فكان ما رآه المحققون أن الدية فيما دون النفس يتساوى فيها الرجال والنساء إلى حدّ الثلث من دية النفس الكاملة للرجل، فتكون دية المرأة كدية الرجل. فإذا كانت جناية الخطأ تزيد ديتها عن ثلث دية النفس، فعندئذ تُنصّف دية المرأة في القسم الزائد فقط، ولا يسري التنصيف على الثلث الأول الذي وجب فيه التساوي بين الرجل والمرأة؟ اتفق أئمة العلم على أن دية النفس للمرأة هي على النصف من دية الرجل. فقد اختلفوا؛ ذلك لأنه قد جاء في دية ما دون النفس من المرأة حديث خاص عن رسول الله (ﷺ) هو قوله: “عقل المرأة مثل عقل الرجل حتى يبلغ الثلث من ديته. وفي رواية عن البيهقي: “فما زاد فعلى النصف”، والعقل في اللغة: الدية. وقد انقسم علماء السلف وفقهاء المذاهب تجاه هذا الحديث إلى فريقين: الفريق الأول: أخذ بهذا الحديث، وفسره بأن دية المرأة فيما دون النفس تتساوى ودية الرجل إلى الثلث من دية النفس الكاملة، فإذا زادت رُدت إلى النصف من دية أعضاء الرجل لو كانت الجناية واقعة عليه، ومن فقهاء المذهب مالك والشافعي في القديم، وأحمد بن حنبل (رضي الله عنهم). فديتها عشر من الإبل كما تقدم. لأنها لما جاوزت الثلث، وجب ردها إلى النصف من دية أصابع الرجل، وواضح أن هذا في منتهى الغرابة، ويتجلى من هذه القصة مدى الغرابة التي تبدو في رأي هذا الفريق الأول من أئمة العلم في هذا الموضوع؛ فإن زيادة ضرر الجناية تقتضي زيادة التعويض فيها لا خفضه، فالتمسوا المخرج من هذا الإشكال فوجدوه في حديث معاذ (رضي الله عنه) عن دية المرأة أنها نصف دية الرجل. ودية ما دون نفسها بطريق القياس. ورأوه بذلك معارضا لحديث عمرو بن شعيب، الذي أوجب التساوي في الدية إلى حدّ الثلث، فتركوه وأخذوا بحديث معاذ، وبهذا أيضا أخذ عمر وعلي (رضي الله عنهما). وبهذا النظر أخذ أبو حنيفة، فرجعت عنه، والقياس أولى بنا في ذلك”.