1- أثر عالمية الآداب الأجنبية في تطور الأدب العربي : يرجع احتكاك العرب بغيره من الأمم إلى العصر الجاهلي ، و تأتى لهم ذلك بطرق عدة في مقدمتها الدين ، إذ كان هذا الطريق أحد " أهم طرق نفوذ الثقافة الفارسية في عالم العرب الجاهلي " . و قد أعانه على ذلك الاحتكاك موقعه الجغرافي حيث " انفردت الصحراء العربية بين صحاري العالم أجمع بأنها أحيطت منذ القدم بأرقى حضارات العالم القديم . ففي الشمال ازدهرت حضارة مابين النهرين وحضارات الإغريق و الكنعانيين و الآراميين وجزر بحر إيجه ، وفي الغرب ازدهرت حضارة المصريين القدماء ، و في الشرق كانت الحضارة الفارسية ومن ورائها الحضارات الآسيوية الأخرى ، و في الجنوب كانت حضارة اليمن " . فكانت أولى مظاهر التأثر ، ظهور ألفاظ أجنبية في لغتهم . و تعدى ذلك إلى الشعراء بحيث وظف بعضهم ألفاظاً أجنبية في أشعارهم . و قد تتبع " آذرتاش آذرنوش " عددا منهم ، محصيا ما يعادل مئة و عشر كلمات مع دلالاتها للتدليل على تأثر العرب بالفارسية . من هؤلاء الشعراء : " النابغة الذبياني " ، " طرفة بن العبد " ، " عمرو بن كلثوم " ، " عروة بن الورد " ، " علقمة " ، و " الأعشى " الذي كان أكثرهم تفاعلا مع الثقافة الفارسية. من أمثلة الكلمات الفارسية الواردة في ديوانه أكثر من مرة كلمة " الأبلق " . و الظاهر أن تأثر الأدب العربي بغيره من الآداب كان ضعيفا جدا زمن الجاهلية ، حيث تجلى في العلاقات اللغوية بين العرب والفرس ، و في المقابل لا وجود لما يثبت تأثير الأدب العربي في باقي آداب الأمم المجاورة في تلك الفترة . و يرجع ضعف التفاعل بين الأدب العربي وهذه الآداب في الحقيقة إلى طبيعة العرب أنفسهم ، و في هذا الشأن يقول " عثمان موافي " : و مهما يكن من أمر ، فإن أصحاب الأدب العربي في هذه الفترة ، لم يكونوا من أنفسهم وحدة متماسكة بحيث يستطيعون بسببها أن يؤثروا في جيرانهم . و لكنهم على العكس من ذلك قبائل متنافرة ، تقضي حياتها في صراع و تطاحن من أجل البقاء ، أضف إلى ذلك أن أدبهم صورة صادقة لحياتهم ، و من ثم فقد كان من الصعب على غيرهم من الأمم تذوقه والتأثر به ". وإذا كان الأدب العربي في هذه الفترة لم يؤثر في الآداب الأخرى للأسباب التي ذكرها " عثمان موافي " ، فإن تأثره كذلك بهذه الآداب لهذه الأسباب و لغيرها- كان ضئيلاً جداً إن لم نقل معدوماً ، حيث استمر الأدب العربي محافظاً على طابعه العربي حتى العصر الأموي رغم صلات العرب الوثيقة بجيرانها في هذا العصر ، وزيادة التأثيرات الأجنبية بانتشار الإسلام وانضواء العديد من الدول الأجنبية تحت لوائه . غير أن الحال لم يستمر على هذا النحو ، من محدودية في التأثير والتأثر ، بل قويت قدرته على و مع آداب تلك الأمم ، تجلى بصورة واضحة في العصر العباسي وذلك لزيادة النفوذ الأجنبي في هذا العصر خاصة الفرس ثم الأتراك على شؤون الدولة . و نقلهم تراثهم التفاعل و و حضارتهم إلى البيئة العباسية ، و ازدهار حركة الترجمة عن اليونانية و الفارسية و الهندية و غيرها من اللغات الأجنبية . و قد كان اختلاط العرب بالأمم التي أسلمت ، أو التي اتصلوا بها أثناء فترة الفتوحات الإسلامية " اختلاط قتال وحروب ومعارك أولا ، ثم اختلاط حضارة وثقافة و أفكار بعد ذلك . و إن تحقق فعلا تأثر الأدب العربي بالآداب الأجنبية ، إلا أنه لم يتعامل معها بنفس الطريقة ولم يعطها نفس القدر من الأهمية .