‎الحياة الفكرية للعرب قبل الإسلام‎مارس عرب الجاهلية ألواناً شتى من الأدب، فقد عرفوا على وجه السر بالبلاغة والفصاحة، وقد حفظت لنا المصادر الأدبية القديمة كطبقات ابن سعد وعبد الله بن. طائفة كبيرة من ألوان الأدب التي مارسها العرب أبرز شعراء قريش في العصر الجاهلي الزبير بن عبد المطلب الإسلام ومنها الخطابة والوصايا والأمثال والشعر، فعلى سبيل المثال، كان وهبيرة بن أبي وهب المخزومي وغيرهم ) من شعراء القبائل التي سكنت حوا كذلك أمدتنا المصادر السابقة بعدد غير قليل من الأمثال التي شاعت بين عربي . الجاهلية وهي تعطي لنا فكرة جيدة عن المستوى الأدبي الذي بلغته حواضر الحجر في العصر الجاهلي، ومنها "عند جهينة الخبر اليقين"، "ما حيلة الرامي إذا انقطع الوتر"، "غدرك من ذلك على الإساءة"، كما كثرت الحكم والوصايا عندهم، واشتهر كثير من الحكماء، وتناقل العرب على ألسنتهم ما ذكروه من وصايا وتعاليم للإفادة منها في حياتهم، وقد ذكر لنا الجاحظ عدداً من القدماء تميزوا بالبيان والخطابة والحكمة مثل لقمان بن عاد لؤي بن غالب، وقصي بن كلاب، وأكثم بن صيفي، وآخرين" وتمتلئ كتب الأدب والشعر الجاهلي بما دار على لسان لقمان وغيره من حكماء الجاهلية من حكم ووصايا مثال ذلك قول أكثم بن صيفي " مقتل الرجل بين فكيه" وقول‎عامر بن الظرب " رب زارع لنفسه حاصد لسواه" (1) ‎وقوله طرفه في معلقته‎وفي معلقة زهير طائفة كبيرة من هذه الحكم منها قوله: وما تنقص الأيام والدهر ينفد‎. ومن لا يصانع في أمور كثيرة ومن لا يذذ عن حوضه كثيرا عند الحياة والموت،‎من الحكم صاغوها . ومعايشهم مما يدل على تجربتهم الواقعية‎عالم أسواق العرب :‎كان للعرب قبل الإسلام أسواق عامة شهيرة يجتمعون فيها للتجارة وتبادل كان ومكة ، ومن أهم هذه الأسواق "سوق عكاظ" الواقع بين الطائف أول ذي العقدة ويستمر لمدة تزيد على أسبوعين (1) ، وقد اتسع الجميع قبائل العرب، فكل قبيلة كان لها موقعاً معيناً ومكاناً خاصاً في السوق، وكان الإشراف على السوق لبني تميم، ويساعدهم أشخاص من قبائل أخرى كانت تقوم على جمع السلاح من الواردين على السوق وإبقائها عندهم لنهاية السوق إمعاناً في إشاعة الأمان والاطمئنان، ومن أبرز رؤساء سوق عكاظ " الثري‎وجدير بالذكر أن عكاظ لم يكن سوقاً للتجارة فقط،‎لاستعراض مواهب العرب في الخطابة والشعر، أي بمثابة منتدى أدبي، وفداء الأسرى ودفع الديات، بل وعقد الزيجات، فكان كما سبق القول منتدى عام يضم ويحوي كل مظاهر النشاط الإنساني العرب الجزيرة فكريا‎وكان النشاط الأبرز والأكثر شهرة هو ميدان الفكر والثقافة حيث وفد على السوق الكثير من الشعراء والخطباء العرب من أنحاء شبه الجزيرة للتباري في إلقاء‎القصائد والخطب. وجدت أسواق أخرى أقل‎أهمية وشهرة، وسوق خيبر وسوق دومة الجندل، وسوق صنعاء،‎وقتاً محدداً تقام فيه ) .‎معارف العرب وعلومهم‎اتصل عرب شبه الجزيرة العربية لاسيما الشماليون منهم بالحضارات . المجاورة في مصر وبلاد الشام وفارس وبلاد الروم، مما نتج عنه تأثيرات متعددة تأثروا بها، حيث دخلت النصرانية واليهودية بلاد العرب وخاصة الحجاز والدين كذلك تأثروا إلى حد ما بفنون الحرب الشائعة عند الروم والفرس، وعرفوا بعد من أخبارهم وتواريخهم إلى جانب ذلك سادت بعض المعارف والعلوم برعرب شبه الجزيرة من بينها: - الأنساب، فكان عرب الجاهلية على علم تام بالأنساب والأيام يحفظونها عن ظهر قلب، حرصاً على عدم انتساب فرد لغير قبيلته وقومه، وهذا ينبع من اعتزازهم بالعصبية والعشيرة، وميلهم إلى الفخر بأنسابهم، ود عقل بن حنطلة الشيباني، كما كان سيدنا ابربكر الصديق له من أشهر نسابي العرب. ٢- النجامة (المعرفة بالفلك والنجوم وجاء تمكنهم في ذلك الجانب من وراء مخالطتهم للشعوب والأمم المجاورة فحصلوا في علوم الفلك والنجوم على معلوماتهم الأولية التي تعتمد على التجربة والمخالطة، فعرفوا النجوم ومواقعها والرياح والأنواء ومواقيتها، فتوصلوا المعرفة أوقات الربح والمطر، وأوقات الخصب والجدب، ولعل اختلاطهم بالكلدانيين في الشمال جعلهم يستمدون معارفهم منهم في علوم النجوم، فعرفوا مواقع الأبراج ومنازل الشمس والقمر، وأسماء الكواكب والبروج، وبنو حارثة بن كلب (1) - القيافة : وهي فرعان قيافة الأثر، وقيافة البشر . أما الأول فمعناه: الاهتداء بآثار الأقدام في الرمال على أصحابها ومرد فعالها، بهدف الاهتداء إلى من يفر من الأفراد، أو يضل الطريق من الحيوان. وكان بعض العرب قد تفوقوا في هذا المضمار حتى كانوا يفرقون بين آثار الأقدام للرجل والمرأة، الشباب والشيوخ الأعمى والبصير. أما قيافة البشر فهي الاستدلال بهيئة الإنسان وصفة أعضائه على نسبه. وكان من قائفي العرب بنو مدلج من كنانة، وبنو لهب من الأزد كماكان عمر بن الخطاب له قائفاً فطنا في الجاهلية- الكهانة والعرافة: أي مطالعة الغيب، والإخبار بالمستقبل ، وجرى العرب على التفرقة بين الكاهن والعراف، فالأول يختص باستطلاع المستقبل، أما العراف فيختص بالماضي والكشف عما كان به من أمور وأحوال، وكانوا يعتقدون بأن لكل منهما خادماً من الجن يأتيه بالأخبار، ولذا اشتد إيمانهم بهما فكانوا يلجأون إليهم في الشدائد والخطوب يستطلعون رأيهما، فهما لدى العرب أعلم الناس بالفلسفة والطب والدين، لإضفاء هالة من القدسية حول كلامهم، وحتى يحتمل الكلام تأويلات كثيرة، قصة عرافة خيبر التي لجات إليها قريش لأخذ رأيها في مسألة عبد الله بن عبد المطلب وقصة قدانه، عندما هم والده بذبحه، بعد الاقتراع بالسهام على أولاده عند "قبل" في جوف الكعبة - وفاء بنذره الذي نذره للآلهة عندما عزم على حفر بئر زمزم، فلما عُرض الأمر على العرافة أشارت بأن يضربوا القداح على الإبل وعلى عبد الله : فإن خرج القدح على عبد الله يزيدوا الإبل (الدية) عشرا في كل مرة حتىيرضى (الرب)، فنحر عبد المطلب الإبل وأطعم بها سائر مكة حتى طرح ما تبقى منها على الطير والوحش فأكلوا منها، لينجو عبد الله من الذبحبفضل مشورة تلك الكاهنة الحصيفة وقد عرف العرب مجموعة شهيرة من الكهان والعرافين منهم شيق إنمار، وسطيح والأبلق السعدي (عراف نجد)، ورياح بن عجلة (عراف اليمامة)، وهناك أيضا سلمى الهمدانية، وسليمي الحميرية، وعفيراء من حمير أيضا، واشتهر بها بنو أسد وبنو لهب، وكانت محل تفاؤلهم وتشاؤمهم، فإذا طارت يمينا تفاءلوا، وإن جرت يسارا تشاءموا، كذلك كان عندهم الطرق بالحصى أي ضربها ببعضها للكشف عن الغيب، وإن كان هذا الأمر محل اعتراض بعض عقلاء العرب فلم يعبأوا به مثلولا زاجرات الطير ما الله صانع الفراسة وهي الاستدلال بالأمور الظاهرة على الأمور الخفية، مثل الاستدلال بشكل الإنسان وهيئته وكلامه وصفاته الجسدية الظاهرة على مناقبه ورذائله فكانوا يستدلون بضيق العين على الشح (البخل) وباتساع الجبهة على الذكار وبعرض القفا على الغباء . والاستدلال على وجوده منرائحة النبات الموجود بالأرض، التاريخ وقصص الحروب (أيام العرب) كان الأحبار اليهود وقساوسة ورهبان النصارى الذين عاشوا بين ظهراني العرب في شبه الجزيرة دورا فعالا في معرفة العرب بالتاريخ فقد حدثوهم وروا لهم الكثير من القصص التاريخي الوارد في التوراة والإنجيل والكثير من الأخبار عن اليهود والنصارى من أبناء الشعوب والدول المجاورة،الحيرة وملوك المناذرة. وبالإضافة إلى ذلك كان للعرب قصص خاصة بهم تروي وقائعهموحروبهم، وكتب الأدب والمصادر التاريخية مليئة بهذه القصص أو ما يطلق عليها أيام العرب، كما كانت هذه الأيام أحياناً تسمى بأسماء السبب في نشوبها واشتعالها كحرب داحس والغبراء وحرب البسوس وهما من أشهر حروب العرب وأطولها زمن1)، ونوجزهمافيما يلي:حرب داحس والغبراء وكانت في بدايات العصر الجاهلي، وهي من أيام العدنانية المشهورة وسبب نشوبها كان سياقاً على رهان بين الفرسين (داحس - الغبراء) فعرف اليوم بهما، وكان قد أجرى السباق سيدا عبس وذبيان وهما: قيس بن زهير العبسي، وأوشك داحس على الفوز، ولكن رجلا من ذبيان اعترضه بناء على أمر من حذيفة ونقره، فابتعد عن طريق السباق، لتفوز به الغيراء، ليصطدم الفريقان وتندلع الحرب وتظل لسنوات طويلة، حتى . كاد الحيان أن يهلكا، فتدخل اثنين من حكماء ذبيان لوقف الحرب وهما "هرم بن سنان والحارث بن عوف بن حارثة المري" وتحملا ديات القتلى لتضع الحرب وتميم وأسد اللتان حالفتا ذبيان (1) . أوزارها بين الحيين ومن انضم إليهما من الحلفاء مثل عامر التي حالفت عبس اما حرب البسوس : فقد الالات الان ليل وتقلب في أخريات القرن الخامس الميلادي، وكان السبب اعتاب مكان الصابر علا الة الي حالة جساس بن مرة سيد بكر، حيث رماها بسم الاب وضعها فاختلط لبنها بدمها، وتعددت أيامها مثل يوم عنيزة، ويوم واردات، وغيرها حتى انهكت هذه الحروب الفريقين، فلجا إلى الحارس بن عمرو الكندي الذي أصلح بينهما، نمت في العصور الإسلامية الكثير من الأساطير الشعبية حول أبطال هذه الحروب ومنهم عنترة بطل حرب داحس والخبراء،البسوس". الطب: استمد العرب معارفهم الطبية من التجربة الواقعية طبقا لما أورده ابن خلدون (1) حيث يقول "وللبادية من أهل العمران طب" يبنونه في غالب الأمر على تجربة قاصرة على بعض الأشخاص، متوارثاً عن مشايخ الحي وعجائزه، وربما يصح منه البعض إلا أنه ليس على قانون طبيعي، ولا على موافقة المزاج وكان عند .وغيره، كذلك عرف العرب التداوي بالعسل وخلاصات بعض النباتات، ونقيع . بعض الأعشاب، علاوة على الرقي والتمائم التي يتلونها لأصنامهم لتقيهم شرورالجان كذلك عرف العرب الطب الوقائي ويظهر ذلك في حكمهم الطبية "المعدةبيت الداء والحمية رأس الدواء" وقولهم " آخر الدواء الكي"، والذي كان يستخدمونه في الطب الجراحي حيث كانت النار عندهم من عوامل التعقيم والتداوي ومقاومة مضادات الفساد للجراح، كما كانوا يمنعون الجريح من شرب الماء خشية هلاكه. ولعل فيما سبق من تجارب العرب الطبية ما يتفق والطب الحديث مثل تعقيم الشفار (أدوات الجراحة بالنار، ومنع الملدوغ من النوم حتى لا يسري السم في سائر بدنه.ونلاحظ من الاطلاع على معاجم اللغة ورود أسماء الكثير من الأمراض : والعقاقير وأسماء أعضاء الإنسان والحيوان وصفاتهما التشريحية، مما يشير إلى أنهم كانوا على معرفة طيبة بتشريح الجسم وصفاته وأنواع بعض الأمراض وكيفيةعلاجها. أما عن أشهر أطبائهم ففي " مصور القديمة كان الكهنة والعرافين هم الذين يقومون بالتطبيب، ثم قام إلى جانبهم جماعة بعد ذلك تخصصوا في الطب وصار حرفتهم، ولعل ذلك يرجع إلى مخالطتهم الفرس والروم في القرن السادس الميلادي، ومنهم الحارث بن كلذة الثقفي (ت) عام (۱۳هـ)، وهو من الطائف ورحل لفارس حيث حذق الطب من علماء الفرس، ورجع بعد ذلك إلى موطنه، وصارت له شهرة واسعة،