إنّ الطريق الذي نقطعه من أجل تحويل الحسين قيمة انسانية واسعة ومشتركا كونيّا جامعا أقصر بكثير وأيسر من طريق نقطعه من أجل تحويله عليه السّلام مُشتركا اسلاميّا يلتفّ حوله المسلمون رغما عن كلّ أطيافهم ومذاهبهم. السّبب بسيط: شكّل الحسين بكربلاء محطّة فرز قاسية. نشأ مُسلمون على تشبّث قياسي به وبرمزيّته ونشأ مُسلمون آخرون على جهل به وشهادته والبعض نشأ على تنصّل بواح منه ومن شهادته. لم يكن فرز حجّة وحقّ بقدر ما كان فرزا يستدعي الغرائز والمصالح والجغرافيا ويوقظ العصبيّات. مع الزّمن كبُرت الهوّة وتجذّر التناقض. المرء لا يفسّره دائما الحقّ ولا يكترث ضرورة للحقيقة. لماذا أعتبر، لحسابي الخاصّ، الحسين قيمة مقدّسة وأربطه برمزية ومعنويّة عاليتين؟ هل أعتمد قول الشيعة فيه وهل أستشير سنّة في أمره؟ لا، اطلاقا. لأنّه لا يعنيني، مطلقا وتفصيلا، أن أُنسب أو أنتسب الى جماعة بموقف من الحسين وشهادته. أقرأ، أطّلع قدر الإمكان، أتأمّل، أتفكّر وأستفتي قلبي. أن اميل بالموقف من شيعة وأبتعد عن سنّة آخر اهتمام وآبعد همّ. تلك اللّحظة التي يستفتي المرء فيها قلبه وحيدا ولحسابه الخاصّ ويُحاور فيها نفسه ويسأل من الله بصيرة وتوفيقا، تلك اللّحظة غابت تماما أو تكاد من قاموس الدّين والتديّن وهي التي صنعت بداية رجال الإسلام الأوّلين. تلك لحظة حرّية واختيار ذاتيّ ولا يستقيم البناء العقدي من دونها. أمد الأديان والمذاهب وأقصد الزمن الذي تنفقه لتتركّب وتتشكّل كما نراها اليوم، أمد الأديان غير لحظة الإيمان المطمئنّ. ايمان بلا حساب ولا انتماء ولا تعقيد ولا فهلوة، ايمان سكون بعيد عن كلّ صخب، ايمان وجه الله. تجد من هذه اللّحظة في مجتمعات غربيّة بعيدة نخالها مغتربة مدجّنة ولا تجدها داخل مجتمعات مسلمين الا قليلا. هذه مجتمعات نخرها التديّن الأمدي وفارقتها اللّحظة وسرّها وبركتها. الأمديّة تعني الإنتمائية وهي باب العصبية. لهذا يسأل السنّي نفسه في كثير من الأحيان: كيف أقول في الحسين قولا يقوله الشيعيّ فيه؟ اذا قلته ألا أنصر شيعة على سنّة؟ والله أحبّذ أن أكون سكّيرا في حانة معنرفا لأهل الفضل بفضلهم وأهل السّبق بسبقهم على أن أكون عابدا بمسجد أُعرض وأنكر وأشكّ وأشكّك اذا ذُكر الحسين وتُحدّث في شهادته. وما الله الذي أعبده غير موقف صدق بسياق تمحيص. كثيرون ببلاد الغرب خرجوا من الحانات والتحقوا بالساحات انتصارا لغزّة ونصرا لها وكان منهم من الحقّ ما لم يكن من روّاد المساجد. ما أشبه الليلة بالبارحة. لهذا أرى انّ ذبذبة الحسين كما ذبذبة غزّة هي ذبذبة الفطرة لا ذبذبة الدّين. في البداية فقط يكون الدين ذبذبة فطرة. بعد ذلك يخلف من بعدهم خلف يضيعون ويُضيّعون. على كلّ مؤتمن على ارث الحسين العظيم ولا أحسب نفسي منهم، عليهم إدراك هذا الأمر وإعادة تركيب الجهد على الفطرة وليس الله الّا ذلك الفاطر على الفطرة.