سلسلة سورة آل عمران (1 - 4)دروس من هدي القرآن الكريم الدرس الأول{إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي بتاريخ: 8/1/2002م اليمن - صعدة بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعَالَمِينَ وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ}(آل عمران:100- 109). يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} خطاب للمؤمنين كمؤمنين وباسم الإيمان الذي يحملونه وينطقون به ويقرون به، أنتم كمؤمنين وترون أنفسكم مؤمنين {إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} فريقاً منهم، وهو الفريق الذي يتحدث عنه القرآن الكريم بصورة خاصة - لأن القرآن الكريم كان حديثه حتى وهو يلتزم جانب العدل, ويتحدث عن الواقع - كان حديثه بالنسبة لأهل الكتاب هو أنه لا ينسى فريقاً آخر كان ما يزال ملتزماً، كان ما يزال فريقاً يمثل الخير في كل أعماله. {فريقاً من أهل الكتاب} أهل الكتاب هـم: اليهود والنصارى، ويدخلون في صراع معهم هـم - خاصة في بدايات فترة المدينة بعدما هاجر الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) إلى المدينة - هم يهود. كان من حول المدينة يهود في [خيبر]، على الرغم من أن الله قد ضرب بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة، لكنهم بالنسبة لنا يمكن أن يتشكلوا فريقاً واحداً. أهل الكتاب] هو اسم يطلق على اليهود والنصارى، اليهود والنصارى اجتمعت كلمتهم علينا، أليس هذا الذي حصل؟ على الرغم مما حصل بينهم, وعلى الرغم مما قد حصل فيما بينهم في هذا العصر مما يُوغِر الصدور أكثر، كما حصل في [الحرب العالمية الأولى]، وكما حصل لليهود في مختلف مناطق العالم، وكما يقال - إن كان صحيحاً تاريخيا ً- ما حدث لهم في ألمانيا على يد [النّازِيّة] في [ألمانيا] في أيام [هِتْلَر] على الرغم من ذلك كله اجتمعت كلمتهم علينا، وأصبحوا جميعاً يعملون سوياً في مجال أن يردوا الأمة بعد إيمانها كافرة، أن يردوا المؤمنين كافرين بعد إيمانهم. الآية تحكي حالة قائمة وستبقى قائمة، ومن يقرأها في أيام رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، وفي فترات من بعد موت الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) يتبادر إلى ذهنه أولئك اليهود الذين كانوا في المدينة وخارج المدينة، أولئك اليهود كانوا بالنسبة لهؤلاء الذين في عصرنا يُعدَّون [بدو] يعدَّون [بدو]، وإذا كان أولئك اليهود الذين يتبادر إلى ذهن من يقرأ هذه الآية في فترة نزولها وما بعد نزولها في القرون الأولى من تاريخ الأمة هذه، يتبادر إلى ذهنه أولئك اليهود الذين كانوا حول المدينة، أولئك الذين يُعدّون بالنسبة ليهود اليوم [بدو] أغبياء، إمكانيات رهيبة اقتصادية وإعلامية. ولكن كيف؟ كانت تلك النوعية - الذين هم بدو بالنسبة لهؤلاء - كان فيهم ما يكفي فعلاً من الخطورة البالغة لدرجة أنهم من الممكن أن يصلوا بالمؤمنين من هم في زمن الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله)، والرسول بين أظهرهم والقرآن يتلى عليهم أن يردوهم بعد إيمانهم كافرين {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} ما هذه حالة رهيبة؟ يقلب الأمة, ولن يكون فقط أنه مجرد التضليل الذي يصل بك إلى درجة الكفر من حيث لا تشعر، أو التضليل الذي يأتي من قبلهم وأنت لا تشعر أنه من قبلهم ولو شعرت أنه من قِبَلهم لتمردت عليه. هم يستطيعون أن يصلوا بالأمة إلى درجة أن تلمس أن هذا هو من قِبَلهم هم اليهود، هم يستطيعون أن يصلوا بالأمة إلى أن تطيعهم هم، وهم بكامل مشاعرهم يعرفون أن هذا من قِبَل اليهود، ولهذا جاء بالضمير {إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاًْْ} تطيعوا فريقاً {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}. توحي الآية: بأن اليهود وهم دائماً في كل أعمالهم يلحظون جانب التكلفة؛ المال ينظرون إليه كسلاح مهم جداً، لكنه لديهم أيضاً له مكانة كبيرة لديهم، فهم معروفون بالبخل والحرص؛ لشدة نَهَمِهِم بالمال وجَشَعِهم عليه، فهم يلحظون أيضاً في جانب التضليل هو التكلفة، أن يضل الأمة وبتكلفة أقل، لا يريد أن يخسر كثيراً في تحويل الأمة إلى ضالة، لا يريد أن يخسر كثيراً وهو أيضاً يتحرك لضرب الأمة حتى ولو عسكرياً. فما هي أقرب الوسائل إلى أن يجعلوا الناس كافرين بعد إيمانهم، ضالين بعد هداهم، نفوسهم مسالمة بعد إبائهم؟ هو أن يصلوا بالمجتمع إلى درجة الطاعة. من يتأمل في أعمال اليهود هم كانوا يلحظون هذا الجانب، يلحظ وبخطوات متأنية وخطط دقيقة وحبة حبة إلى أن يصل بالأمة إلى أن تطيعهم، بل أن يتحول الناس إلى دعاة لطاعتهم، بعد مَنَعَتِها مقهورة وبتكلفة أقل، الشعور الذي لا يحصل عند أي شخص منا وهو يتشاجر مع الآخر ويتخاصم معه عند الحاكم، ما كل واحد سيفتح [الشمطة]؟ كل واحد سيفتح [الشمطة] ولو فيها خمسين ألف سعودي, مائة ألف سعودي يقرِّحها في رأس خصمه. ليس لدينا هذا الحس في مقام الخصومة في ما بيننا هو أن أتشاجر معك ولو من منطلق أن أحاول أن أحصل على حكم شرعي وبالطرق الصحيحة عليك، لكن أريد أن يكون بتكلفة أقل، فأصبحنا لا نمتلك - تقريباً - عقولا حتى في الصراع فيما بيننا ناهيك عن الصراع مع هؤلاء الدُّهاة، ثم لماذا يحرصون أن يردوكم بعد إيمانكم كافرين؟ لماذا لا تتجه أذهانهم إلى مشاعر السيطرة وقهر الأمة واستعباد الأمة بعيداً عن مسألة التكفير والتضليل؟ بعيداً عن مسألة أن يردونا عقائدياً في أفكارنا في ثقافتنا في مواقفنا كافرين؟ أي هم هم يحرصون على أن يروك كافراً، نحن قلنا: اليهود لديهم [خِبرَة دينية]، ماذا يعني خبرة دينية؟ هم يعرفون أن هذا الدين حق، ويعرفون أن المؤمنين متى أصبحوا مؤمنين لا يمكن أن يقهروهم، لا يمكن أن يقهروهم أبداً متى ما أصبح الناس مؤمنين حقاً. فمن منطلق البحث عن تَدْجِين الأمة وبتكلفة أقل، تصور قد يقال - بالعقلية العربية عقلية صدام ونحوه - : [القهر, بالدبابات والطائرات والقنابل النووية ما دام لدينا قنابل نووية فلندمر الأمة هذه]. ما هذه هي عقلية عربية لدينا؟. إنفجار كبير على الأمة وقهرنا أبوهم وطَحَسْنَا أبوهم، لكن كم تطلع التكلفة؟ تطلع مليارات الدولارات. آثارها سيئة جداً على اقتصادهم، والاقتصاد هو صمام مُهم في ميدان المواجهة. وهم يفهمون حتى لو انطلقوا بهذا المنطلق، من منطلق القوة القاهرة والناس ما يزالون مؤمنين فلن يستطيعوا أيضاً أن يقهروا المؤمنين. هل تعرفون هذه والاّ لا؟ مؤمنون بالله وكان يأتي منهم أنبياء كثير، ولديهم [خِبرة دينية] لديهم تاريخ آلاف السنين, عرفوا أحداثا كثيرة في مقام الصراع فيما بينهم وبين الآخرين، ومتى ما حظيت بنصر الله وتأييده فلن يقهرها شيء. حصل درس لديهم هم في قصة [طالوت وجالوت] التي نقرأها في القرآن: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ}(البقرة: من الآية251) بإذن الله. إذاً فكيف نعمل بالبشر حتى نقهرهم وخاصة هؤلاء المسلمين؟ كيف نعمل؟ أليسوا الآن يمتلكون [قنابل نووية] و[قنابل ذرية]؟ أليسوا هم من يمتلكون الصواريخ بعيدة المدى؟. يدمدمونا أولاً من الداخل فيفصلون فيما بيننا وبين الله، فمتى ما فصلوا فيما بيننا وبين الله وأصبحنا بعيدين عن أن نحظى بنصر الله. بل هم يفهمون بأنه أيضاً من الممكن أن يتحول الله إلى طرف آخر يضرب معهم هؤلاء - وهذا ما توحي به الآيات فعلاً - أنهم هم من جهة يضربون والله من جهة أخرى أيضاً سيضرب. والله سبحانه وتعالى من منطلق الغضب على هؤلاء؛ لأنهم لم يكونوا جديرين بأن يحظوا بنصره، وهم برزوا في الساحة باسمه وممثلون كطرف عنه، أليسوا هم من يسمون أنفسهم جند الله؟ إذاً فأنتم سُبّه إن لم تهتدوا بهديي، إن لم تلتزموا بنهجي وهديي فستصبحون جديرين بأن تُذلوا، لماذا؟ لأن المسؤولية علينا أكثر وموقفنا أيضاً بالنسبة للبشرية عامة هو أخطر. لماذا؟ الأمة هذه العربية لو نهضت إسلامياً على هدي الله، أما كان من الممكن أن تهتدي البشرية كلها على يديها؟ أما كان من الممكن أن يسود العالم كله دين الله؟. أما كان من الممكن أن يسود العرب هم العالم هذا؟ أما كان من الممكن أن يسود الصلاح العالم هذا. فكل ما رأيناه في هذا العالم، العرب بتخليهم عن دين الله وعن هدي الله يمثلون عاملاً أساسياً فيه، أنت - بانصرافك عن هديي بانصرافك عن نهجي، بانصرافك عن أعلام الدين - أنت الذي أضعت ديني، لأن الله سبحانه وتعالى يهمه أمر عباده جميعاً، - كما اقتضت سنته - عن طريق بعض عباده، إذا لم يتحمل هذا البعض المسؤولية فإنه هو من يجني على البشرية كاملاً، أليس صحيحاً لو أن العرب هم من التزموا بالدين فإن الله قد وعد بأن يظهره على الدين كله؟ وأمرهم أن يقاتلوا حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله. يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} حينئذٍ عندما تصبح كافراً، يصبح من السهل على اليهود أن يضربوك؛ وستكون في نفس الوقت بدلاً من أن تكون محط عناية الله وتأييده تصبح محط ومحل غضب الله - ونعوذ بالله من غضبه - وإذلاله وتعذيبه. هل من المحتمل أن يحصل هذا؟ الآية توحي فعلاً، وتسمى آيات الله حقائق {إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ}(آل عمران: من الآية101) هذا الاستنكار يعني أن موقفكم هو مما يثير الاستغراب فعلاً، وبمجرد تلاوتها ناهيك عن فهم معانيها، وفهم أعماقها وفهم ما توحي به، فإن مجرد تلاوتها وسماعها فيه ما يكفي للهداية. وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ}(آل عمران: من الآية101) آيات الله, وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ}(آل عمران: من الآية101) آيات الله ربكم، آياته ليست صحفاً [صحيفة الحياة] أو [صحيفة الشرق الأوسط] آيات هي من قِبَل من؟ من قِبَل الله الذي هو ربكم، ممكن يقول: وأنتم تتلى عليكم صحيفة كذا، فتقول: لكن هذا الرجل أو هذا الكاتب أو هذه الصحيفة لا يهمها أمرنا، وإن أدت نصائح فليست بالمستوى الذي يهمها أمرنا لدرجة عالية. لكن أما الله سبحانه وتعالى هو رحمن رحيم، وجاءت (بسم الله الرحمن الرحيم) في كل سورة تؤكد أنما يتلوه على الناس من آياته، وما يشرّعه لهم هو كله من منطلق أنه رحيم بهم ورحمن بهم. {وَفِيكُمْ رَسُولُهُ} إضافة إلى القرآن وفيكم رسوله, رسوله] ألم تأت كلها مضافة إلى الله؟ هو عندما يرسل رسولاً هو يصطفي رسلاً من نوعية معينة، يصطفي رسلاً لا يأتون إلى البشرية ليتحكموا عليها من منطلق الجبروت والهيمنة والاهتمام بالمصالح الخاصة، رسلاً يصطفيهم الله سبحانه وتعالى رحمةً للعالمين، لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ}(التوبة:128). هذا الرسول الذي قال: {وَفِيكُمْ رَسُولُهُ} وليس رسول كسرى، هل نقول بأنه فعلا قد لا يكون هناك أنه حصل حالة كفر؟ بل حصلت {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ}(الحشر: من الآية11) ألم يحصل هذا؟. المنافقون أليسوا من وسط المؤمنين؟ من وسط المجتمع الذي كان يتلى فيه آيات الله وفيه رسول الله؟ إخوانهم أصبحوا يشعرون بمشاعر الأخوة نحوهم وأصبحوا كمثلهم وشأنهم شأنهم، أناس يمكن أن يكفروا وهم في نفس الوقت تتلى عليهم آيات الله وفيهم رسوله، هل هناك أحط مستوى من هذا النوع؟. ولا حتى الأنعام ليست أحط مستوى ممن يمكن أن يكفر بطاعته لليهود، وهو يعلم أن اليهود أعداء لدينه، لكن لاحظ يبدو في المجتمع أيضاً من هم أسوء من هؤلاء. ومعظم المنافقين ما كانوا كافرين بمعنى منكرين للقرآن أو منكرين للرسول. مؤمنون بأن هذا هو القرآن وأن هذا هو رسول الله لكنهم ينطلقون منطلقات أخرى بسبب قلة وعيهم، وبسبب جهلهم بالله سبحانه وتعالى, جهلهم بمعرفة الله بالشكل الذي كان يمكن أن يخلق في نفوسهم خشية، ثم تلاحظ هؤلاء المنافقين هم أنفسهم ألم يكونوا يشكلون خطورة في ذلك المجتمع الذي كان فيه الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله)؟. فأصبحوا هم من كانوا يؤثِّرون على الكثير فلا ينفق الكثير، فلا يخرج مع رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) ويتخلف عن الجهاد معه. تأتي حملة رهيبة في القرآن الكريم على المنافقين؛ وكثيري التأثير في أوساط المجتمع الذي فيه آيات الله وفيه رسوله، هل لأنهم يشتغلوا في أوساط الكافرين؟ أو أنهم كانوا يشتغلوا في أوساط المؤمنين أنفسهم؟ في أوساط المسلمين فيجعلونهم يتخلفون عن رسول الله ولا يهتمون بمقام رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، ولا يخرجون للجهاد معه إلا متثاقلين، رجع عبد الله بن أُبَيّ بكم؟ بثلاثمائة رجل عندما خرج رسول الله إلى غزوة [أحد] استطاع أن يرجع بثلاث مائة إلى المدينة ويتخلفوا عن رسول الله ثلاثمائة!. من يتأثر بمنافق عربي. منافق عربي وآيات الله تتلى عليه وفيه رسوله، سيعبد يهودياً وليس فقط سيتأثر بيهودي، سيتحول إلى كافر على يد يهودي، وسيرى نفسه في يوم من الأيام يـعبد اليهودي كعبادة الناس للشيطان؛ لأن المنافق العربي هو أقل دهاء من اليهود، فإذا كان منافقون عرب من أهل المدينة وممن حول المدينة هم قد يكونون من تأثروا تأثيراً بسيطاً باليهود فأصبحوا منافقين مزعجين، فأصبحوا مؤثرين فالمجتمع الذي يتأثر بالمنافق العربي البدوي سيتأثر باليهودي فيتحول إلى كافر، اليهودي الذي يمتلك تاريخاً من الخبرة قوامه أكثر من ثلاثة آلاف سنة، ويعرف هذا الدين أكثر مما يعرفه المنافق العربي. لو تلاحظوا حتى فعلاً منافقي العرب في زماننا ألم يتحولوا إلى خدام لليهود؟ وعن بُعْد يشغلوهم [بالريموت]، إذاً فتأتي الآية هي فعلاً تحكي أن هناك وضعية خطيرة حتى على الرغم من وجود النبي ووجود القرآن {إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}(آل عمران:100) وهل هناك أبعد من الكفر؟. وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ} لا حظ كأنه يحكي بأنه قد حصل منهم، أحياناً عندما تكون حالة الإنسان أو حالة المجتمع مهيأة لأن تسودها ظاهرة معينة يصح أن يُحكى عنها وكأنها قد وقعت. {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ}(آل عمران: من الآية101) هنا قد نضل بمنافق عربي متأثر بيهودي بدوي. وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ}(آل عمران: من الآية101) توحي الآية بأنه أيضاً: لا بد من هداية الله على هذا النحو، وأن الأمة تحتاج إلى هدي من الله بشكل كتب وإلى أعلام للهدى قائمة، تحتاج إلى أعلام للهدى قائمة. لم يقل: {وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ}(آل عمران: من الآية101)، ويحمل هدي القرآن - والقرآن هو يتنزل في تلك الأيام آية، آية, يتحرك بينهم، يكفر بطاعة فريق من أهل الكتاب!. وأولئك اليهود كانوا أقل دهاء وأقل خبثاً، بل كانوا فعلاً يعدون [بدواً] بالنسبة ليهود اليوم، والكتاب هو كتاب للعالمين إلى آخر أيام الدنيا، والرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) هو رسول للأمة إلى آخر أيام الدنيا، والقرآن هنا ينص على أن الأمة بحاجة إلى القرآن, وبحاجة إلى عَلَم يتجسد فيه القرآن هو امتداد للرسول (صلوات الله عليه وعلى آله)، ووارث للرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) في كل عصر من العصور. ويرشدون الأمة بالقرآن، أم أن الله لم يهتم بالأمة هذه؟!. فكتاب ورسول هو سيد الرسل لمجموعة من البشر في زمن محدود ثم يقول هذا الدين هو كله للعالمين، ثم لا يضع حلاً للمسألة!!. الحل هو نفس الحل: لا بد للأمة من أعلام تلتف حولها، هم أهل بيت رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله). وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ}(آل عمران: من الآية101) هذه آيات الله هي قائمة فينا، أم أنه ليس هناك إشكالية؟ هذه نقطة مهمة. [حسبنا كتاب الله]، يحتاج. هذه عبارة ليست مؤدبة - لكن نقول الأمة تحتاج إلى من يهديها به، تحتاج إلى من يجسد قيمه، الأمة تحتاج إلى هذا. بل ضلت ولم تهتد بالقرآن، فضلت عن القرآن، وبدلاً من أن يكون لها أعلام حق وأعلام هدى يبرز لها أعلام شر وضلال على امتداد تاريخها، ما أسوأ أن تتعبد الله بضلال؛ لا يليق بك أن تقصر في طاعته بالحق الذي هو حق صريح، أما أن تتعبده بضلال فهذا شيء لا يليق بالله إطلاقاً، ثم إن الضلال يتجه نحو من هو شر، أن أتعبد الله بأن هذا هو عَلَم من أعلامه، هو نفسه ممن ضرب الأمة وأهان الأمة، هو نفسه ممن يحمل الباطل من قمة رأسه إلى أخْمص قدميه، معنى ذلك أنه إن كان الله شراً، وكان الله ناقصاً فيمكن أن يكون هذا علم من أعلامه فأنت تدنس مقام الله, تدنس الله - إن صح التعبير - أن تتعبده بتولي هذا؛ لأن هذا لا يليق بأن يكون فيما بينك وبينه، لا يمكن. لكن تصبح المسألة إلى هذه الدرجة: أن يتعبدوا الله بالضلال فيتولى ذلك الشخص ويصلي عليه كما يصلي على آل محمد، لها معاني سامية جداً، ولها - فيما توحي به - معاني مهمة جداً؛ وفلان [أجمعين]. إذاً فالأمة تحتاج في تاريخها إلى القرآن - وهو قائم بين أظهرنا - لكن ((رسوله)) هل كان رسوله لتلك الفترة إذاً فنحن يا الله لماذا تضيعنا؟ فترة قصيرة هي خمسة وعشرين سنة أو ثلاثة وعشرين سنة تؤتي أهلها وهم لا يتجاوزون آلافاً معدودة, تعطيهم رسول هو سيد الأنبياء والرسل، ولا تجعل لنا أعلاما، ولا ترشدنا إلى أعلام، يقومون فينا خلفاء لرسولك (صلواتك وسلامك عليه)، يهدون الناس بهديه ويجسدون قيمه ومبادئه ويسيرون بالناس سيرته فيلتف الناس حولهم!!. لا يجوز هذا على الله إطلاقاً، لا يجوز على الله وإلا كان منافياً لرحمته، ونحن من نقرأ في كتابه: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}(الفاتحة:1- 2). {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ألم} {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ حم} ما كلها في بدايتها {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}؟. وكلمة [رحمن رحيم] فيما تعنيه جملةً المبالغة في الرحمة، كما تقول: [الأخ العالم العلامة]، ألسنا نقول هكذا في رسائلنا: العالم العلامة؟، [عالم وعلامة] اشتقاقها واحد. وضل المفسرون في معنى رحيم بمن؟ ورحمن بمن؟ رحيم في الدنيا ورحمن في الآخرة، في التعبير عن رحمته بنا. رحمن رحيم] عبارة واحدة تنظر إليها كعبارة واحدة، وكأنه يقول هكذا. فأين رحمته - إن جَوّزنا عليه هذا - إن جوزنا عليه أن يهتم بسكان منطقة الجزيرة العربية خلال فترة ثلاثة وعشرين سنة، وأمام يهود مساكين مستضعفين [بدو]، لم يكونوا على هذه الخطورة العالية، ثم يموت نبيه فيغلق ملف هدايته ورحمته ولطفه، ثم يقول: هناك الجنة وهناك جهنم، ولا يجوز أن نعتقده، بدليل أن الأمة في واقعها بطبيعتها لا يمكن أن تتخلى عن هذا، ولن تتخلى، لا تستطيع, أليس هذا الذي يحصل؟.