ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ - صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- حقَّ التَّقْوَى؛ واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. وَاِعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْي هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-، عِبَادَ الله: إِنَّ حُسْنَ الْعِلَاقَةِ بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ، أَنْ يَبْذُلَ الْغَايَةَ مِنْ أَجْلِ نَيْلِ رِضَا اللهِ، وَبَصَرهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ ، فَلَا يَنْظُر إِلَّا إِلَى مَا يُرْضِي الله، وَلَا يَمْشِي إِلَّا إِلَى مَا يُرْضِي الله، قَالَ -تَعَالَى-: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الأنعام: 162]. وَيُعْطِي العَبْدَ عَلَى نِيَّتِهِ، مَا فِيهِ صَلَاحُ دِينِهِ وَدُنْيَاه، فَيَعِيشُ عَلَى الْأَمَانِي وَالْأَحْلَامِ، وَهَذَا عَمَلٌ يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْوَاذِ الشَّيْطَانِ، حَيْثُ أَغْرَقَهُ بِالْأَمَانِي، وَمِنْ ذَلِكَ: قَوْلُ النبي -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: "لينظُرَنَّ أحدُكم ما الَّذي يتمنَّى؛ فإنَّه لا يَدْري ما يُكْتَبُ له مِن أُمْنِيَّتِه"(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ). وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: "إذا تمنَّى أحدُكم فليُكثرْ؛ فإنما يسألُ ربَّهُ"(أَخْرَجَهُ ابْنُ حَبَّانَ بِسَنَدٍ صَحِيْحٍ). وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: "إذا تمنَّى أحدُكُم فلينظرْ ما يتمنَّى؛ فإنَّهُ لا يدري ما يُكْتَبُ لَهُ مِن أمنيَّتِهِ"(أَخْرَجَهُ أَحْمَد بِسَنَدٍ حَسَنٍ). وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: "إنَّما يُبعَثُ النَّاسُ علَى نيَّاتِهِم"(أخرجه ابن ماجة وأحمد بسند صحيح). وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: "إنَّما الدُّنْيا لأَرْبَعَةِ نَفَرٍ؛ فَهُوَ صادِقُ النِّيَّةِ، يَقُولُ: لَوْ أنَّ لِي مَالاً لَعَمِلْتُ فيه بعمل فلان". وَسَاهَمَ فِي عِلَاجِ المَرْضَى، وَفَعَلَ مِنْ أَفْعَالِ البِرِّ مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا الله، فَلَوْ كَانَتْ عَشَرَاتُ المِلْيَارَاتِ؛ إِذَا رَأَى الرَّجُلَ، وَإِشْبَاعِ الشَّهَوَاتِ المُحَرَّمَةِ، كَمَا نَصَّ الحَدِيْثُ. أَثِمَ بِذَلِكَ؛ لِقَوْلِهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: "إذَا التَقَى المُسْلِمَانِ بسَيْفَيْهِما فَالقَاتِلُ والمَقْتُولُ في النَّارِ"؛ هذا القَاتِلُ، وَهَذَا نَصٌ صَرِيْحٌ؛ لِأَنَّ الْنِيَّة الْسَّيِئَةَ إِذَا عَجِزَ عَنْهَا المَخْلُوق يَأْثَمُ عَلَيْهَا. وإنَّما لِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى، فمَن كانَتْ هِجْرَتُهُ إلى دُنْيا يُصِيبُها، أوْ إلى امْرَأَةٍ يَنْكِحُها، فَهِجْرَتُهُ إلى ما هاجَرَ إلَيْهِ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ). أَوْ ثَوَاب الأَمَانِي مِنَ الْمُبَشِّرَاتِ، فَعَلَى المُسْلِمِ أَنْ يَغْتَنِمُهَا، وَغَيْره بِسَنَدٍ حَسَنٍ لِغَيْرِهِ). وَلَيْسَ المَقْصُود أَنَّهَا الأَفْضَلُ. فَإِنَّ الله لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ، وَإِنَّكَ فِيْ رِحَابِ الجُوْدِ تَنْعَمُ، وَرَبُّكَ صَاحِبُ الخَيْرِ الوَفِيرِ. كلُّ الأماني على الرزاق هينةٌ *** فارفع يديك فإن الواهبَ اللهُ وَإِنَّمَا يَكُوْنُ بِالإِيْمَانِ، وَهَذَا لَا يُعَارِضُ ثَوَاب الْمُؤْمِنِ عَلَى نِيَّتِهِ الْحَسَنَةِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: "ومَن هَمَّ بسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْها، فَهَذَا بِحَقِّ العَبْدِ، الَّذِيْ حَالَ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ عَمَلِهَا خَوْفُهُ مِنَ اللهِ، وَدَلِيْلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: "وإنْ تَرَكَها فاكْتُبُوها له حَسَنَةً، إنَّما تَرَكَها مِن جَرَّايَ"(رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ). أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَسَلِّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً. وَاعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. اللَّهُمَّ وَفِّق وَلِيّ أَمْرِنَا، وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بَنَاصِيتِيهَمْ إِلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَانْصُرْ الْمُرَابِطِينَ عَلَى حُدُودِ بِلَادِنَا، وَارْبطْ عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَالسَّلَامَةَ وَالْإِسْلَام، وَالِاقْتِصَاد، اللَّهُمَّ احْفَظْ لِجَمِيعِ بِلَادِ الْإِسْلَامِ، اللَّهُمَّ احْفَظْنَا بِحِفْظِكَ، وَوَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى؛ وَاحْفَظْ لِبِلَادِنَا الْأَمْنَ وَالْأَمَانَ، وَالسَّلَامَةَ وَالْإِسْلَامَ، وَانْصُرِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى حُدُودِ بِلَادِنَا؛ وَانْشُرِ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِ أَعْدَائِنَا. الَّلهُمَّ أَصْلِح الرَّاعِيَ وَالرَّعِيَّةَ، وألِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنَّا، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا النِّيَّةَ وَالذُرِّيَّةَ وَالْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ، يا ذَا الجلَالِ والإِكْرامِ، أَكْرِمْنَا وَأَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ،