هل يكون الوطن العربي مجتمعا ؟ ما هي طبيعة هذا المجتمع ؟ ان المجتمع تألف معقد يشمل بين مقوماته الأساسية الوطن - البيئة والسكان والتنظيم الاجتماعي والمؤسسات والبني ، متفاعلة فيما بينها ومع المجتمعات الأخرى عبر التاريخ . وقد تكون في الوطن العربي ( هذه الرقعة الشاسعة التي تضم حاليا اثنين وعشرين بلدا وتبلغ مساحتها خمسة ملايين وربع المليون ميل مربع ويزيد سكانها على مئة وستين مليون نسمة في مطلع الثمانينات من القرن العشرين مجتمع شديد التنوع، والمستقبل والشرق والغرب في آن واحد ، منكفى على جذوره انكفاء اصيلا ، مركزي متصل بالعالم اتصالا وثيقا وهامشي بين مجتمعات العالم الحديث ، متفائل واثق بنفسه ومتشائم متدن في معنوياته ، هو تألف كل هذه التناقضات وغيرها في عالم متناقض . ان هذا الكتاب بحث استطلاعي اجتماعي في طبيعة المجتمع العربي بهدف التعرف الى مقوماته الاساسية ، وتنظيمه الاجتماعي ، اما المقولة العامة التي يتوصل اليها الكتاب ، فهي ان المجتمع العربي مجتمع مغترب عن ذاته ويسعى جاهداً ليتجاوز اغترابه . ونقصد في هذا الفصل الى ان نمهد لكل ذلك بعرض موجز لسماته العامة ، والمنهج المتبع في دراسته مع اشارة الى محتوياته اولا : السمات العامة ينصف المجتمع العربي المعاصر بانه مجتمع متكامل ، شخصاني في علاقاته الاجتماعية ، ا - ان المجتمع العربي مجتمع متكامل بمعنى أنه يكون مجتمعا - امة ، يرى بعض الباحثين ان الوطن العربي مجموعة مجتمعات متميزة وليس مجتمعا واحدا ، كتابا حول المجتمع العربي : هل هناك مجتمع عربي ؟ ان هذه الدراسة ستتناول المجتمع العربي ككل وليس كمجرد مجموعة من الكيانات المستقلة بخلاف عدد كبير من الدراسات ( خاصة الغربية ) التي تنقيد بالأوضاع السياسية الراهنة أكثر مما تستوحي الواقع الاجتماعي. ستتناول في الفصل الثاني الهوية العربية وعوامل الوحدة والتجزئة مما يسمح بالاجابة عن هذا التساؤل . نكتفي بالقول ان علم الاجتماع درج على استعمال مصطلح و مجتمع ، ليس بالمعنى المطلق الجامد ، بل بالمعنى النسبي المرن فيمكن ان نقول بالمجتمع المصري أو العراقي او المغربي أو السوري أو اليمني في أن معا وبالمجتمع العربي الاشمل الذي يضم كل هذه المجتمعات وغيرها في مجتمع متكامل . ويمكننا ان نبحث في جانب واحد أو عدة جوانب من الحياة الاجتماعية في مجتمع معين من مجتمعات الوطن العربي ( ومعظم الدراسات الاجتماعية تتناول البلدان العربية منفردة ) ، يمكننا ان نبحث في هذه الجوانب الاجتماعية من منظور مكبر شامل ، فنصب اهتمامنا عليها في اطار المجتمع العربي ككل . ويجوز ان نستفيد ايضا من المنظورين معا فندرس ظواهر محددة في بلد عربي معين انما في اطار المجتمع العربي ككل . في هذا الكتاب ساحاول ان استفيد من المنظورين معا ، انما اريد ان اشدد على المنظور المكبر الشامل في معالجة النواحي الاجتماعية ولاسباب ساتبسط بشرحها في الفصل الثاني ، في التكرار المفتعل الذي سيحدث عندما يعمد عالم اجتماعي الى تأليف كتاب حول الاسرة العربية ، طبعا هذا لا يعني انه لا يجوز دراسة الاسرة في بلد عربي معين ، انما يعني بالضرورة ان تتم هذه الدراسة في اطار المجتمع العربي ككل . ساعالج الموضوعات الاساسية في اطار المجتمع العربي ككل ، وليس كمجموعة قائمة بذاتها ولذاتها . ان المجتمع العربي وجود متكامل ولا بد من تناوله من خلال. تستدعي هذه المعالجة دراسة الوطن العربي في الاطار العالمي والنظم العالمية المتصارعة ، فنشدد بشكل خاص على انه جزء من العالم الثالث المتخلف يشاركه في كثير من السمات والقضايا والتحديات العامة ان المجتمع العربي مجتمع متنوع في تكامله تنوعا هائلا حسب البيئة والاقليم والتنظيم الاجتماعي والوضع الاقتصادي واسلوب المعيشة والانتماء الطبقي والطائفي والاثني ومستوى التخلف والمعيشة والنظام العام السائد والثقافة والمشاكل والقضايا والأزياء الخاصة ، ويجدر بنا ان نشير نوا الى ان الوحدة لا تقوم بالضرورة على التشابه ، على التنوع المتكامل ، وللبحث في هذا التنوع العربي ، ارى ان نحلله باعتماد نموذج ذات بعدين : ا - بالامكان تصنيف المجمعات الانسانية من حيث درجة تنوعها وانسجامها حسب عملية صيرورة متدرجة يقع في احد قطبيبها ما يمكن تسميته بالمجتمع المتجانس ، وفي القطب الآخر المقابل ما يمكن تسميته بالمجمع الفسيفسائي ، يتوسطهما المجتمع التعددي ب - في وصفنا للعلاقات القائمة بين الجماعات التي يتكون منها المجتمع يمكننا ان نصفها من حيث درجة انصهارها في المجتمع حسب بعد تتمثل فيه مجموعة من اهم السياقات . الاجتماعية وهي سياقات النزاع، واذا ما ربطنا ما بين البعدين - درجة التنوع ودرجة الانصهار - يمكننا ان نقول ان عملية الانصهار تسود في المجتمع المتجانس ، وتسود عملية التعايش في المجتمع التعددي ، وتسود عملية النزاع أو التراوح بين التعايش والنزاع في المجتمع الفسيفسائي . وفي ضوء هذين البعدين والترابط بينها ، نقول ان المجتمع المتجانس ( طبعا نقصد التجانس النسبي وليس المطلق ) يتكون من جماعة واحدة منصهرة اجتماعيا وثقافيا ، وتسود في هذا المجتمع عملية الانصهار وينشأ فيه نظام ويسهل الوصول فيه الى الاجماع حول القضايا الاساسية . ليس في العالم مجتمع واحد متجانس كليا ويشكل مطلق ، انما تقترب بعض المجتمعات من هذا النمط المثالي ، واقرب المجتمعات العربية الى التجانس هو المجتمع المصري والتونسي والليبي - يرى المؤرخ المصري جمال حمدان ان مصر تشترك في مجموعة من السمات والملامح عمل تجعل منها و مخلوقا فريدا فذا حقيقة ، جغرافيا وتاريخيا واجتماعيا ، المعادلة هيغل : تجمع بين و التقرير » و « النقيض » في « تركيب متزن اصيل ، و ( امة وسطا بكل معنى الكلمة (1) . ويعتبر حمدان ان بين اهم ملامح مصر : التجانس البشري والوحدة السياسية والمركزية والاستمرارية التاريخية والتجانس الطبيعي ، لكونها اقليها زراعيا واحدا على طول النيل وواحة صحراوية . لذلك يستنتج وان مصر القوى قوة في العرب مرتين : مرة بمطلق حجمها ، وبسبب هذا التجانس يتحدث مفكر مصري آخر ، وعن ان وحدة الشعب المصري [هي] اقدم وحدة تمت لأمة ظهرت على وجه البسيطة (4) . ويساعدنا هذا التجانس في المجتمع المصري ان تشرح عدة ظواهر فريدة : منها ظهور فكرة التوحيد ( القول بإله واحد ) اولا في مصر ، والاجماع السياسي على القضايا وعلى بطل وطني ) من امثال عرابي وزغلول وعبد الناصر ) ، وقول المصريين في الوقت ذاته و بالامة المصرية ) وه الامة العربية ، دون شعور بالتناقض كما يحدث بين العراقيين والسوريين واللبنانيين ، ويكون المجتمع الفيفائي في الطرف الآخر النقيض للمجتمع المتجانس ، فهو يتألف من عدة جماعات تغلب هوياتها الخاصة على الهوية العامة وتتصف العلاقات فيما بينها بالتراوح بين عمليتي التعايش والنزاع وعدم القدرة على الاتفاق حول الاسس . ومما يرسخ الانقسامات بين هذه الجماعات ويؤدي بها الى التنازع ، وجود فروقات في الحقوق السياسية والاقتصادية والمدنية وفي المكانة الاجتماعية بالاضافة الى الفروقات في الهوية . وللتمثيل على هذا النوع من المجتمع ، يمكن اعتبار لبنان من اقرب المجتمعات العربية الى هذا النمط لكونه مؤلفا من عدة جماعات طائفية تشدد على هوياتها الخاصة على حساب الهوية اللبنانية وتتمتع فيه بعض الجماعات بامتيازات سياسية واقتصادية واجتماعية دون الجماعات الأخرى ، وقد انبثق عن هذا الواقع الاجتماعي نظام سياسي طائفي عمل بدوره على تعزيز الواقع الطائفي انطلاقا من دعوة القيادات التقليدية المسيطرة على النظام الموحدة على اساس التعايش وليس على اساس الانصهار أو الاندماج ، فازدادت الجماعات المختلفة تمسكا بين ياتها الخاصة بدل ان تتحرر منها . بسبب هذا الواقع الاجتماعي والنظام السياسي الطائفي المتبع ( والذي تمثل : بعد الاستقلال بالميثاق الوطني ) ، ظل المجتمع اللبناني مجتمعاً فسيفسائياً يتراوح بين التعايش والنزاع وقد نكب بعد الاستقلال بحربين اهليتين خلال اقل من ربع قرن وذلك سنة ١٩٥٨ ، وكمجتمع فسيفسائي يتصف لبنان بالاضافة الى ما ذكرنا بعدم الاتفاق على الاسس بما فيه الهوية اللبنانية ، وعدم قيام حوار صريح حقيقي ، وتبني انظمة تربوية ترسخ الواقع الطائفي، وارتباط القوى اللبنانية المختلفة ويتكون المجتمع التعددي من عدة جماعات تحتفظ بهوياتها الخاصة ، ولكنها تمكنت من ايجاد صيغة تؤالف بين الهوية الخاصة والهوية العامة، ومن التشديد على ضرورات الاندماج، واعتماد نظام تربوي موحد . ويتمثل هذا النمط الى حد بعيد بعدد من البلدان العربية مثل سوريا والعراق والجزائر والمغرب وغيرها التي توفر لديها تاريخ وطني كفاحي وتشكل لها وعي قومي عام وتأسس فيها نظام سياسي مركزي ، فتمكنت نسبيا من احتواء ازماتها . غير أن هذه المجتمعات التعددية قد تعالي بين فترة واخرى من ازمات داخلية بسبب تدخلات من الخارج أو بسبب تسلط الأكثرية او احدى الاقليات على مراكز القوة والجاه والثراء ، ويسبب غياب الديمقراطية واقرار التنوع . ان هذا النموذج الذي يسمح بقياس درجة التنوع داخل البلدان العربية وفي تصنيفها بين قطبي التجانس والفسيفسائية مرورا بالتعددية ، هو نموذج مرن نسبي يمكننا من وصف بلد ما بأنه اقرب الى نمط منه الى الآخر. بذلك يمكننا ان نضع مصر وتونس وليبيا في موقع اقرب الى التجانس ، وسوريا والجزائر والعراق واليمن في موقع اقرب الى التعددية ولبنان في موقع اقرب الى الفسيفسائية . وكما يسمح هذا النموذج المرن بوصف درجة التنوع أو الانسجام داخل كل بلد عربي بمفرده ، فانه يسمح لنا ايضا بتطبيقه على المجتمع العربي ككل . هذا ما ستحاول اجراء في الفصل الثاني ، ونكتفي هنا بالقول ان المجتمع العربي في الوقت الحاضر هو مجتمع متنوع حتى التجزئة المحيطة ، اكثر منه تعدديا- ان المجتمع العربي مجتمع انتقالي يشهد صراعا متأزما بين السلفية والحداثة ، بين قوى التجزئة وقوى الوحدة، وبين الطبقات الحاكمة الميسورة المتحكمة والطبقات المحكومة كافر ، وبين الوطنية والتبعية ، والعلمنة (ال) الخطب المحرومة المغلوبة . ان المجتمع العربي في حالة مواجهة وصراع بين قوى والثيوقراطية الغيبية، بعد نوم عميق لعدة قرون مظلمة . بعد أكثر من قرن ، تصدق علينا دعوة 2 ابراهيم اليازجي رغم كل الانجازات التي لا يجوز انكارها : تنبهوا و واستفيقوا ايها العرب فقد مس (1) جو دانية القط ينبثق المجتمع العربي جاهدا من تحت ركامات التاريخ متأثرا باللقاء مع الغرب انها بالرغم منه وبالتصادم والصراع معه ايضا . انه يتجدد رغم عوائق عدة داخلية وخارجية ، منها هذا الاصرار الاستعماري المتجدد على السيطرة اسرائيل هي امتداد لهذا الاستعمار، وهذه الطبقات التي تصر على امتيازاتها وتمارس الاستغلال والقهر . سمارة ان المجتمع العربي يتغير بسبب تناقضاته الداخلية ومع الخارج ، وبسبب موارده المادية ارية والبشرية، وليس فقط بسبب انتشار المقتبسات من الخارج. انه يشهد مواجهة وصراعاً حادين في الداخل والخارج فلا يستعير ويقتبس ويقلد فحسب ، ولأن المجتمع العربي في مرحلة انتقالية متأزمة ، منجد حين نستعرض منهج هذه الدراسة ، ان التعميمات المستمدة من التقاليد وحدها او من مظاهر التجدد بحد ذاتها ، قليل بسبب حملة الاطباء الاولية تعميمات بسيطة و أو تعلم امة - هيرة في البادية الى المدينة ٤ - ان المجتمع الغربي مجتمع متخلف ، وهو جزء من العالم الثالث يكافح بوسائله الخاصة للتحرر من الاستعمار باشكاله المعلنة والخفية ولتنمية موارده الانسانية والطبيعية . وبين اهم ظواهر التخلف ما يلي ( نصفها هنا باقتضاب على ان نتوسع في معالجتها خاصة في القسم ا - ظاهرة التبعية المتجلية بعدم سيطرته على موارده ومصيره ويوجود فجوة حضارية تفصل بينه وبين المجتمعات المتقدمة ، فمارست المجتمعات المتقدمة عليه وضده ، مقابل هذه الهيمنة يكافح العرب في سبيل التحرر وردم الفجوة الحضارية وانماء قدراتهم ومواردهم ) . ب - ظاهرة الفقر المتجلية بوجود فجوة عميقة واسعة بين الطبقات الميسورة والطبقات المحرومة الكادحة. في الوقت الذي يمتلك العرب ثروات طائلة ، تعيش نسبة مهمة من الشعب العربي في حالة فقر ساحق . في ظل هذه البنية الطبقية الهرمية يعاني الشعب من حالة تبعية داخلية شبيهة بالتبعية الخارجية فتمارس عليه وضده مختلف انواع الاستغلال والقهر والاذلال . بذلك يعاني الشعب من تبعية مزدوجة . ان الاستعمار يسيطر على كثير من البلدان العربية بواسطة الطبقات الحاكمة الميسورة التي تسيطر بدورها ، على كذلك تكون عملية التحرير (۸) الطبقات المحرومة الكادحة . ج - ظاهرة سلطوية الانظمة السائدة المعادية للانسان . ان الانظمة والبني والاتجاهات السائدة لا تشرك الشعب في صنع مصيره وتعتدي على حقوقه ولا تعمل في سبيل نموه وتجاوز اوضاعه . مغلوب على امره ، ومأخوذ بتأمين حاجاته الآنية فتسيطر في حياته قيم مجرد المعيشة والاستمرار . وفي ظل هذه الانظمة السلطوية يعيش الانسان في المجتمع العربي على هامش الوجود لا في الصميم ، وتحتل الاشياء والسلع والمقتنيات والاهتمامات السطحية روحه وفكره ، يقيم علاقات ، انما - هي في جوهرها علاقات اقتناص وذعر . انه يعيش على هامش الوجود وليس في صميمه قلقا حذرا باستمرار من احتمالات السقوط والفشل . وبينما تتضخم الاشياء حوله ، يتقلص هو في الداخل الي زواج ه - ان المجتمع العربي يعاني من حالة الاغتراب عن ذاته . وعجز المجتمع في مجابهة التحديات التاريخية ، كشفت هذه الأمور وغيرها ليس عن اغتراب الافراد والجماعات كما اظهرنا اعلاه بل عن اغتراب المجتمع العربي بالذات . واقصد باغتراب المجتمع عن ذاته ثلاثة امور هي : عدم سيطرة المجتمع على موارده ومصيره ؛ وتداعي المجتمع من الداخل حتى ليبدو وكأنه فقد محوره وصميمه ، وسيطرة المؤسسات على المجتمع بدلا من سيطرته عليها . ا - اصبح واضحا ان المجتمع العربي لا يسيطر على موارده وثرواته فتستغل ، لصالح فئات قليلة في الداخل ولصالح دول اخرى بينها دول معادية له . ومما يزيد من عمق المعاناة ان العائدات العربية تنفق في مجالات الاستهلاك اكثر مما تنفق في مجالات الانتاج وتحقيق الامكانات واغناء الانسان . ب - اصبح واضحا ، ان الانظمة والحركات القومية والاشتراكية العربية فشلت حتى الآن ليس فقط في تحقيق الوحدة ، من هنا هذا الانطباع بان المجتمع العربي لا يملك حاليا محورا وارادة وغاية . ج - كذلك يبدو واضحا ان المجتمع فقد سيطرته على مؤسساته ، ثم ان السلطة السياسية تهيمن على مزيد من المؤسسات الثقافية والتربوية والدينية والنقابية تعتبر ان المجتمع العربي ، وحتى يستعيد المجتمع سيطرته على مؤسساته وموارده ، - ان المجتمع العربي مجتمع توده العلاقات الاجتماعية الوثيقة الشخصانية . ان المؤون العلاقات الاجتماعية في المجتمع العربي ما تزال في غالبيتها وحتى في المدن علاقات أولية (Primary Group Relations) اي علاقات شخصانية وثيقة ، فئوية يستمد منها الفرد اكتفاء ودفنا واطمئنانا نفسيا ، ويلتزم من خلالها التزاما كليا بالاقرباء والمقربين في حياته. وتتعارض هذه العلاقات مع العلاقات الثانوية ( Secondary Group (Relations السائدة في المجتمعات الصناعية ( خاصة الرأسمالية ) وهي علاقات لا شخصانية ، دونما التزام بالآخر فيستمد الفرد اكتفاءه ليس من علاقاته بالآخرين بل من انجازاته ونفوذه ومكانته بالدرجة الأولى . فيما يسير الناس جماعات في شوارع المدن العربية وازقتها . وقد عجبت ان الكثيرين من الناس في شوارع نيويورك يتحدث احدهم مع نفسه بصوت مسموع وليس مع هذه الجموع الهائلة حوله . ان المسافات النفسية الاجتماعية بين الناس في الغرب متباعدة حتى كأن المجتمع هو مجموعة من الجزر البشرية . في نوعية العلاقات الاجتماعية ما يلي : فيها يشكو بعض العرب من شدة الاندماج العائلي ، فيما يشكو بعض العرب من ضرورات الالتزام بالآخرين وغياب الحياة الخاصة والعيش بموجب توقعاتهم حتى الخوف من كلام الناس والفضيحة ، فيما تحتل الجماعات الوسيطة بين الفرد والمجتمع ككل ( القبيلة، ) مركزا مرموقا في حياة العرب الاجتماعية فلا تستطيع المؤسسات العامة التي تمثل المجتمع ( الدولة مثلا ) ان تصل الى الافراد الا من خلال هذه الجماعات ، نجد ان الدولة في المجتمعات الغربية الصناعية تقيم علاقات مباشرة مع الافراد وليس من خلال الجماعات التقليدية وان كان للتنظيمات الحديثة ( مثل النقابة والحزب والجماعة الضاغطة ) دور فعال في التوسط بين الانسان - الفرد والمجتمع . فيما توسط التنظيمات الحديثة المهنية في المجتمعات الصناعية النامية بين الفرد والمجتمع متمثلاً بمؤسساته العامة ، نجد ان الجماعات التقليدية هي التي تتوسط بين الفرد والمجتمع العربي ، غير ان توسع المدن والهجرة والتعليم ونشوء الدولة وازدياد توظيفها للمواطنين وهيمنتها على الحياة العامة تحد من دور الجماعات التقليدية الوسيطة ان المجتمع العربي مجتمع تعبيري ، اذ يعبر الأفراد والجماعات تعبيرا عفويا عن مشاعر المحبة أو البغض، يمكننا ان نقول بوجود ميل واضح نحو نزعة المحاسبة Manipulativeness في العلاقات الاجتماعية في المجتمعات الصناعية الرأسمالية ، ويوجود ميل واضح نحو النزعة التعبيرية في المجتمعات المتخلفة ومنها المجتمع العربي . فيما يميل العرب في علاقاتهم الاجتماعية للتعبير عن مشاعرهم. وعواطفهم والافكار التي تخطر لهم دون كثير من التحفظ ، وخاصة بين الطبقات البرجوازية ، اذ تزداد الحاجة الى مزيد من الربط بين الوسائل والغايات هذه هي بعض السمات العامة للمجتمع العربي ذكرناها هنا باقتضاب على ان نتوسع في وصفها مع غيرها من السمات في الاقسام اللاحقة من الكتاب وفي محتواها الاجتماعي العام والخاص . لا بد من الاشارة الى ضرورة النظر الى هذه السمات على انها متغيرة متحولة في مرحلة انتقالية من تاريخ المجتمع العربي ؛ ثانيا : مقومات المجتمع العربي : البيئة والسكان والتفاعل بينهما نفهم من مقومات المجتمع العربي تلك العناصر الاساسية التي يتكون منها ويرتكز عليها ، والنظم والمؤسسات والبنى الاجتماعية ، وانماط الانتاج والمعيشة ، والعمليات أو السياقات الاجتماعية ، علينا ان نتناولها على مستويات ثلاثة : مستوى البني والنظم والمؤسسات الاجتماعية والمخاط الانتاج والمعيشة وتوزيع العمل . أي القيم والتقاليد واللغة والرموز والاتجاهات الفكرية والفنية ووسائل العمل ، الخ وفي هذا الفصل سنكتفي بتناول مقومات البيئة والسكان على ان نتناول بقية المقومات الاساسية في الفصول والاقسام اللاحقة . يتألف الوطن العربي ( الذي يشغل مساحات شاسعة في وسط العالم تصل آسيا وافريقيا واوروبا ) من بيئات ومناخات واقاليم متنوعة تشمل - فيما تشمل - المناطق والاقاليم التالية : ا - المناطق الصحراوية وشبه الصحراوية وهي تشكل ما يزيد على ٨٠ بالمائة من مجمل مساحة الوطن العربي. ويسيطر الجفاف في معظم هذه المناطق بسبب الضغط العالي ، الأمر الذي يمكن اعتباره سببا رئيسيا من اسباب نشوء الصحاري ب - السهول الساحلية التي توازي المحيط الاطلسي ، وتحتضن البحر المتوسط على طول شمال افريقيا وغربي سوريا الطبيعية كانما تدعي أمومته ، وتمتد موازية للبحر الأحمر والبحر العربي والخليج. وتتأثر الاجزاء الشمالية من المغرب العربي وشواطىء المتوسط الشرقية والمناطق الغربية من الجزيرة العربية الموازية للبحر الاحمر بضغط منخفض ينتج عنه شتاء ممطر مع اعتدال درجة الحرارة وصيف جاف مع ارتفاع درجة الحرارة ج - الهضاب التي يزيد ارتفاعها على ۱۵۰۰ قدم فوق سطح البحر ، د - السهول الفيضية الداخلية التي كونتها الانهر مثل سهول النيل في مصر والسودان ، وسهول الليطاني والعاصي في لبنان وسوريا . وتجاه حالة الجفاف في المناطق الصحراوية والاعتماد على المطر من أجل الري في مناطق اخرى مثل المغرب وفلسطين ولبنان وسوريا ، هـ - المرتفعات الجبلية وتشمل الاطلسي في شمال غربي افريقيا ،