من أخطر ما يعترض اللغة آفة التسّرع عند بعض المشتغلين بها، الذين يثقون بعلمهم ثقة تحملهم على الركون إلى عاداتهم وخواطرهم، فهم يطلقون يصّوبون مرة ويخطّئون مرة أخرى، ويُتعبون اللغة وأهلها بلعبة الخطأ والصواب. لكن من الحب ما قتل، وهو واحد منهم، واقتضى المقام أن أستشهد بالبيت المشهور: وإذا الصديق يستوقفني، ويستعيدني رواية البيت، كأنه يريدني أن أستدرك زللاً أو سهًوا، لا أعتذر من»، فقال: «لكنه خطأ». قلت: «إنه من الشعر الجاهلي». حتى إذا إنما هو قصة من الحيرة، لكنني مقتنع، فضلاً عن مؤرخي الأدب، قد رووه بكثرة، مستشهدين به على حذف «كان» بعد «إن» وعلى غير ذلك، لمعرفتي بعقم ذلك. ودفًعا للشك باليقين، فوجدت فيها: «فحذفَه ثم اعتَذَر إليهم ممّا صنع به»، وفي معاجم أخرى: «اعتذر من ذنبه فعذرته». وفي ديوان النابغة الذبياني برواية الأصمعي: «ويعتذر إليه مما بلغه عنه»، بمعنى أن «ِمن» لا «عن» هي التي تدخل على الكلمة الدالة على العمل الموجب للاعتذار، وأن «إلى» تدخل على َمن يو ّجه الاعتذار إليه. وأصرح من ذلك، قول الحديث: «َمن اعتذر إلى أخيه بمعذرة فلم يقبلها، وهذا يعني أن الاستعمال الشائع اليوم: اعتذر فلان عن فعلكذا، هو منِالمستحدثات، مستحدث غير موّحد الصيغة، يوقع أحياًنً في التناقض واللبس، ويبعث على تفضيل العودة إلى الأصل، فشروط الاعتذار أن يكون سببه خطأ أو أذى أو ما أشبه ذلك، وليس ضربا من الرفض أو الاستعفاء أو الاستقالة أو الامتناع، من هنا وليس على المعنيين الأولين، فهميقولوناليوم:(والنصوصالآتيةمنقولةبحرفها، بغضالنظرعنصحةتركيبهاأوخطئه، وعن استعمال «عن» فيها لا «ِمن»). أعتذر عن الكتابة لمدة شهر - أعتذر بسبب سفري - أعتذر عن المحاضرة - أعتذر عن عدم التواجدلظروفسفرطارئة-لماذااعتذرالسامرعنأمسية ُجدة(اْعتذرلارتباطهالدائمبوالده)-وكان بكنبارو قد اعتذر عن الحضور إلى مصر - وّجه فلان رسالة رقيقة إلى اليوسفي الذي اعتذر عن عدم