ثم وضع في أعلى الهرم ، هرم صغير مستقل ، رأى أنه يمثل الملك الذى يحتم فوق وزرائه ، الذين كانوا فوق عمد البلاد والقرى ، ومن الناحية الاجتماعيه كان فرعون فوق النبلاء الذين كانوا بدورهم فوق الفنانين وصغار التجار والعمال والفلاحين ، أما عن التنظيم الديني فكان فرعون هو حلقة الاتصال الوحيدة مع الآلهع ، وكان فوق الكهنة الذين كانوا بدورهم فوق الشعب. لان كبار الموظفين والنبلاء وكبار الملاك والكهنة أنما كانوا في درجة واحدة ، فقد كانوا جميعا يكونون المطبقة التي تلى فرعون مباشرة ، وكان ينيبهم عنه في تأدية المهام الخاصة به (۱) ، وهكذا كن المجتمع المصرى القديم يتكون في أول أمره من طبقتين بينهما فرق واضح ، طبقة عليا وهي الحاكمة : على رأسها فرعون وأسرته وحاشيته ، ومن حولهم كبار موظفي الدولة وامراء الاقاليم وكبار الكهنة ، ثم طبقة دنيا وهي المعاملة الكادحة تتكون من عمال الزراعة والصناعة والمصيدين والملاحين والرعاة والخدم وجميع أصحاب الحرف الذين يعملون في الخدمات العامة والخاصة (٢) . وتشير آثار الادباء والحكماء وأصحاب التأملات الى هذا النظام الطبقى ، ومنهم حكيم الثورة الاجتماعية الاولى ايبو - ور) الذي حدثنا كيف ساد الوضيع على الرفيع ، وكيف أخذت محن الجوع والفقر بأبناء البيوتات من جميع أقطارهم ، يقول الحكيم المصرى «انظر : لقد حدث هذا بين الناس ، فمن لم يكن فى قدرته أن يقيم حجرة أصبح الان يملك فناء مسورا ، والامراء ينامون فى المخزن ، ان الذين كانوا يلبسون الملابس الفخمة أصبحوا الان فى خرق بالية )) (۳) ، ولعل هذا انما يشير الى أن حكيمنا المصرى ربما كان من طبقة ارستقراطية ، وتقدمت الحياة بالناس الى زمان الدولة الوسطى ، طبقة حرة قوامها صغار الموظفين والتجار وأصحاب الحرف الممتازة ، ثم تأتى طبقة رعاة البقر والخنازير ، وكان رعاة الخنازير أحط الطبقات ، وأخيرا رجال الملاحة وطبقة عمال زراعة ، ونلاحظ أن هذا التحديد ، لا يمكن أن يكون مضبوطا ، اذ ينبغي أن يكون أكثر من ذلك عدا بعض الباحثين يحاول انكار هذه الطبقة ، فان منطق الحياة قد يحتم وجودها ، ولنتحدث الان عن طبقات المجتمع المصرى الثلاث : (1) الطبقة العليا : في نظر رعاياه ، اله حي في شكل انسان ، يتساوى مع غيره من الآلهة فيما لهم من حقوق ، وفى المواقع أن هذا أمرا لم تنفرد به مصر بين بلاد العالم . لم يعش في برج من عاج ، ويهتم بمراقبة موظفيه ورعايتهم ، ويجـزل العطاء لمن أخلص منهم ، ثم هو يعمل على تأمين وسائل الحياة للمصريين بحفر الترع واقامة الجسور التيسير فلاحة الأرض وزراعتها ، كما كان عليه حماية المدن من غائلة الفيضان ، وتشجيع الصناع والفنانين ، فأما بلاطه فكان مكونا من حاشية كبيرة من عظماء أمته ، والمقدمين من أمراء جنده ، يستشيرهم في أمور دولته ، في الوقت نفسه ، من سلطانه ، بما فرضت عليه من واجبات ، كما سنشير الى ذلك فيما بعد بالتفصيل . ربما يبعده عن وضع الطبقات التي كان يتكون منها المجتمع المصرى ، وأن كانت نادرة ، فهناك نبوءة نفرتي» والتي تتحدث عن الملك سنفرو على أنه كان ملكا محسنا ، وأنه حين يخاطب أحد رجال رعيته يقول له ( يا صاحبي » ، فيمد يده الى صندوق مواد الكتابة ويأخذ قرطاسا وقلما ومدادا ، ثم يدون ما تحدث به الكاهن المرتل باست) (٥) ، قد يكون ذلك ، حتى استمرت عبادته في أكثر من مدينة مصرية حتى عصر البطالمة ، ومن ثم فقد صورته آدابهم الشعبية متواضعا ، ويكتب بنفسه ، كما وصفوه بأنه « ملك . فاضل (1) . بل انه يأمر بأن ينقل ذلك على حجر يوضع في قبر «رع ور » وهناك قصة أخرى تبين مدى حزن الفرعون نفسه على مدى ما أصاب وزيره ( واش بتاح » الذي وافته منيته فجأة عندما كان فرعون يتفقد وربما يفتتح أحد المنشآت الملكية ، وأن الملك حول اسعانه ولكنه فشل ، ثم سمح لولده أن يسجل ذلك كله على قبره الذي منحه اياه (٢) ، فنخس أحدهما بعصاه التي ربما كانت مسمومة ، وسم الآخر بطريقة ما ، وان كنت أميل الى أن الحادثين لا يستحقان كل هذه موظفيه العاملين والمقربين اليه بعد وفاتهم . وليس بدعا أن يكرم الفرعون وأيا ما كان الامر ، ففى النصف الأول من الدولة القديمة كان الامراء يعينون في مناصب الوزارة ، وأكثرهم من أبناء الملك أو من ذوى قرباه ، كما حدث في زواج « بتاح شبس ( من ( خع ماعة (( ابنة « شبسسكاف ) (3) ، وزواج « ببي الأول » من ابنة أمير أبيدوس ، وهكذا فان وجود أبناء الملك وأقاربه يجعل الخط الفاصل بين الملك والطبقات الأخرى غير واضح المعالم ، وأنها تمكنت من احتلال المناصب الكبيرة ، ويتنقلون فى محفات تحمل على أكتاف الرجال ، ويستروحون عليها بين المزارع والحنول وعلى شواطىء النهر . وكان لكبار الكهنة مركزا ممتازا لدى الشعب ، وهيئة كبيرة ، كما كانوا متبحرين فى العلم والمعرفة مما يسر أمورهم وسهل سيطرتهم على الشعب ، كما بلغوا جانب كبيرا من الثراء (۱۲) ، وبمرور الزمن تكونت فى مصر ملكية خاصة بالاله آمون ، منفصلة عن أملاك فرعون ، بل أنها لم تكن مقصورة على مصر وحدها وانما امتدت الى النوبة المتى كاد أن يصبح ذهبها وقفا على الاله آمون . حتى بلغوا من ذلك ما لم يبلغه أمثالهم فى المعالم المعروف وقت ذاك ، ومعابد بأوقاتها من الاراضي في الاقاليم المستولى عليها ، هذا فضلا عن فرق من الأسرى لاعمال السخرة ، ومبان ملكية حول المعبد ، وطعت شهرة آمون فعمت البلاد ، بحيث لم يعد لارباب الاقليم شيء من قوة ، حتى انتهى الأمر بكهانة آمون الى القبض على زمام الحكم في البلاد بقيام دولة الكهنة فى أعقاب الاسرة العشرين (١٤) ، وان كانت هناك آراء تذهب الى غير ذلك (١٥) . P ۲) الطبقة الوسطى : لم يكن هناك نظام طبقات صريح يظل فيه النبلاء والصناع الثلاثون مرتبطين بطبقة معينة جيلا بعد جيل ، فكان المجتمع ينظم على أساس استمرار الاشياء الموروثة ، والأمر كذلك في طبقة النبلاء، ولكن المصريين كانوا عمليين متسامحين ، ومن ثم فلم يجبروا شخصا على أن يظل أبد الدهر فى طبقته التي توارثها اذا واتته الفرصة أو الضرورة العصور التي نمت فيها الدولة وتقدمت كانت البلاد في حاجة تي خدمات الرجال ذوى المقدرة الذين يعتمد عليهم ، ومن ثم يصبحون التغيير ، خفی وهناك أمثلة انتقل فيها بعض المواطنين من أشخاص عاديين الى طبقة خبار الموظفين في الدولة ، ثم استطاع أن يرتفع الى أحد المراكز المرموقة في البلاد ، ذلك أنه بعد أن خدم كموظف صغير فى عهد (( تتى )) مؤسس الاسرة السادسة ، أو رجل بلاط مقرب ، وقد برز في هذا العمل فظهرت قدرته كمساعد للوزير ، ليستمع الى قضايا مؤامرة أفرخت في الحريم الملكى والسنة بيوت الكبرى (قضية الملكة ايمتس)، وحين أنهى هذا الواجب الهام أصبح القائد العام لخمس حملات جريئة أرسلها الملك الى آسيا ، واحدة منها كانت برية وبحرية معا ، حصر فيها حدود بين فكى الكماشة ، ثم رقاه الى وظيفة مفتش بنائين ثم مشرفا على طائفته ، ثم رفعه جلالته الى مصمم وبناء للملك ، لان جلالته كان يعطف عليه كثيرا (١٩) . وسواء تمت هذه الترقيات بعطف من الملك ، أو بجدارة كل منهما ، وهذا ما لا ينطبق على ( ونى » على الاقل فان ذلك يدل على أن الوظائف انما كانت متاحة لكل من تتوفر فيه الصفات اللازمة لشغل هذه الوظائف ، ولعل السبب انما يرجع الى حرفتهم نفسها وأهميتها بالنسبة للحضارة المصرية ، تلك الحضارة التي كانت فى أخص صفاتها حضارة فنية راقية ، وفنونها وصناعاتها هي أجل ما امتازت به ، حتى لا يعادلها ، فيما يرى البعض ، شيء من عقائدها وآدابها وعلومها ، كثرة لا يدانيها انتاج أية أمة أخرى ، ويحمل لقب المشرف العام على الفنانين ، ويبدو أنه كان فعلا يزاول هذه المهنة (۲۰) والسبب الذي جعل هذا الكاهن العظيم يشرف على رجال الفن أن الاله ( بتاح » اله منف انما كان يعتبر بمثابة الفنان بين الالهة المصرية ، وقد استمر اشراف بتاح رب منف (۲۹) كبير كهنة بتاح على أهل الفن فى مصر طوال العصور التي بقى فيها جزاء لما أنتجوا من فن رائع ، ولكن ليس هناك من دليل على أنهم كانوا من أهل اليسار، وان لم يكونوا في معيشة ضنكا ، وقد وضعهم جیمس هنری برستد ( الذى قسم المجتمع الى أمراء وعبيد ، ودعاهم بالطبقة الوسطى التي احتكرت الصناعات والفنون الجميلة وبرعت فيها كثيرا (۲۲) ، فهى أصلا من المحكومين ، ولكنها تحتك كثيرا بالحاكمين بسبب طبيعة عملها ، لم تفسد عن انغماس في الشهوات ، ومن ثم فان الطبقة الوسطى في كل الشعوب انما هي في الغالب تحمل سمات المجتمع وما فيه من نقائص وعيوب ، هذا وقد دأب أهل الطبقة الوسطى على ارسال أولادهم في سن مبكرة الى المدارس التابعة لمصالح الحكومة وغيرها من مدارس اعداد الموظفين لتأهيل أنفسهم لمهنة الكاتب ، والحياة التي تقتضيها ظروف وظيفته ، وكان صغار الموظفين والكتبة الذين يعملون في الحكومة المركزية أو الادارات المحلية أو الضياع الكبيرة من أسعد أفراد الطبقة الوسطى حالا ، وأصحاب العلم والثقافة ، يوضحون لهم فيها أن مهنة الكاتب مهنة راقية تفوق جميع المهن الأخرى ، ويغريه بالعلم ويحببه إلى نفسه ، وأخذوا يسطرون القصار والطوال من المقطوعات الادبية ، ويحذرون الشباب من الاندفاع في هذا السبيل ، وهو معفى من الضريبة ، وعليك أيها الكاتب أن تفطن الى ذلك وتنزع من فكرك أن الجندى أحسن حالا من الكاتب». فالكاتب يتخلص من العزق بالفأس ، أن مهنة الكاتب تخلصك من تحريك المجداف ولا تسبب لك هما ولا نكدا ، واعلم أن مهنة الكاتب تكسب صاحبها غنى ومالا ، ومهنته عظيما ، وتشمل التجار والعمال والفلاحين وأصحاب الحرف الصغيرة كالنجار والخلاق والبستاني وصانع السهام وطواف البريد والدباغ والاسكافي وغيرهم ، وا التي كانت محدودة الى حد كبير، ولذا فان النصوص لا تتحدث عن التجار مما يدل على أن التجارة الداخلية في مصر القديمة أبان تلك الفترة لم تكن ذات أهمية ، اذ أنها لا تعدو المعاملات المحدودة والتي تجرى فى الاسواق المحية ، وقد رأينا حكيما ينصح ولده بالا يكون تاجرا يجوب الوادي متنقلا بين أقاليمه ومدائنه وقراه ، وأما طبقة العمال ، فهم الذين كانوا يعملون في المناجم والمحاجر وغيرها ، وفى بناء الاهرامات والمقابر والمعابد ، وكانت الدولة هي التي تحتكر استغلال : المناجم والمحاجر ، وتعمل على نقلهم تحت حماية جندها الى مقر أعمالهم في الصحراوات المصرية ، وكانت كل فرقة تحمل اسما معينا ، وقد عشر في منطقة الاهرام على مساكن للعمال الذين بنوا هذه الشوامخ وهي قاعات ضيقة طويلة يبلغ عددها قرابة المائة ، يتسع كل منها لنحو خمسين عاما (٢٥) ، وقد أسهمت طبقة العمال بنصيب واخر في بناء هذه الشوامخ من الاهرامات الخالدة والمعابد والمقابر البديعة ، مما يثبت تلك الانتصارات المادية التى لم يسبق لها مثيل ، ذلك لانه لم يوجد شعب آخر في بقاع العالم القديم نال من السيطرة على عالم المادة بحالة واضحة للعيان تنطق بها آثاره ، مثل ما ناله المصريون القدامي في وادى النيل ، فقد بنى القوم بنشاطهم الجم صرحا من المدنية المادية ظهر أن الزمن يعجز عن محوه تماما (٣٦) . غير أنه رغم هذا الجهد العظيم ، فان طبقة العمال لم تعش حياة تتفق والمجد الذي حققته للمدنية المصرية ، ربما كان النظام الدقيق الذي اتبع مع العمال قد أعطاهم بعض حقهم ، حتى أن حكيم الثورة ور )) عندما أراد أن يبين أن الصناعة قد تعطلت ، وأن الفنون قد أفسدها أعداء البلاد . انما يقول « حقا قد أصبح بناة الاهرام فلاحين ) (۳۷) ، كما أنهم كانوا يأخذون أجرا في مقابل عملهم ، من ذلك ما نقرؤه على قاعدة تمثال جنزى لقد طلبت إلى المثال أن ينحت لى هذه التماثيل ، مما يشير الى أن كلا من هذين الرجلين انما اراد أن يعلن أنه قد حصل على معداته الجنزية من طريق شريف ، وأن كل من عمل فى اعدادها قد أخذ أجره ، كاملا غير منقوص ، من خبز وجعة وثياب وزيت وقمح ، كما أنى لم أكره أحدا على نص لأحد رجال بلاطه ، وقد جاء فى النصفى العمل » ، هذا فضلا عن أن الملك منكاور) (ع) كان قد أمر بناء مقبرة ~ الذي يروى هذا الحادث أن فرعون أمر ألا يسخر أحد في هذا العمل فضلا عن عدم اكراه العمال في أي عمل)) (۲۸) . وهناك ما يشير الى أن أحوال طبقة العمال انما قد تحسنت كثيرا في الدولة الحديثة ، فقد كان عمال الجبانة الملكية في طيبة الغربية يتكونون من مجموعات خاصة من الرجال الذين عاشوا ، وكذا أسلافهم من قبل ، لعدة أجيال مضت فى نفس القرية بجبانة طيبة يعملون في نحت وزخرفة مقابر الفراعين ، اعداد حياة الفرعون الخاصة بعد الموت ، و على أى حال ، كل فرقة تنقسم الى قسمين ، على رأس كل منهما مقدم عمال ، كان يلقب كبير الفرقة أو الجانب ) ، كما كان هناك كاتب يحتفظ بسجل يسجل فيه ما أنجز من العمل ، يكاد الواحد منهم لا يتخلف يوما طوال أيام السنة ، وكانت أعذار التخلف كثيرة كالمرض ولدغة العقرب ، وهناك عدد من العمال كانوا أتقياء ورعين ، كما كان انحراف مزاج الزوجة أو الابنة سببا كافيا ، وأن يكن غريبا ، كما كان العمال يمنحون أجازات في المناسبات الخاصة بالاعياد الكبرى للالهة الرئيسية ، فقد كانو يمنحون من وقت لاخر ، وفى مناسبات خاصة مكافآت من فرعون ، فضلا عن بعض الكماليات الاخرى المتشابهة (٣٠) . وهكذا يمكن القول أن هؤلاء العمال لم يكونوا مسخرين في العمل في المقابر الملكية ، وانما كانوا يعملون لقاء أجر ، ويمنحون المكافآت في المناسبات الرسمية ، فها هو (( سيتي الأول ( من الاسرة التاسعة عشرة يحدثنا عن بعض عماله ، من أن كلا منهم انما كان يتقاضى أربعة أرطال خبز ، وقطعة من اللحم المشوى كل يوم ، لكان عماله يعيشون فى مستوى قد لا يقل كثيرا عن مستوى العمال في العصر الحديث . وربما كان ذلك بسبب الأزمة الاقتصاديية التي كانت تعانيها البلاد ، وربما بسبب عدم أمانة الموظفين ، وان ذهب البعض الى أن السبب انما كان وباء عاما اجتاح البلاد ، مما جعل الحكومة تفشل فى أن تمد عمال دير المدينه بطيبة الغربية وتجمهروا خف معبد تحوتمس الثالث الجنازي ، رغم الموعود بأن أمرا من الفرعون قد صدر باجابة مطالبهم ، ولكنهم فى اليوم الثالث وصلوا الى المعبد نفسه وقضوا الليل في فوضى عند بوابته ثم دخلوا المعبد نفسه . لكنهم لم يخرجوا على النظام ، وكان هجومهم على المكان المقدس ذا أثر فعال ، كما عمل كهنة الرمسيوم على تهدئة الأمور ، افعلوا ذلك لنعيش ) ، وعلمتهم التجربة ألا تثنيهم الترضية الجزئية عن وصولهم الى حقهم كاملا ، وطالبوا بأن تدفع لهم مخصصاتهم عن الشهر الحالى ، وتهدأ الاحوال الى حين ، فاضطر الموظفون الى ضربه ، وعاد العمال الى الثورة من جديد ، وبينما كانوا متجمهرين خلف معبد با آن رع مرى (آمون (معبد مرنبتاح الجنزي ) مر عمدة طيبة الغربية فشكوا اليه حالهم ، فأمر بأن تصرف لهم خمسين غرارة من الحبوب ، غير أن كبير كهنة آمون سرعان ما اتهم العمدة بأنه أخذ قرابين معبد رعمسيس الثاني ليطعم المضربين ، أول ما يعتمد ، كان حظه فى الحياة أقل من حظ غيره ، فهناك خطاب سجله أحد الكتاب الى تلميذ له متحدثا فيه عن نصيب الفلاح من الحياة ، ثم أكل فرس النهر النصف الآخر ، والعصافير تسرق ، فاذا لم تكن هنك حبوب ضربوه وقيدوه وقذفوا به فى القناة فيغرق ، أما أولاده فيربطون ويتركهم جيرانهم ويولون الادبار، وهكذا كان الفلاحون ، كما هم الان ، بادىء فى بدء ، حين شارك هؤلاء سيدهم فى الغنيمة ، أما الفريق الأول فهم يملكون أرضهم ولم يكونوا خاضعين الا لاداء الضريبة المقررة عليها من قبل الدولة ، وأما الفريق المثاني، ولكنه انتقال للذمة ، ذلك لان القوم أنا كانوا جميعا أحرارا ، وأن الرق في جميع العصور الفرعونية لم الأسرى دون سواهم (٢٤) . يمتد إلى أية طائفة من سكان الكنانة ، وانما كان ذلك من نصيب وطبقا المرسوم من عهد الملك ببي الأول» ، فان المعامل الزراعي انما كان يعمل بأجر ، وفى مرسوم آخر ، وهو المرسوم الثالث من مراسيم معبد الاله مين نرى أن الفلاح انما كان يعمل ساعات معينة من المنهار (۳۹) ، وفي ساعات معينة من المهار ، ولا ينصور هذه العلاقة التعاقدية الا اذا كان الفلاح حرا ، وهناك ما يثبت أن الفلاح كان يدفع لصاحب الارض جزءا من المحصول ، وبدهى أن هذا كله انما يشير الى أن المعامل الزراعي لم يكن أبدا مملوكا لصاحب الأرض التي كان يعمل بها ، وان كان هذا لا يمنع من القول بان الفلاحين انما كانوا يعملون ، بأن هؤلاء الاتباع كانوا يستغلون استغلالا سيئا خاليا من الرحمة ، هذا ويروى هيرودوت أن المنيل كان اذا ما أكل جزءا من أرض أحد الفلاحين ) نحر النهر ) فانه يتقدم الى فرعون بأمره هذا ، حتى يرسل لجنة تقرر مقدار ذلك الجزء الضائع حتى يدفع الضرائب على ما تبقى عنده من الاراضي (٤١) ، بعد أن يدفع الضرائب عنها ، وقد تعوضه الدولة عن الخسارة ، وقد تزيد الدولة من نصيبه (ربما عن طريق تقليل الضرائب ( عند ازدياد حاجاته المعيشية ، ولعل ذلك كله انما يشير الى أن الدولة انما كانت تنظر الى المزارع على أنه يقوم بوظيفة اجتماعية ، ومن ثم فهى توجهه الوجهة التي تحقق المصلحة العامة (٤٢) . وكانت أعمال الطوائف الثلاث الأولى مقصورة على التنقل فى الاراضي القاحلة الخالية من السكان طلبا للكلا وبحثا عن صيد (٤٣) . وهكذا كان أفراد الطبقة الدنيا يمثلون الكثرة الساحقة من سكان هذا الوطن، وكانوا من أرقى الطبقات حالا . كما كان طعامهم لا يعدو الخبز والمخضرة فأما لباسهم فكان نقبة من نسيج الكتان يستتر بها الرجل فيغطى بها وسطه إلى أعلى الركبتين ، كما كان لباس المرأة بسيطا أيضا ، فهو عبارة عن ثوب ضيق وبخاصة أسفله ، مصنوع من الكتان الابيض ، يصل من الكتف الى العقبين ، ويثبت فوق الكتف بشريطين من النسيج نفسه ولم يكن للفلاحين من الحرية ما لغيرهم من الطبقات الأخرى . وانمما كانوا يعملون في مواسم الزرع ، حتى اذا ما جاء الفيضان وهلات المياه الاحواض وتوقفت أعمال الزراعة ، حشدت الحكومة جيوشا من هؤلاء المفلاحين للعمل في المحاجر والمناجم وأعمال البناء وجميع المشروعات الحيوية العمرانية العامة ، أو أعمال الرى ، وبرغم ما يسود هذا النظام من عيوب ، فقد كان من مزاياه أنه جعل الشعب عاملا قويا دؤبا ، لا يعرف الملل ولا يركن إلى الراحة التي تدفع للناس عللا اجتماعية وبدنية ، تلك كانت طبقات المجتمع المصرى القديم ، لا تكاد تحملنا على أن تجعل ذلك المجتمع طبقيا ، كما تعنى هذه الكلمة تماما ، أما في مصر فبالرغم من أن الابن كان يزاول مهنة أبيه في أغلب الأحايين ، وقد يصعد الى أعلى الوظائف ، أو بمعنى آخر لم تكن هناك حدود فاصلة تماما بين الطبقات ،