فهو ينطوي على دلالات متعددة، وتتدخل في صياغة حمولته الدلالية محددات عدة يتداخل فيها الفردي والجماعي، وإذا ما نقلنا الحديث إلى مستوى الهوية الدينية الرقمية، ما دامت المقاربة تقتضي في هذه الحالة الانتقال من الفضاء المادي إلى الفضاء الرقمي، فحتى وإن كانت العناصر التعريفية المشار إليها آنفا في تحديد الهوية الدينية في تصورها العام تشكل المنطلق في تعريف الهوية الدينية الرقمية، فإن الاختلاف الأساسي يكمن في الصيغة التي تتمظهر بها تلك العناصر والفضاء الذي تظهر أو تتشكل داخله؛ إلى أنه بالرغم من كون التعبيرات الدينية الرقمية، قد شكلت موضوعا لعدد من الدراسات الأنكلوساكسونسة والفرنكفونية على حد سواء، فإن منطلقنا في البحث الذي سبق وقمنا به حول هذا الموضوع توجَّه في البداية نحو بناء مفهوم الهوية الدينية الرقمية كمفهوم مستجد داخل سوسيولوجيا الأديان، سواء كانت مندرجة في إطار البعد التصريحي أو البعد الإحصائي أو البعد الفاعل للهوية الرقمية في مفهومها العام، إن الهوية بشكل عام في تعريفها الموسع هي مفهوم علائقي، أي وجود حوار تفاعلي يقوم بين ذاتيْن أو أكثر، إذ إن الذوات المتحاورة داخل عملية الاتصال تنتج المعنى وتصنع الدلالة عبر سيرورة تفاعلية تعبر من خلالها عن ذاتها، إن العالم الشبكي يقدم نفسه بهذا المعنى، وبما أن الهوية مفهوم علائقي؛ وداخل عملية التفاعل الإلكتروني التي تقوم على الجدل المستمر حول قضايا متعددة تهم الدين والفن والمجتمع والسياسة والاقتصاد وغيرها من المجالات، فإن المنصات الرقمية تتحول إما إلى فضاءات لتأكيد الهوية ودعم مقوماتها، إن ما نود التأكيد عليه بهذا الخصوص، بناء على عملنا الميداني داخل الفضاء الإلكتروني لما يقارب العشر سنوات استنادا إلى ملاحظاتنا النتنوغرافية لما يجري داخله، ويعني ذلك أن الفضاء الرقمي يقدِّم نفسه كفضاء أيديولوجي لتأكيد رؤية محددة للقيم الدينية الإسلامية أو القيم المختلفة عنها دينيا أو لا دينيا، فإن الأثر الناجم سواء عن صناعة المحتوى الرقمي بحمولته الأيديولوجية أو الأثر الناجم عن استهلاكه، خاصة عندما تكون عملية الاستهلاك تلك تهم، أي الهويات الدينية التي تشكل أقليات في بلدان متعددة موزعة عبر العالم، وهو الموضوع الذي اهتمت به عدد من الدراسات الأنكلوساكسونية. كما أن هامش الحرية الكبير الذي سمحت به شبكات التواصل الاجتماعي للمبحرين، كل ذلك فسح المجال أمام عددٍ من الهويات الدينية الخَبِيئة أو المقموعة إلى الظهور علنا في الفضاءات العمومية الرقمية، التي تحولت في هذا الإطار بالنسبة إليهم إلى فضاء بديل للتعبير عن أنفسهم، كما لا ننسى أن نشير هنا إلى أن الهويات اللادينية، كما هو الحال مع فضاءات اللادينيَّين المغاربة على الفايسبوك، أو اللادينية التي لطالما كانت خبيئة داخل المجتمعات التي تقرُّ ضرورةَ التوافق الديني كمبدأ للدولة والمجتمع؛ لكونها كانت تشكل موضوع حظر أو قمع أو تضييق داخل مجتمعات الأغلبية الدينية؛ ذلك البروز جعل مجتمعات الأغلبية في مواجهة أقلياتها التي لطالما أقصتها من فضاءاتها المادية. ومحاولتها توسيع حدودها عبر عملية الاستقطاب الإلكتروني؛ دينيا وأخلاقيا وسياسيا، عندما يكون المذهب الديني هو موضوع التهديد، عندما يصبح النسق الديني برمته هو ما يشكل موضوعا لذلك التهديد. حتى وإنْ كنتُ قد أشرت آنفا إلى الجانب السلبي لمسألة رقمنة الهوية عموما، والهوية الدينية على وجه الخصوص، بالنظر إلى كون الوجود على نحوٍ مشترك داخل الفضاء الرقمي عمَّق أوجه الخلاف في وجهات النظر، يتراوح بين اللغة العامية في الغالب الأعم، إذ من شأنه مستقبلا أن يسهم في تطوير الوعي الديني بشكل أفضل لدى المبحرين على شبكات التواصل الاجتماعي. بكل صوره وبكل ما يحمله من أفكار وتمثلات وقناعات مغايرة؛ أو اللادينيّين داخل النسيج المجتمعي، وذلك قبل أنْ يلفوا أنفسهم أمامها اليوم وجها لوجه، وذلك حين يتعلم كل فرد من مستعملي شبكة الإنترنيت أن يقبل حق الغير في الاختلاف، أعتقد أنه في ظل دمقرطة وسائل التواصل الرقمية الجماهيرية واستدماجها على نحوٍ غير مسبوق من طرف الأفراد والمجتمعات، لأنه إنْ كانت الأصوات تتعالي اليوم في محاولة للتنبيه إلى خطر هيمنة خطاب العنف والتفاهة والابتذال داخل الفضاءات الرقمية،