اللغة العربيّة: نشأتها وتاريخها اللغة العربيّة هي لغة سامية يتحدثها أكثر من نصف مليار إنسان عبر العالم، وتحتل الرتبة الرابعة من حيث عدد المتحدثين بها. وتتميز بأنها لغة القرآن، مما يتيح لها فرصة الانتشار والصمود في وجه عوامل الاندثار. تطورت اللغة العربية عبر العصور، ومرت من عدة مراحل في الجمع والتدوين ووضع قواعد النحو والصرف، يتحدث باللسان العربي أكثر من 550 مليون نسمة حول العالم، نحو 300 مليون منهم تعد العربية لغتهم الأم ونحو 250 مليونا يتخذونها لغة ثانية، وهي بهذا تحتل المرتبة الرابعة بين لغات العالم في عدد المتحدثين بعد الصينية والإنجليزية والإسبانية. مدة الفيديو 50 minutes 45 seconds50:45 وتتمتع اللغة العربية بفرص جيدة للانتشار، بسبب اهتمام عدد كبير من سكان العالم بها باعتبارها لغة دين لما يزيد على ملياري مسلم منتشرين في مختلف أنحاء العالم، حيث تتوقع اليونسكو اختفاء نصف لغات العالم المنطوقة مع نهاية القرن الـ21، تتفوق اللغة الإنجليزية على سائر اللغات في القدرة على الانتشار، إذ يتنامى الاهتمام بها بين الأجيال الشابة، كما أن 50% من المجلات والدوريات العلمية حول العالم تنشر بالإنجليزية، وهي اللغة الأولى في التقنيات وشبكة الإنترنت ووسائل التواصل، في مقابل ضعف حضور اللغة العربية في تكنولوجيا المعلومات، إذ لا يتجاوز المحتوى العربي 1% على الإنترنت حسب دراسة للأمم المتحدة، إذ تتراجع قدرات الكتاب في الحفاظ على التقاليد اللغوية التي تحفظ سمات الأسلوب العربي. مدة الفيديو 02 minutes 17 seconds02:17 تنتمي العربية إلى ما سمي فصيلة اللغات السامية، وهو مصطلح أطلقه عالم اللاهوت الألماني النمساوي شلوتزر في أواخر القرن الـ18 الميلادي، وتحديدا في أبحاثه وتحقيقاته عن الأمم الغابرة عام 1781م، والتي اهتمت بالشعوب الآرامية والكنعانية والفينيقية والعبرية والعربية واليمنية والبابلية الآشورية، ومنها أن هذا التقسيم اعتمد على الروابط السياسية والثقافية والجغرافية أكثر من اعتماده على ملاحظة صلات القرابة والروابط الشعبية، ولذا عدّ الليديين والعلاميين من الشعوب السامية لخضوعهم للسطان الآشوري، وبعض المحققين ينبهون إلى أن هذا ليس شرطا، إذ إن اللغة في انتشارها يمكن أن تنتقل إلى شعوب أخرى عبر التلاقح الثقافي أو الهيمنة الاستعمارية، مدة الفيديو 01 minutes 29 seconds01:29 وقد ذهب مؤرخو اللغات مذاهب شتى في هذا الأمر، فمنهم من رأى أن المهد الأول للساميين كان بلاد الحبشة، ومنهم من ذهب إلى أنهم نشؤوا في شمال أفريقيا، ومنهم من قال إن الساميين انحدروا من بلاد أرمينية، ومنهم من اختار بلاد كنعان، ولكن كثيرا من المستشرقين يميلون إلى أن المهد الأول للساميين كان القسم الجنوبي من شبه الجزيرة العربية في بلاد الحجاز ونجد واليمن. وانطلاقا من هذا الرأي ينفر كثير من الباحثين العرب من مصطلح اللغات السامية، ويؤكدون أنه يشير إلى حقيقة تاريخية ثابتة تدل على موطن واحد محدد سكنته أمة قديمة تكلمت لغة واحدة. ويرى عباس محمود العقاد أن الصحيح هو تسمية الشعوب السامية بالعربية وتسمية لغاتها العربية القديمة، ويرون أنه يشير إلى الرابط الذي يجمع الشعوب المهاجرة من الجزيرة العربية، ويحتوي على السمات والخصائص المشتركة بين لغات هؤلاء المهاجرين. فالسمات المشتركة بين اللغات السامية بارزة في العربية أكثر من غيرها، وهي في حجر أمها السامية قبل أن تنفصل عن أخواتها الكلدانية والآرامية والفينيقية والعبرية. وهذه السمات تضمن استيفاء شروط البيان وسهولة النقل والانتشار، وأهمها إعطاء مزيد من الأهمية للأصوات الساكنة، وتكوين الكلمة من 3 أصوات ساكنة، وكونها قليلة في اللغة العربية والسامية يسلس قياد هذه اللغة للأجنبي، تشير هذه المعطيات إلى إمكانية وضع تاريخ علمي مفصل للغة العربية، ولكن الباحث العربي لم يبذل جهودا كافية في استكشاف الوثائق التي تلقي الضوء على أخبار نشأة اللغة العربية، والنصوص العربية التي وصلتنا تتسم بنضج يؤكد أنها تطور كبير في مسيرة حياة أدبية استمرت طويلا قبلها، فقال إن اللغة العربية ولدت مكتملة. مدة الفيديو 02 minutes 40 seconds02:40 وإذا أردنا أن نحقب تاريخ العربية بما توفر لدينا من أخبار ومعلومات ووثائق، فإننا نشير إلى عدة مراحل: المرحلة الأولى: نشأة اللغة العربية في أقدم مواطن الساميين، وهي على نحو ما أسلفنا بلاد الحجاز واليمن، ولكن المعضلة في هذا أن مراجعة أقدم الآثار تشير إلى أن آثار الأكدية تعود إلى ما قبل القرن الـ20 قبل الميلاد. ويرجع أقدم ما وصل إلينا من الآثار العبرية إلى القرن الـ12 قبل الميلاد، ومن الآثار الفينيقية إلى القرن الـ10، والآرامية إلى القرن الـ9، أما ما وصل من آثار العربية فلا يعدو القرن الأول قبل الميلاد. المرحلة الثانية: حقبة العربية البائدة أو عربية النقوش، وهي لهجات كانت تتكلم بها عشائر عربية كانت تسكن في شمال الحجاز على جوار مع الآراميين، وقد وردتنا نقوش بعضها متأثرة بالآرامية كالنقوش اللحيانية والنقوش الصفوية والنقوش الثمودية، وبعضها أقل تأثرا بالآرامية كنقش النمارة ونقش زبد ونقش حوران. مدة الفيديو 05 minutes 19 seconds05:19 ولا نعرف كثيرا عن اللغة العربية في الحقبتين السابقتين، وقد استطاع المستشرقون في القرنين الـ18 والـ19 أن يصلوا إلى ما لم يصل إليه الباحثون العرب في تاريخ اللغة العربية قبل الإسلام، كالمستشرق الدانماركي مارستن نيبور والفرنسي جوزيف توماس أرنود والمستشرق اليهودي الفرنسي جوزيف هاليفي والنمساوي إدوارد غلازر، وقد جال هؤلاء في صحاري الجزيرة العربية، وأثبت العدد الكبير للآثار والمخطوطات التي عثروا عليها أن المادة التاريخية موجودة، والآثار والشواهد تدل على أن مدنا عظيمة ذات أسوار وأبراج كانت في مناطق باليمن، وعلى أن ممالك عربية كان لها نفوذ واسع وإمارات ومستعمرات على طول الطريق التجاري بين الصين والهند من جهة وبلاد الروم من جهة، وهي التي نعرفها الآن باللغة العربية الفصحى، وأقدم ما وصل إلينا منه يعود إلى القرن الخامس الميلادي. فحتى القرن السادس الميلادي كانت للعرب في لغتهم لهجات تتباين في جوانب شتى، وتعكس صورة للحياة البرية والاغتراب والبعد عن التحضر والتمدن. فلما نزل القرآن الكريم بلهجة قريش أجمع العرب على روعة بيانه وقوة برهانه، فأصبحت للعرب لهجة فصحى يتحدثون بها جميعهم ويلتقون عليها، ولهجات أخرى يتداولونها في نطاق محلي ضيق. كما هذب اللسان وارتفعت درجة البيان بالاستماع إلى القرآن، فابن خلدون يرى أن الأدب العربي بعد نزول القرآن أصبح أعلى طبقة في البلاغة وأذوق من كلام الجاهلية في المنظوم والمنثور، فشعر حسان بن ثابت وعمر بن أبي ربيعة والحطيئة وجرير والفرزدق ونصيب وذي الرمة والأحوص وبشار أعلى طبقة في البلاغة بكثير من شعر النابغة وعنترة وزهير وطرفة. اللغة العربية تطورت عبر مراحل تاريخية (شترستوك) المرحلة الخامسة: حقبة الانتشار والعالمية، فمع الفتوحات الإسلامية ودخول الناس في الإسلام انتشرت القبائل العربية في المدن والأمصار، وبدخول الناس من مختلف الأمم في دين الإسلام أصبحت اللغة العربية في مواجهة مع الفارسية والسريانية والآرامية والقبطية والأمازيغية واللاتينية. فلم يمض 100 عام حتى غلبت العربية، وأصبحت اللغة العامة في مختلف الأقطار التي انتشر فيها دين الإسلام، تعريب الدواوين واعتماد العربية لغة رسمية في كل هذه الأقطار، إضافة إلى ما في اللغة العربية من قوة ذاتية وسمات خاصة تجعلها قادرة على الانتشار طيعة على لسان المتعلم، لكمال خصائص اللغات السامية فيها على نحو ما أسلفنا. المرحلة السادسة: مرحلة الجمع والتدوين، فحتى القرن الثاني الهجري (الثامن الميلادي) كان العرب يعولون في نقل آدابهم على الرواية الشفوية، وكان اعتزاز كل قبيلة بأدبها وثمار قرائح شعرائها وخطبائها دافعا قويا لحفظ ديوانها ونقله والمفاخرة به، ونشأت بواعث لدى أهل العلم والأدب في حفظ اللغة، وشرح معاني القرآن تولدت لديهم الرغبة في الصناعة المعجمية وجمع اللغة وتدوينها، للحفاظ على الصورة التي وصلت إليها العربية مع نزول القرآن بما يساعد في فهمه وتلقينه. كما حرصوا على صيانة اللغة العربية من اللحن وشيوع الخطأ والتأثر باللغات الأخرى، وظهر في جهود التدوين وعمل الرواة وجامعي اللغة مصطلح "الاحتجاج اللغوي"، والمقصود به تحديد النصوص التي تنقل لتؤخذ منها الصورة المثلى للغة الفصحى التي لم تتأثر بمخالطة العرب لغيرهم من الأمم. وقد شرح نص نقله السيوطي في كتابه "الاقتراح في أصول النحو" دستور النقل والاحتجاج بألفاظ واضحة: وأحسنها مسموعا وإبانة عما في النفس. 2. والذين عنهم نقلت اللغة العربية وبهم اقتدي، وعنهم أخذ اللسان العربي من بين قبائل العرب هم: قيس وتميم وأسد، 5. ولا عن سكان البراري ممن كان يسكن أطراف بلادهم التي تجاور سائر الأمم الذين حولهم، فإنهم كانوا مجاورين لأهل الشام وأكثرهم نصارى يقرؤون في صلاتهم بغير العربية، لأنهم كانوا سكان البحرين مخالطين للهند والفرس، ولا من أزد عمان لمخالطتهم للهند والفرس، ولا من أهل اليمن أصلا لمخالطتهم الهند والحبشة ولولادة الحبشة فيهم، وهكذا دون متن اللغة العربية وحفظ بمعايير واضحة حددت نهاية عصر الاحتجاج بعام 150 هجري في الحواضر و250 هجرية في البوادي.