تمهيد في ظل التطورات الجديدة التي شهدتها الإدارة خلال الآونة الأخيرة وبهدف حماية الحقوق والحريات الأساسية للأفراد، أقـــر المؤسس الدستوري الجزائري تغييرات مهمة وجوهرية مست معظم أحكام قواعد القانون الإداري، ومن بين التعديلات التي تضمنها دستور2020 دسترته للمبادئ العامة التي تحكم سير المرفق العام من خلال استحداث مبادئ حديثة لسيرها (المبحث الأول) إضافة الى إعادة هيكلة القضاء الاداري وتجسيده في المحكمة الإدارية للاستئناف (المبحث الثاني). المبحث الأول: دسترة مبادئ المرفق العام نتيجة التطور المستمر للمرفق العام واتساع نشاطه أدى الى بروز عدة ظواهر كالفساد الإداري والمحسوبية وبهدف القضاء على المظاهر المشينة المرتبطة بتسيير المرفق العام والتنظيم السيئ له، هذه الأخيرة نصت عليها المادة 27 من دستور 2020 " تضمن المرافق العمومية لكل مرتفق التساوي في الحصول على الخدمات، وبدون تمييز. تقوم المرافق العمومية عل مبادئ الاستمرارية والتكيف المستمر والتغطية المنصفة للتراب الوطني وعند الاقتضاء ضمان حد ادني للخدمة". ووفق ما سبق سيتم التطرق في (المطلب الأول) الى مبدأ الشفافية والحياد في سير المرفق العام في (المطلب الأول) وإلى مبدأ الجودة والإنصاف في تقديم الخدمات للمرفق العام (المطلب الثاني). الفصل الثاني مظاهر دسترة قواعد القانون الإداري المطلب الأول: مبدأ الشفافية والحياد في سير المرفق العام يعد مبدأي الشفافية والحياد من أهم المبادئ التي تحكم سير المرفق العام ولهما دور في توطيد العلاقة بين الإدارة والمواطن، فمبدأ الشفافية يؤدي الى تعزيز الثقة بين الإدارة والمواطن (الفرع الأول) ومبدأ حياد الإدارة ضمانة لمبدأ المساواة (الفرع الأول). الفرع الأول: مبدا الشفافية في سير المرفق العام . أولا: مفهوم مبدأ الشفافية . لقد تم تبني عدة مفاهيم لمبدأ الشفافية فهي حرية تدفق المعلومات بأوسع مفاهيمها، أي توفير المعلومات والعمل بطريقة منفتحة تسمح لأصحاب الشأن بالحصول على المعلومات الضرورية للحفاظ على مصالحهم، واتخاذ القرارات المناسبة في الزمن المناسب واكتشاف الأخطاء . في حين يعرفها الدكتور سامي الطوخي: «بأنها التزام الإدارة بإشراك المواطنين في إدارة الشؤون العامة التي تمارسها لصالح ولحساب المواطنين، مع التزام كافة الاجراءات والتدابير التي تضمن تزويد المواطنين بالبيانات والمعلومات عن كافة خططها وانشطتها واعمالها ومشروعاتها وموازناتها ومداولاتها، وإعلان الأسباب الواقعية والقانونية الدافعة لها، وتوضيح طرق وإجراءات مساءلة الإدارة عن أوجه القصور والمخالفة، وإقرار حقا عاما بالاطلاع والوصول غير المكلف لمعلومات ووثائق الإدارة كأصل عام. الفصل الثاني مظاهر دسترة قواعد القانون الإداري ولمبدأ الشفافية أهمية كبيرة تتجلى فيما يلي: -تحقيق الديمقراطية الإدارية والتي تعني إمكانية مساءلة ومحاسبة المواطنين للمسؤولين، ولا يمكن إعمال آليات محاسبة و مساءلة الادارة الا من خلال إخضاع أنشطتها وأعمالها للشفافية للتمييز بين الأعمال المطابقة لمبدأ المشروعية والأعمال التي تشكل انحرافا عن المصلحة العامة . -يعزز آليات الاتصال بين الإدارة والمواطن بما يحقق انفتاح الإدارة على المواطن وبمثابة ضمانة للمواطنين عن كيفية سيرها وعملها . - مشاركة المواطنين في اتخاذ القرارات الإدارية، الامر الذي يساعد على زيادة الوعي الشعبي وتدعيم أسس الرقابة الشعبية على مختلف الأجهزة الادارية . ثانيا : تطبيقات مبدأ الشفافية تم تكريس مبدا الشفافية ضمن التعديل الدستوري لسنة 2020 بموجب المادة 09فقرة05 والذي يعتبر من ابرز الأهداف الدستورية الكبرى التي تسعى إليها مؤسسات الدولة، إضافة الى تعزيز هذا المبدأ بآليات دستورية أخرى تجعله مجسدا على ارض الواقع من خلال استحداث سلطة رقابية دستورية تتمثل في السلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته ضمن نص المادتين 205، 204 من التعديل الدستوري الأخير . إضافة الى المادة 54 منه والتي تنص على ان "حرية الصحافة، مضمونة. وتتضمن حرية الصحافة على وجه الخصوص حرية تعبير وإبداع الصحفيين ومتعاوني الصحافة، وحق الصحفي في الوصول إلى مصادر المعلومات في إطار احترام القانون، .. " تشمل هذه الحريات حق الإعلام بمفهومه العام أي حق المواطن بالحصول على المعلومة عبر وسائل الإعلام المختلفة سواء مكتوبة أو سمعية الذين هم نتيجة منطقية لمبدا الشفافية لأنه من التزامات الإدارة تعريف المواطنين بحقوقهم وواجباهم، و ذلك بالكشف عن نشاطاتها و أعمالها و تبلغيها للمواطنين و حق الحصول على القرارات و المداولات و الإحصائيات و غريها من الوثائق الإدارية التي من شانها إبلاغ المواطن. المادة 55 منه فقد نصت أيضا على انه" يتمتع كل مواطن بالحق في الـوصول إلى المعلومات والوثائق والإحصائيات، والحصول عليها وتداولها. الفصل الثاني مظاهر دسترة قواعد القانون الإداري اما من جانب تعرض بعض النصوص التنظيمية لهذا المبدأ فان تكريسه يظهر بوضوح ضمن أشهر النصوص المتعلق بمسالة علاقة الإدارة بالمواطن الا وهو المرسوم 88/131 اذ نصت المادة 08 منه على انه: «يتعين على الإدارة ان تطلع المواطنين على التنظيمات والتدابير التي تسطرها وينبغي في هذا الإطار ان تستعمل وتطور أي سند مناسب للنشر والاعلام "وفي نفس السياق أكدت المادة 09 على إلزام الإدارة بنشر التعليمات والمناشير والمذكرات والآراء التي تهم علاقاتها مع المواطنين، من خلال النشرة الرسمية للإدارة المعنية ما لم يقرر النشر صراحة في الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية . في حين تناولت المادة 10من نفس المرسوم على انه يمكن للمواطنين الإطلاع على الوثائق والمعلومات الإدارية سواء عن طريق الاستشارة المجانية في عين المكان ، او تسليم نسخة منها على نفقة الطالب ، بشرط عدم الإضرار بالوثيقة والمحافظة عليها ، دون ان يحول إيداع الوثائق في دائرة المحفوظات من إطلاع الجمهور عليها، مادامت هذه الوثائق قابلة في الأصل للإطلاع عليها . وفي الشأن ذاته تم تبني مبدا الشفافية في قانون 11/10 المتعلق بقانون البلدية في نص المادة 11 باتخاذ كل التدابير لإعلام المواطنين بشؤونهم واستشاراتهم حول خيارات واوليات التهيئة والتنمية بالإضافة الى إمكانية تقديم عرض عن نشاطه السنوي امام المواطنين ، وبالتالي يمثل إعلام المواطنين من المجلس الشعبي البلدي احد أوجه تكريس الشفافية الإدارية وضمانا للحق في الحصول على المعلومة من اجل معرفة الشأن المحلي عل المستوى البلدي ، إلى جانب ذلك فقد نصت المادة 26 من قانون 11/10 المتعلق بالبلدية على علانية جلسات المجلس الشعبي البلدي وبالتالي فهي تطبيق حقيقي لمفهوم الشفافية على مستوى البلدية ذلك أن إعلام المواطنين الفصل الثاني مظاهر دسترة قواعد القانون الإداري واشراكهم في الحياة العامة المحلية يجعلهم أقرب الى الإدارة التي تقوم بتلبية حاجياتهم المحلية، وهي احدى مؤشرات الشفافية والوضوح في مداولات المجلس الشعبي البلدي. يمكن لكل شخص ذي مصلحة الحصول على نسخة منها او جزئية على وقد أحال المشرع الى التنظيم لتحديد كيفيات تطبيق نص المادة فصدر المرسوم التنفيذي رقم16 -190 المحدد كيفيات الاطلاع على مداولات المجلس الشعبي البلدي وقرارات البلدية . لم يقتصر الامر على قانون البلدية فقط بل تم النص على هذا المبدأ ايضا في قانون الولاية رقم12 -07 من خلال نص المادة 32 المتعلقة بحق المواطن في الاطلاع على مداولات المجلس الشعبي الولائي مع إمكانية الحصول على نسخة كاملة او جزئية منها على نفقته مع وجود بعض القيود التي على حق المواطن في الحصول على الوثائق الإدارية . إضافة الى ذلك ولتكريس حق الاعلام تضمن قانون الولاية في مادته 19 على الزامية تعليق جدول اعمال اجتماع المجلس الشعبي الولائي في أماكن الالصاق المخصصة للإعلام الجمهور ولا سيما الالكترونية منها وفي مقر البلدية والولايات التابعة لها وعند مدخل قاعة المداولات،