بهذه المقولة المركّزة الشاملة الواضحة للشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، تجتمع الأزمنة الثلاثة على سطح واحد، أو مساحات خالية بما يؤدي إلى خلل في التواصل. ومن هذا القبس القيادي نستضيء في مقاربة التراث في الفكر النيّر للشيخ زايد، والإرث يختص بالأجيال اللاحقة للإفادة منه، بمعنى ما يتركه الأسلاف للأحفاد، وكذلك سِيَر الشخصيات والأحداث والوقائع التي مرت بها الأمة في الماضي. وهي صورة ناطقة بما امتلأت به من الأفعال والأقوال، بما شكّل لديه خبرات ثرّة وثريّة أضاء عليها من تكوينه ووعيه، تحتاج إلى خلاصات غنية سابقة، ولكن من حيث الكيفية التي يتوجه بها العقل والفكر إلى حل المعضلات المعاصرة، لأنها تشكل دافعاً قوياً للاستمرار في ظروف وإمكانات هي أفضل بما لا يقاس مع ظروف وإمكانات المجتمع والضغوط القاسية التي تعرض لها في الماضي واستطاع حلها والتغلب عليها. من هذه الدلالات الغنية في فكر الشيخ زايد يتبلور على نحو واضح وعميق أن التراث هو ذاكرة الأمة، بمعنى الاكتناز غير القابل للاندثار، عندما تكون مجسّات المجتمع من الوعي والحساسية العالية بمكان، بحيث تستطيع تلمّس ما يعينها من مثابات أثبتت نجاعتها في وقوف المجتمع على أرضية صلبة، يضاف إلى الثقافة العامة، إنما تشخيص سليم قابل للتطبيق مستنداً إلى هذا التشخيص العلمي والموضوعي، : «على شعبنا ألا ينسى ماضيه، وكلما أحسّ الناس بماضيهم أكثر، ومن هذا المنظور الصافي في رؤية الشيخ زايد فإن التراث يشكّل هوية المجتمع، ليس تعريفاً به فقط، بل لكونه وجوداً متحققاً بإنجازات مازالت شاخصة تجعله جديراً بأن يمتد عبر الأجيال وصولاً إلى الحاضر، وباعتباره خلاصة سيكولوجية وسلوكية لإيقاع حياة كاملة، مازالت تجد حيزها المؤثر في اللُحمة الاجتماعية تجمعها وتضخ فيها طاقة مضافة، وبهذا الفهم الواعي أخرج الشيخ زايد التراث من صمت بطون الكتب وأغلفة الدراسات وتوصيات وهوامش المحاضرات والمؤتمرات، مع الاحتفاظ بأهميتها الأرشيفية التدوينية، في المساحات التي تتناسب مع كل تفصيل من تفاصيله، ثم ليعاد حفظ التراث بما وصل إليه العلم والتكنولوجيا في عصرنا الحالي، وتبقيه عند الدرجة التي وصل بها إلى الحاضر. وهنا تأخذ الهوية معنى الاستحقاق في الحضور في الزمان، وهو استحقاق يفرضه تنوع التراث الإماراتي وخصوصيته، من هذه المصفوفة العميقة والشفافة من بعض تفاصيل ومقولات الشيخ زايد في التراث وعنه، من أجل استلهام التراث لإرساء أسس المستقبل، انطلاقاً من قدرته القيادية الفذة على توصيل الماضي بالآتي، مع إدراكه أن الماضي والمستقبل لا يلتقيان معاً بالتتابع، ثم يستكمل شروطه ليعبر إلى المستقبل، بما لا يثلم من مكوناته وملامحه. وتتفاعل بحيوية مع احتفاظ كل منها بخصوصيته وشروطه، أي يبقى كل زمن قائماً بذاته، بل ينفتح على الآخر بأواصر متجانسة ومتواصلة، ما يشكّل تناغماً تاريخياً تنصهر فيه الأزمنة وتنتج مناخات متنافذة تساعد على البناء والإبداع والتقدم والتطور في مجالات الحياة كافة، على ضرورة ووجوب الاعتزاز به، فمثلما كان يحرص على بناء جيل جديد له القدرة على تحمّل مسؤولية وتأدية واجبه في تطوير بناء الوطن وتقدمه، مع احتفاظه بعاداته وتقاليده وثوابته الأصيلة، فإنه قبل ذلك تحمّل المسؤولية الاستثنائية في بناء الاتحاد وقيام دولة الإمارات. وصعوبة توفيرها بالحجم والأثر المطلوبين، إلا أن عزيمة وإصرار الشيخ زايد على تحقيق كل تلك الآمال، أحدثا الفرق الذي ارتقى إلى أعلى قمم التاريخ، وهو مستوى فريد قلّ أن نجد له نظيراً من قبل، حتى بالنسبة إلى بعض المجتمعات التي قطعت أشواطاً بعيدة في مضمار التطور. وهكذا جمع الشيخ زايد بعبقريته القيادية ممكنات الأزمنة الثلاثة، وكان الحاضر هو الامتحان والبرهان والمحك الأساسي الذي هيأ ممكنات الانسجام وتوجيهها إلى بلوغ الأهداف الغالية السامية، وكان عملنا مركزاً حالياً على تطوير وتنمية قوانا البشرية وعلى الاهتمام بالخدمات الاجتماعية في مجال التعليم والصحة وإعداد الأجيال التي تتحمّل مسؤولية المستقبل، فنحن نهتم بالتحضير للمستقبل لتذليل كل العقبات مهما كانت»، وهي عقبات كانت من الصعوبة بمكان، بحيث كانت تبدو عصية على التغلب عليها، مازالت حاضرة عن كيفية استطاعة وقدرة أبناء الإمارات على مجرد البقاء والعيش قبل الاتحاد، وهي من القسوة بحيث لا تترك مجالاً للإنسان كي يفكر إلا بيومه وتوفير ما يلبي احتياجات حياته البسيطة، أهمية التراث الأصيل في فكر الشيخ زايد، ثقافة واطلاعاً وفهماً واستلهاماً، بما يحقق توازناً فكرياً وعملياً وسيكولوجياً بين أطياف المجتمع كافة، بما يزيد من قوتها وتلاحمها، ورصانة نسيجها الاجتماعي، ويطوّر العلاقات الإنتاجية، وتؤسس لمستقبل يرفل بالمعاصرة والأصالة، وقاد السفينة بأمان بين أمواج متلاطمة من الأفكار والتوجهات السلبية المضادة التي تنادي بنهاية التاريخ وإلغاء التراث الإنساني كله، بحيث تضيع خصوصية كل مادة وتكون النتيجة مزيجاً وخليطاً غير ذي خصوصية أيضاً. وكان من نتائج إعادة إحياء التراث في الإمارات أن اعتمدت المنظمات العالمية والإقليمية المعنية بالتراث العديد من الأماكن في الإمارات جزءاً حيّاً من التراث الإنساني. حتى غدت الإمارات الأولى عالمياً في التماسك الاجتماعي ويعيش على أرضها الطيبة، وبين أبنائها الأصلاء، مسيرة بناء الاتحاد كانت شاقة ومعقدة، رحمه الله، من خلال تأسيس الاتحاد، وتجميع وصهر كل الجهود للانطلاق إلى تحقيق الأهداف العظيمة، وتحقيق أحلام الشعب وطموحاته في غدٍ مشرق يليق به. مضيفاً إليه أصفى الأفكار والآراء معاصرة وحداثة، بنفس القدر من السعة والتجذّر. من قسوة الصحراء، ليعود إليها بعدما سطّر مجداً خالداً، ولكن ليستريح فيها قليلاً هذه المرة. يقول رحمه الله، وكلما أحسست ببعض التعب ذهبت إليها لأسترد نشاطي وحيويتي، حيث ألتقي بإخواني البدو الذين أحبهم من كل قلبي، لأن أفكارهم مازالت صافية ونقية،