إن سبب ظهور مفهوم "الحوكمة" يعود إلى انهيار بعض الشركات الكبيرة وكذلك الفضائح المالية وحالات الفساد، فخلال الأعوام العديدة الماضية، والعالمون ببواطن الأمور (أي المديرون) استفادوا من معلومات لا يستطيع المستثمر العادي الوصول إليها"! قامت المنظمات الدولية والأجهزة الرقابية بوضع مجموعة من المعايير والقواعد بهدف المساهمة في تحسين مستوى الأداء وتوفير الرقابة الفاعلة، وتعتبر من آليات استكمال عمليات الإصلاح الإداري والمالي والتطوير المؤسسي من خلال تعزيز مبادئ العدالة والشفافية والإفصاح، وتهدف "الحوكمة" في الشركات إلى حماية أصولها وممتلكاتها، وإدارة استثماراتها بكفاءة، بالإضافة إلى تحسين الأداء الاقتصادي وزيادة الإنتاجية، كما توفر الاطمئنان لدى الملاك والمستثمرين وحملة الأسهم، نحو تحقيق عائد مناسب لاستثماراتهم مع ضمان الحفاظ على حقوقهم، من خلال مساعدة إدارة الشركات في تحقيق الأهداف واتخاذ القرارات المناسبة. هذا باختصار شديد عن الحوكمة في القطاع الخاص، لكن ماذا عنها في الوزارات والدوائر الحكومية (القطاع العام)؟ إن من أهم أسباب الاهتمام بالحوكمة في القطاع الحكومي يعود إلى تدني مستوى أداء الجهات الحكومية، بالإضافة إلى ضعف المنظومة الرقابية ككل، وتدني مستوى الإفصاح والشفافية، وظهور حالات للفساد المالي والإداري، ومفهوم الحوكمة يهدف إلى إخضاع نشاط الجهاز الحكومي إلى مجموعة من الأنظمة والقوانين، والسياسات والمعايير والإجراءات التي تحقق الانضباط المؤسسي في إدارة الجهة الحكومية من خلال تحديد مسؤوليات وواجبات المسؤولين في الإدارة العليا والتنفيذية. وتهدف "الحوكمة" في القطاع الحكومي إلى المحافظة على المال العام لكونه وسيلة الدولة في تقديم وتحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين، وضمان حقوقهم بحيث تكون الخدمات الحكومية متميزة بالوضوح والتحديد وعالية الجودة، من خلال التخطيط ومراجعة القرارات وتحديد طرق قياس الأداء والتعرف على آراء الناس بغرض التحسين والتطوير، بالإضافة إلى إيجاد معايير وقوانين ثابتة وعادلة تتميز بالشفافية والوضوح. فيمثلون أهم المبادئ اللازمة لتحقيق وتطبيق نظام حوكمة الجهات الحكومية من خلال توفير المعلومات المالية وغير المالية الملائمة وجعلها متاحة للناس بالدقة وفي الوقت المناسب، ناهيك عن نشر التقارير الرقابية وفق أسس ومعايير محددة. كما يحدد نظام الحوكمة مسؤوليات الإدارة العليا في الجهة الحكومية بدءا من الوزير ونائبه إلى الوكلاء، وسبل المتابعة الفعالة للإدارات التنفيذية من خلال أنظمة الرقابة الداخلية التي توفر المعلومات لكافة المستويات الإدارية بالشكل الذي يضمن الأداء الأمثل، والفرق بين الشركات والجهات الحكومية عند تطبيق هذا المفهوم، وربما يصدر عن الجهات المختصة في المملكة لائحة ودليل إرشادي لتطبيق الحوكمة في القطاع الحكومي. وإعادة تحديث الهياكل التنظيمية، لكن قد تكون نظم الإشراف والمتابعة مجرّد إجراءات روتينية لا تزيد في كفاءة العمل ولا تضفي على نتائجه أية فعالية.