالة مهلكة، إلا القلة القليلة التي تنجوا بإيمانها وباتباعها دين الله خالقها ورازقها وعالم مستقرها ومستودعها. فمنهم الشقي في النار والسعيد في الجنة. وتطمئن الرسول صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا بأنهم جاءهم الحق ولكن أكثر الناس يعبدون كما يعبد آباءهم. ولو شاء الله لجعل الناس كلهم مؤمنين، ولكن شاء أن يكونوا مختلفين. وأن الله لا يظلم أحد لأن العبادة لله هي التي في مصلحتهم ولكنهم عبدوا الآلهة فأوكلهم الله لها فلم تغن عنهم من دون الله شيئاً. 1- حين الوقوف عند هذا القدر من تلاوة هذه السور وما ورد فيها من أنباء عن ستة من القرى أهلكها الله {منها قائم وحصيد} بسبب ذنوبها ومعاصيها وعبادتها لغير الله. يتكشف سلطانه وبطشه، ويكون من هذا الأخذ الدليل على قدوم اليوم الموعود للحساب والعقاب. فتسارع إلى العبادة لله وحده لا شريك له، 011. 2- يصرح سبحانه أنه بما يعملون خبير، 6.3. 6.3. من لذات الدنيا ونعيمها، إيثارا له علـى عمل الاَخرة وما ينـجيهم من عذاب الله، 011. 6.3. 5- ما جاء في هذه السورة من أنباء الرسل فيه تثبيت لفؤاد الرسول صلى الله عليه وسلم ومن آمن معه. 011. 6.3. 6- فليعملوا الذين لا يقرّون بوحدانـية الله لدنياهم. فإنا منتظرون ما وعدنا الله من حربكم ونصرتنا علـيكم. 011. 011. 7.1- إسم السورة: و‏اغتروا ‏بقوتهم وجحدوا الآيات: {وعصوا رسله واتّبعوا أمر كلّ جبّار عنيد (59)} هود. فكان جوابه لهم {ويستخلف ربّي قوماَ غيركم ولا تضرّونه شيئاَ (57)}، وقد أهلكهم الله ولعنهم بسبب كفرهم: {وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة ألا إن عاداَ كفرو ربهم ألا بعداَ لعاد قوم هود (60)}. وهي سورة شديدة مليئة بالإنذار والوعيد الشديد لمن لا يعمل ولا يلتزم بالعبادة وبالدعوة إليها كما جاء تفصيله بالكتاب (القرآن). 011. 1- وبتدبر قصة هود عليه السلام مع قومه نجد أن مواضيع السورة ومقصدها هي نفسها، فقد قال لهم: {ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم، وهي نفس ما جاء في بداية السورة بعد قوله: {كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير}، لكن الشياطين اجتالتهم فركضوا وراء الرزق وهو المضمون، وزينت لهم الشياطين ما وجدوا عليه آبائهم من الشرك وعبادة الأوثان من دون الله. فهذه هي الحكمة والحق الذي فصلته هذه السورة، وهذا هو كلام الحكيم الخبير، والذي يبين بما لا يحتاج إلى تفسير بأن العبادة واتباع الدين هما سبب الخير في الدنيا والآخرة، وأن ما سواهما هو سبب الشقاء والخسران في الدنيا والآخرة. فهذا ما أوجده تعالى بقضائه وقدره لأجل سعادة الإنسان، وهو ما أقيم عليه هذا الكون وسننه، لأجل تدبير وتصريف حياة الناس، وحسابهم وجزائهم في الخير والشر. 011. كان سببه الذنوب، فهلاكها بسبب ذنوبها، وقد تكرر هذا المعنى في أماكن كثيرة من القرآن، {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ (79)} النساء، {وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ…(47)} القصص، {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41)} الروم، 7.2. وعدم السماع عناداً وجهلاً، واختلاق الأعذار لعدم قبول الوحي، 87، 97، وهو شيخ كبير. في الآيات (6، 69-73، 118، 63% إلى قيام الساعة. وما تكبر الإنسان إلا بالنعمة التي أنعمها الله عليه، 82% تخلي عنهم ما كانوا يعبدون من دون الله، وتبين أيضاً وتشهد على نجاة المؤمنين، واستخلافهم وجعل العاقبة الكريمة لهم. ثم وفي الآخرة الجزاء الأوفى غير منقوص: في الآيات (15-24، 37-48، 59، 67، 68، 82، 83، 95، 64% 011. 7.3- سياق السورة حسب ما احتوته من القصص: القصص: الآيات (25-99) إنه من كما هو الحال في أيامنا هذه، فالإنسان يخشى أن يتكلم عن الدين والعبادة، فإذا قال لأحدهم أننا مخلوقون للعبادة والابتلاء، فكيف يتدخل هذا الدين في حياتنا وفي استمتاعنا بطفولتنا وشبابنا وأوقاتنا وأموالنا وطعامنا وشهواتنا ونعم الله علينا. {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِين (6)} هود، وهو يعلم سرهم وعلانيتهم، ويتدخل حتى في عدد أنفاسهم ودقات قلوبهم، ولو شاء لجعلهم أمة واحدة ولكن خلقهم ليكونوا مختلفين، {وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُون َ(123)}. نوح عليه السلام: الآيات (25-48): نوح هو أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض بعد أن كفروا، وقد بعثه الله تعالى بعد أن آل الحال ببني آدم إلى عبادة الأصنام والطواغيت، وانتشر الفساد في الأرض. كالعادة وكما هو عليه حال كل الأمم، وقال لهم أما لكم عقل تميزون به مصدر الخير والرزق. ألا تفهمون أني أدعوكم إلى الحق المبين الذي تشهد به فطرتكم التي خلقتم عليها. وكانت النتيجة أن نجى الله تعالى هود ومن أمن معه وأهلك الكافرين بريح صرصر عاتية. فآمنت طائفة منهم وكفر جمهورهم، وهموا بقتل نبيهم، وقتلوا الناقة التي جعلها الله حجة عليهم، وقال ابن كثير في قصص الأنبياء: وكثيراً ما يقرن الله في كتابه بين ذكر عاد وثمود كما في سورة: براءة، وص، وق، والنجم، والفجر. لوط عليه السلام: الآيات (77-83): قوم لوط: وهم أفجر الناس وأكفرهم وأسوأهم، فلم تتطرق السورة في قصتهم لموضوع العبادة، لأن بينهم، والله أعلم، وبين العبادة مشوار طويل، ابعد ما قال لهم نبيهم أن يتقوا الله ويطيعوه وهو يأمرهم بالطهر وينهاهم عن المنكر. إذ ليس فيهم رجل واحد رشيد ينهاهم. فأمطر الله عليهم حجارة من سجيل منضود وجعل الله عليها سافلها. فهو حليم لا يحب المعاجلة في العقاب. مدين عليه السلام: الآيات (84-95) قوم مدين: وقد تراكمت عندهم المعاصي، وكأن كل أمة تتعلم وتكرر معاصي من سبقهم وتضيف عليها. وسعة عيش. وحين دعاهم نبيهم أن {اعبدوا الله مالكم من إله غيره}، وأنه هو مصدر الخير الذي هم فيه، تكبروا على نبيهم وعلى من آمن من الضعفاء كما حصل مع قوم نوح، وكذلك تمسكوا بعبادة آبائهم بما فاق ما فعله قوم صالح، فقوم صالح كانت تساورهم الشكوك في صدق دعوته، أما قوم شعيب فاعتبروا دعوته لهم لترك عبادة آبائهم ضرب من اللامفهوم واللامعقول، وقد كانوا يقطعون السبيل ويخيفون المارة، ويطففون فيهما، عبدوا المال كما عبد من قبلهم قوم لوط شهواتهم. وقد آمن بعضهم وكفر أكثرهم حتى أحل الله بهم البأس الشديد، وابراهيم، والإسراء، والكهف، ومريم، والفرقان، والشعراء، والنمل، والقصص، وفصلت، وغافر، والدخان، والذاريات، والنجم، والنازعات، والبروج، والأعلى، والفجر. وهي تعطي فكرة كاملة عن قصة الابتلاء والإمهال، فهي لم يتوقف فيها نزول الآيات والمعجزات على فرعون وبني إسرائيل والتي أهمها معجزة العصا واليد البيضاء، ولم تتوقف فيها الابتلاءات من تعذيب فرعون لبني إسرائيل إلى تسليط الجراد والقُمّل والضفادع والدم على فرعون وقومه، واستغاثتهم بموسى، وعودتهم لتعذيب بني إسرائيل، إلى انجاء بني اسرائيل والإنعام عليهم ومقابلتهم هذه النعم بالمماطلة والجحود وعبادة العجل وغيره. وفيه إشارة إلى الاهلاك بعد التكذيب. فهي بعد القصص التي سبقتها فيها عبرة بينة لمن أراد أن يعتبر عن مصير من يعبد غير الله، ويتبع الآلهة من دونه، كما اتبع فرعون قومه، فهذه القصة بينت الهلاك والعذاب الذي عجل في الدنيا بإغراق آل فرعون في البحر واللعنة التي حلت ببني إسرائيل في الدنيا، يتبعها لعنة أخرى يوم القيامة بإدخالهم النار، {وإن كلاً لما يوفينهم ربك أعمالهم إنه بما يعملون خبيرِ}. في قصة إبراهيم ولوط عليهما السلام لم تتحدث عن الوحي ولا عن تعامل الناس معه لأنهم مشغولين بمرضهم (مجتمع مريض يجب شفائه)، بل بدأت بالحديث عن رعايته لرسله، وتركت المعاصي أيضاً فهم مرضى (معطلة أسماعهم وأبصارهم)، ثم انتقلت إلى تسلية الرسل في مواجهة أمراض أقوامهم، أما في قصة موسى عليه السلام فقد تحدثت عن الوحي وعن تعامل الناس معه، ولم تتحدث عن فعل الله فيهم بالرزق والآيات ليتعظوا فيؤمنوا، ولا عن مواساة رسوله، 011. 8.0- تناسب السّور من الأعراف إلى الكهف في الربع الثاني من القرآن 011. 8.1- وهكذا بعد أن برهنت سورة يونس أن الوحيّ (الملائكة والكتب والرسل) على حق، جاءت سورة هود لتؤكّد أن ما جاء به الوحي هو أيضاً حق، وموعظة، وذكرى، ومن هذا الحق الذي جاء به الوحي أن الله سبحانه أمرهم (في ختام السورة) أمراً جازما، بالاستقامة والالتزام بأوامره وعدم تجاوز حدوده، فمالهم من دونه من ناصر ينصرهم ويتولى أمورهم. وقرر سبحانه بأنه ليوفي كل الخلائق جزاء أعمالهم، فقد أمرهم بإقامة الصلاة والصبر على الطاعة والإصلاح والنهي عن الفساد، لا خيار لهم، فقد خلقهم للصلاة والعبادة والإصلاح، ولو شاء لجعلهم جماعة واحدة على دين واحد، ولكنه لم يشأ ذلك، بل اقتضت حكمته أن يكونوا مختلفين في أديانهم، وكل ميسر لما خلق له. وقد وعد في قضائه وقدره بأنه سيملأ جهنم من الجن والناس الذين اتبعوا إبليس وجنده، ولم يهتدوا للإيمان. وقد بين سبحانه في يونس كما قال ابن الزبير: {إن ربكم الله (3)} الآيات، فكيف تعترض أفعاله أو يطلع البشر على وجه الحكمة في كل ما يفعله ويبديه، وقد شاءت قدرته أن يبتلي الناس بعبادته وحده لا شريك له، وباتباع دينه، وبغيرها من الابتلاءات التي لا تحصى. وستأتي سورة يوسف لتبين كيف يبتلي الله عباده بأشياء كثيرة، ويمتحنهم في أعز ما يملكون من فقد الأولاد والأنفس والتعرض للظلم وغيره. هذه الحقيقة التي إذا أدركها الإنسان وفهمها وعقل الحكمة من ورائها، أعانته على الصبر، وكيف لا يصبر من هو في دار امتحان وابتلاء، وقد تبين له أن النتيجة على صبره، والثمرة المنتظرة هي الجزاء العظيم والفوز الكبير بالجنة والنعيم المقيم. لقد بينت سورة يونس بأن سبب عدم تصديق الناس للوحي هو انشغالهم بالنعمة عن التفكر في الآخرة. فالإنسان عند البلاء غير صابر {وَإِذَا مَسَّ الْأِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً (12)}، ثم ينعم عليهم ليشكروا، لكن الإنسان عند النعمة والرجاء غير شاكر {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ (12)} وفعل الإنسان العجيب هذا سببه هو الجهل والغرور والفرح بزينة الحياة الدنيا {كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُون َ (12)}، بعد الابتلاء في الكفر والمكر {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ (21)} يونس.