ً الكثريون بني قراء العربية، صاحب كتاب «الأبطال» الذي عقد فيه فصلا عن النبي محمد وجعله نموذج البطولة النبوية بني أبطال العالم الذين اختارهم للوصف والتدليل. وإنا لنتذاكر آراءه ومواضع ثنائه على النبي، إذ بدرت من أحد الحاضرين الغرباء عن الرهط كلمة نابية غضبنا لها واستنكرناها ملا فيها من سوء الأدب وسوء الذوق وكان الفتى الذي بدرت منه الكلمة متحذلقً ا، أن التطاول على الأنبياء من لوازم الاطلاع على الفلسفة والعلوم الحديثة . فحواه أن بطولة محمد إنما هي بطولة سيف َّ قلت: «ويحك! . ما سو َّ غ أحد السيف كما سوغته أنت بهذه القولة النابية!» وقال صديقنا املازني: «بل السيف أكرم من هذا، وإنما سوغ صاحبنا شيئًا آخر وأشار إلى قدمه!» ِدي، وارتفعت لهجة النقاش هنيهة، ثم هدأت بخروج الفتى صاحب الكلمة من النَّ أو خيِّل إليه أنه مقبول. وتساءلنا: ما بالنا نقنع بتمجيد «كارليل» للنبي، نفهمه، ولا يعرف الإسلام كما نعرفه . ثم سألني بعض الإخوان: «ما بالك أنت يا فلان قلت: «أفعل . َّ ولكنه لم يتم في وقت قريب . فكتبت السطر الأخري فيه يوم مولد النبي على حسب الشهور الهجرية، مني ولا من أحد؛ والخرية كذلك في هذا التأخري. فإنني لو كتبته يومئذ لعدت إلى كتابته الآن من جديد، واحتجت إلى السنني الثلاثني إذ هو عمر يستطيع املرء أن يمتلئ فيه إعجابًا بمحمد؛ لأنه عمر الإعجاب والحماسة الروحية، بيد أنه لا يستطيع أن يقيسه بمقياسه وأن يشعر بشعوره في مثل تجاربه، التي اضطلع فيها بالرسالة وإن تقارب السن هنا لضرورة لا غنى عنها لتقريب ذلك الشأو البعيد من شتى نواحيه. أين كنا قبل تلك السنني الثلاثني؟! كم وسواس . كم زلزال كم، وكم في ثلاثني سنة مما يطرق ً نفسا لا تعفيها الحياة من التجارب والعوارض ملحة عني في نهار . وكم لذلك كله من أثر الذي كان يحلم يومئذ بالعظمة في كل أوج، الخرية في ذلك التأخري. لا نقول إننا ولكننا نقول إننا كأننا شرعنا في كتابته مساء تلك الأقاويل، ونظرنا اتفاقًا، بأطول الفصول فيه الفصلان اللذان شرحنا فيهما موقف محمد من الحرب ومن الحياة الزوجية؛ في كل ما ردده سفهاء الشانئني من الأصلاء واملقتدين في هذا الباب . فسريى القارئ أن «عبقرية محمد» عنوان يؤدي معناه في حدوده املقصودة، يتعداها. فليس الكتاب سرية نبوية جديدة، التي يقال إنه استنفد كل الاستنفاد. ً وليس الكتاب شرح ً ا للإسلام أو لبعض أحكامه، أو مجادلة لخصومه وقدرة عليها. املسلم وكفى، وكفى. فمحمد هنا عظيم؛ لأنه على خلق عظيم . وإيتاء العظمة حقها لازم في كل آونة، ولكنه في هذا الزمن وفي لسببني متقاربني لا لسبب واحد: أحدهما: أن العالم ولن يتاح ملصلح أن يهدي قومه وهو مغموط الحق، ً . فإن شيوع الحقوق العامة قد أغرى أناسا من صغار النفوس بإنكار الحقوق الخاصة، حقوق العلية النادرين الذين ينصفهم التمييز، وتظلمهم املساواة . واملساواة هي شرعة ولقد جار هذا الفهم الخاطئ للمساواة على حقوق العظماء السابقني، ثم أغرى الناس بالجور بعد الجور غرورهم بطرائف واعتقادهم أنه قد أتى بالجديد الناسخ للقديم في كل شيء . يرون أن البخار يلغي الشراع، وأبني عن الفضل من الاختراع الذي تلاه، وينظرون إلى أقطاب الدنيا كأن الأصل في النظر إليهم أن يتجنوا عليهم ويثلبوا كرامتهم، ولا يثوبوا إلى الاعتراف لهم بالفضل إلا مكرهني . بعد أن تفرغ عندهم وسائل ِ هذه الآفة ح َّطةٌ تهبط بالخلق الإنساني إلى الحضيض، فماذا يساوي إنسان لا يساوي الإنسان العظيم شيئًا لديه؟ . وأي معرفة بحق من العظيم بني أناس، َو ْت فيه مقاييس التقدير . تَ نافعا في هذا الزمن الذي الْ ِّ إنه لنافع ملن يقد ً رون محمد ِّ ا، وليس بنافع ملحمد أن يقدروه؛ ولا ينال منه بغي الجهلاء، ً يحب محمدا مرتني: مرة بحكم دينه الذي لا يشاركه فيه غريه، الإنسانية التي يشترك فيها جميع الناس. عظيم في ميزان الدين، وعظيم في ميزان العلم، وعظيم في ميزان الشعور، وعظيم عند من يختلفون في العقائد، إلا أن يَ الطبائع فتنحرف عن السواء وهي خاسرة بانحرافها، ولم تكن أصناما كأصنام يونان، يحسب للمعجب بها ذوق الجمال إن فاته أن يحسب له هدى الضمري . ولكنها أصنام فنقلهم محمد من عبادة عبادة خالق الكون الذي لا خالق سواه، كله من ركود إلى حركة، ولم ينقله هذه النقلة قبله ولا بعده أحد من أصحاب الدعوات . ٍ إن عمله هذا لكاف لتخويله املكان الأسنى بني صفوف الأخيار الخالدين، لأن العبقرية قيمة في النفس قبل أن تُبرزها الأعمال، ويكتب لها التوفيق، وهي وحدها