د - مرحلة التفاعل: وعادة ما لا تتضح المشكلة تمام الوضوح في هذه المرحلة المبكرة من العملية الإرشادية لأن المقاومات عند بعض أفراد النسق لازالت عامة وفاعلة، وسواء اتفق أفراد الأسرة على تحديد طبيعة المشكلة أم لم يتفقوا، Interaction Stage وفي خلال المرحلتين السابقتين (مرحلة الالتحاق Joining Stage ومرحلة تحديد المشكلة Problem Statement Stage كان المرشد يحافظ أو يبقى على مركزيته وتركيزه على الشبكة الاتصالية، ويمنع المقاطعات، وتميل هذه الإجراءات إلى تخفيض التوتر في الأسرة من ناحية وتوافر النظام والاتصال الواضح نسبياً من ناحية أخرى، فإن هدف هذه المرحلة (التفاعل) هو توضيح أنماط التفاعل التي أبقت على المشكلة. وأن يتفاعلوا بحرية وتلقائية في وجود المرشد أو بتعبير منوشن (Minuchin )1974 " أن "يرقصوا في حضوره وهذا الاستعراض أو الرقص يمكن أن يحدث على نحو سهل وطبيعي إذا كان أفراد الأسرة غير متفقين على طبيعة المشكلة التي تواجهها الأسرة، حيث كان يقوم بدور المنسق لكل الاتصالات. وعليه في هذه الحال أن يحول كل الاتصالات التي توجه له من أعضاء الأسرة مرة أخرى إلى أفراد الأسرة الآخرين والمرشد لا يترك الأمور تتفاعل بعيداً عنه ولكن دوره فقط في هذه المرحلة يكون أنسب عندما يمارس في حدود التوجيه والتدخل حين الحاجة، أما إذا اتفق أعضاء الأسرة حول طبيعة المشكلة التي أحضرتهم إلى الإرشاد أو العلاج النفسي فإن المرشد يطلب منهم أن يمثلوا الموقف المؤدى إلى المشكلة، ماذا يحدث؟ وما موقف كل فرد في الأسرة من ذلك ويرى مرشدو الأسرة أنه من المفيد أن تجعل الأسرة تؤدي أو تفعل شيئاً عملياً خاصاً بالمشكلة بدلاً من الحديث عنها فقط، وبناء هذه النماذج من السلوك خطوة هامة ومفيدة. وبعض المرشدين لديهم نماذج من مواقف تفاعلية سوية معدة مسبقاً وتناسب مواقف أسرية شائعة، يمكن أن يدرب عليها الأسرة المنغلقة. ومن الممارسات التي يتحمس لها بعض المرشدين الأسريين خاصة عندما يعملون مع أسرة بها أطفال صغار، وإذا نجح هذا الأسلوب فإنه يمثل فرصة أمام المرشد ليرى بعينه كيف تتفاعل الأسرة، ويستطيع حينئذ أن يصحح ما يراه مؤدياً إلى المشكلات وأن يبرر هذا التصحيح للأسرة جيداً وأن يدربهم على السلوك المصحح وحتى بروا نتائج التفاعل الجديد ويقتنعوا به مما ييسر التمسك بما تعلموه من أنماط جديدة. والذي يبقى على سلوك المشكلة، وعندما يحصل المرشد على هذه المعلومات فإنه يكون في وضع يسمح له بتنمية التدخلات التي تؤدي إلى تغيير مفيد. ولكي يحقق المرشد أهداف هذه المرحلة فإنه يضع القواعد الأساسية للعمل الإرشادي وأن يشرحها لأعضاء الأسرة جيداً لأنها سيتعاملون على أساسها، وفي مقدمتها أن الأسرة جاءت إلى الإرشاد أو العلاج النفسي لأنها هي تحتاج إلى ذلك، وأن المرشد لم يحضر الأسرة ليقوم بذلك العمل الساذج والتقليدى وهو علاج الفرد في وجود أسرته، وإنما هو يتعامل مع أسرة تحتاج الإرشاد أو العلاج بما فيها العضو الذي تميل الأسرة إلى اعتباره المريض فكثيراً ما يحدث أن يتصل أحد أعضاء الأسرة بالمرشد تليفونياً أو في نهاية الجلسة بعد أن تنتهى ليسر إليه ببعض المعلومات عن الأعضاء الآخرين على أساس أنه لا يستطيع أن يقول ذلك أمام بقية الأعضاء والقاعدة التي ينبغى أن يرسيها المرشد هنا هي أنه يأمل أن يصبح كل فرد، بما في ذلك المرشد نفسه، قادراً على قول ما يرغب فيه أمام الآخرين في الجلسة على أساس أن كل ما يشارك فيه العضو أعضاء الأسرة الآخرين ملك للأسرة، وأن المرشد غير مستعد لأن يدخل في لعبة إخفاء المعلومات عن البعض أو يشارك في التحالفات التي قد تكون قائمة في الأسرة بل أنه من المناسب ومن الأفضل للمرشد والعملية التفاعل أن يظل المرشد في بعض المواقف في الظل، وأن يتصرف مثلهم ببساطة وأن يتحدث بعفوية وتلقائية. ولا ينبغى أن يمنع الالتزام بآداب المهنة، وقواعد الممارسة الفنية والخلقية من أن يسلك المرشد بهذه العفوية حتى يدلف إلى داخل النسق الأسري ويصبح واحداً من مفرداته. ومن قواعد العمل في المرحلة التفاعلية أيضاً أن يقوم المرشد بتأسيس وترسيخ علاقات لها معانيها ودلالتها - وليست علاقات جوفاء مصطنعة - مع كل فرد من أفراد الأسرة وبطريقة ملائمة ومناسبة لسنه وجنسه. حتى يستطيع أن يشعر بعد ذلك ولو بطريقة ما بأنه يمكن أن يستفيد شخصياً بشيء ما من العملية الإرشادية، وعليه أن يبذل الكثير من الجهد وأن يظهر الكثير من المهارة حتى يتمكن من إقامة هذا الاندماج لأنه بموجب هذا التكوين الجديد يستطيع المرشد أن يصل إلى اتفاق فعال وعامل مع الأسرة، تبدأ الأسرة - كما قلنا - تفاعلاً مع المرشد بتقديم كبش فدائها، وهو العضو الذي حددته كمريض. فالأسرة تشعر أن مشكلاتها تنتهى إذا ما استبعد العضو المريض منها أو تغير هو بمفرده. بطريقة سحرية، أما المرشد فإنه ينظر إلى الأعراض المرضية عند العضو المريض بوصفها دعوة لتوجيه الاهتمام نحو مناطق أساسية للاختلال الوظيفي في العلاقات الأسرية الداخلية، حتى وإن اندمجا في نسق واحد فإن التعارض سيحدث بين النسقين الفرعيين في داخل النسق الأكبر. وبذلك يفقد هو والأسرة أية نتائج إيجابية للعملية الإرشادية وتكون العملية قد انتهت والخيار الثاني: أن يصر على تغيير النسق الأسري في هذا الوقت المبكر من الإرشاد، وبذلك قد تهرب الأسرة ولا تعود المقابلات مرة أخرى، وتكون العملية الإرشادية قد انتهت أيضاً. وعليه أن يسلك الطريق الموسط بين هذين الخيارين فلا يساير الأسرة ولا يصدمها بشدة في وقت مبكر لم يكتمل فيه وعيها بأهمية الارشاد الأسري وقيمته. ولكن عدم مسايرة الأسرة لا يعنى تجاهل بعض المشكلات السلوكية القائمة والملحة لأحد أفراد الأسرة، فإذا كان أحد الأبناء متورطاً في مشكلة سلوكية كالسرقة أو غيرها فإن المرشد لا يستطيع أن يتجاهل هذا السلوك الجانح لأحد أفراد الأسرة الذي يؤثر على النسق الأسري كله وعلى مكانته في البيئة، ولابد في هذه الحال من مساعدة خاصة للأسرة المواجهة المشكلة. ومن المتوقع أن موقف المرشد من الأسرة ومن العضو المحدد كمريض - والمستخدم ككبش فداء عادة - من شأنه أن يرفع معنويات هذا العضو ويشعره بالارتياح والثقة ويزيل عنه الكثير من مشاعر الدونية والضعة التي يعانيها من جراء معاملة الأسرة، وأن يكون واعياً بدرجة كافية لأن العضو - كبش الغداء - قد يستمرأ هذا الوضع ويستمر في لعب دور كبش الغداء برغبته هذه المرة ما دام يحقق له مكانة ومكاسب في الأسرة، وهو تحالف في صالح العملية الإرشادية فالنسق الأسري الآن بدأ يتعرض للتغير. فالعضو المحدد كمريض والذي كان له مكانة دنيا في نسق القوة داخل الأسرة ارتفعت مكانته وشعر بالقوة والثقة بفضل معاملة المرشد، والمفهوم الجديد المشكلة الأسرة بأنها ليست ناتجة من سلوك هذا العضو بقدر ما هي نتيجة تفاعلات الأسرة الخاطئة، هي أن هذا العضو هو منفذ المرشد للولوج إلى داخل النسق الأسرى، وليصبح كما قلنا أحد مفرداته في مقابل هذه المكانة التي أتاحها له المرشد.