نسب عثمان بن عفان وكنيته اسمه عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أُميّة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مُرّة بن كعب بن لؤي بن غالب، ١] بن فهر بن مالك بن النّضر بن كنانة، ١] وقد تزوّج عثمان بن عفان -رضي الله عنه- بتسعة نساء، ٣] ويُكنّى بأبي عمرو منذ الجاهلية، فلّما دخل الإسلام وتزوّج رُقية ابنة رسول الله، ٤] وقد لُقّب بذي النورين؛ لأنه تزوّج ابنتين من بنات رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقيل لكثرة قراءته للقرآن أثناء قيام الليل، فالقيام نور والقرآن نور. ٥] صفات عثمان بن عفان وأخلاقه يتّصف عثمان -رضي الله عنه- بطوله المتوسط؛ ووجهه حسن، وشعر رأسه ولحيته كثيفين، وهو حَسَن المَبسم -رضي الله عنه-. ٦] كما اتّصف عثمان بن عفان -رضي الله عنه- بالعديد من الصفات والأخلاق الحسنة، والفقه، والقضاء، وأخذه العلم عنه، والاستفادة منه في جميعِ مجالاتِ الحياة، وأيضاً من الأحاديث التي رواها عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-. ٧] الحلم: وهو الأساس الذي ترتكز عليه الحكمة، فقد كان -رضي الله عنه- القدوة الحسنة في الحلم، والأمر الذي دفعه إلى ذلك حرصه على الحفاظ على المسلمين من الفتن، ٨] السماحة ولين الجانب: فقد كان مثالاً عظيماً في ترك الدنيا والكرم، وإيثار غيره على نفسه، ٩] وقد اتّصف بهذه الصفة رسول الله محمد، فأحبّه النّاس وأقبلوا عليه. والتي تدلّ على ترك شهواتِ النفس ورغباتها، ويُرفع مقام صاحبه عند الله -تعالى- في الآخرة. ١١] التواضع: وهو من صفات عباد الله، قال -تعالى-: (وَعِبَادُ الرَّحْمَـنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا)، فقد كان يقوم بخدمة نفسه دون أن يوقظ أحدٌ من خدمه حين يقوم بالليل للصلاة، ١٣] الحياء والعفة: فقد عُرِف بحيائه، فكان لا يضع ثيابه ليغتسل رغم أنّه وحده، وذلك من شدّة حيائه، كما كان عفيف النفس، ١٤] الكرم: فقد اشترى بئر رومة وتصدّق به للمسلمين، وجهّز جيش المسلمين في غزوة العُسرة، وكان يعتق رقبة في كل جمعة، وكان أجود النّاس بالخير. ١٥] الشجاعة: فقد شهد الغزوات جميعها مع رسول الله إلا يوم بدر وكان ذلك بأمرٍ من رسول الله، ولمّا حوصر في بيته من أجل أن يترك خلافة المسلمين، وهُدّد بتركها أو قتله، كان صامداً أمامهم ولم يتنازل لهم عمّا يريدوه. فقال له: "ويحك يا عثمان! إنّك رجل حازم، ما يخفى عليك الحق من الباطل". ١٧] الصبر والعدل: فقد صبر واحتسب وقدّم نفسه فداءً من أجل الدِّفاع عن الإسلام وأهله، كثير الصّيام والقيام، يُقبل النّاس عليه لمحبتهم له. ٦] التيسير على المَدِين منه بإسقاط الدين عنه: كما أسقط دين طلحة بن عبيد الله حينما أتاه ليردَّ له ماله، وقال له: "هو لك معونة على مروءتك". ٢٠] إطعام الطعام: فكان يضع الطعام في المسجد في رمضان لمن يريد أن يأكل منه. وبيّن لهما الجزاء المترتب على الإسلام من الله -تعالى-، فصدّقا برسالته وآمنا بدعوته، وأخبر عثمان أنّه لما كان قادماً من الشام إلى مكة وبينما هو نائم، إذ برجلٍ يُنادي ويخبرهم بخروج محمد، فلمّا قدم إلى مكة سمع برسول الله فأتى إليه، ٢١] وقيل إنّه له خالة اسمها سُعدى كانت قد أخبرته عن شأن محمد، وبينما هو جالس يفكّر أقبل عليه أبو بكر الصديق فسأله عن أمره، فقال أبو بكر: "ويحك يا عثمان، إنك لرجل حازم ما يخفى عليك الحق من الباطل، ما هذه الأوثان التي يعبدها قومنا؟ أليست حجارة صم لا تسمع ولا تبصر، ولا تضرّ ولا تنفع"؟ فدعاه إلى أن يسمع من رسول الله، ولم يلبث إلّا أن مرَّ رسول الله برفقة عليّ يحمل ثوباً، فجاء رسول الله إلى عثمان ودعاه إلى الإسلام، فقبل دعوته ودخل في الإسلام. ٢٢] وهاجر إلى الحبشة وإلى المدينة. ٢٣] وهو أوّل من هاجر بأهله بعد نبيّ الله لوط -عليه السّلام-، ٢٤] فلمّا اشتدّ إيذاء قريش للصحابة في السنة الخامسة من البعثة أمرهم رسول الله بالهجرة إلى الحبشة، حفاظاً على دينهم، ومن أجل التخلّص من أذى قريش، وكان عثمان ممن هاجروا إلى الحبشة برفقة زوجته رقية بنت رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، وبعدما وصلهم خبر إسلام عمر بن الخطاب وأهل مكة عادوا إلى مكة، فلمّا اقتربوا منها علموا أن ما وصلهم من الأخبار كان كذباً، فمنهم من دخل مكة ومنهم من عاد، فكان عثمان ممن دخلها ولازَم رسول الله فيها وكان يدعو إلى الإسلام، حتى أمر رسول الله أصحابه بالهجرة إلى المدينة المنورة، فسُمّي صاحب الهجرتين؛ الهجرة إلى الحبشة، وهاجرت معه إلى الحبشة، وبعد ذلك أخذها وهاجرا إلى المدينة المنورة، وفي السنة الثانية من الهجرة مرِضت رقية، ولمّا حان وقت غزوة بدر أبقاه رسول الله عند زوجته ليقوم بتمريضها ورعايتها، فما عاد رسول الله وصحابته من الغزوة إلّا وكانت قد انتقلت إلى رحمةِ ربّها، ولم تُنجب له، أنجبن له ستةَ عشر ابناً:[٣] رقيّة، وعمر، أمّ كلثوم، ولم تنجب. ويجدر بالذّكر أنّه لم يجمع بينهنّ جميعاً في نفس الوقت؛ فلا يجوز في الشريعة الإسلامية للرجل أن يجمع بين أكثر من أربع نساء في الوقت ذاته، فكان -رضي الله عنه- إن ماتت له زوجة تزوّج أخرى. فلم يشهد عثمان الغزوة لهذا السبب، أمّا بيعة الرضوان فقد كان حينها مبعوثاً من قبل رسول الله إلى مكة المكرمة؛ ليدعوهم إلى الإسلام، وفي اللحظة الأخيرة قبل البدء بالبيعة علم أنّ ذلك الخبر إشاعة، لكنّه أتمّ البيعة لأنها كانت خيراً، وضرب بيده الأخرى وقال: "هذه لعثمان"، قال -تعالى-: (لَّقَدْ رَضِيَ اللَّـهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ)، ٣٢] وقام عثمان بن عفان بشراء بئر رومة الذي كان مِلكاً لرجلٍ يهوديّ بعشرين ألف درهم، وجعله صدقةً للمسلمين ينتفعون منه، فقدّم ثلاثمئة بعيرٍ وألف درهمٍ، فقال رسول الله: (ما ضرَّ عثمانَ ما عَمِلَ بعدَ اليومِ)، ٣٥][٣٦] ولمّا رأى النبيّ أنّ المسجد النبوي لم يعد يتّسع لأعداد المُسلمين القادمين إليه من أجل الصلواتِ الخمس والاستماعِ لخُطب النبيِّ -صلّى الله عليه وسلّم-، وانطلاق جيوش الغزواتِ منه، أراد أن يشتري أرضاً ناحية المسجد ويقوم بضمّها إليه، فقال لأصحابه: (مَن يَشتَري بُقعَةَ آلِ فُلانٍ فيَزِيدَها في المسجِدِ بخيرٍ له منها في الجنَّةِ)، ٣٧] فاشتراها عثمان -رضي الله عنه-. والنصحية للمسلمين، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وزيد بن ثابت، وهم الفقهاء من الصحابة، ٤٠] ولمّا كان أبو بكر الصديق يحتضر للموت أحضر عثمان لِيُملي عليه وصيّته، ولما كاد يذكر اسم الخليفة من بعده أُغشيَ عليه، فلمّا أفاق سأله عمّن كتب، فقال له: عمر، وقال ابن عمر أنّ المراد بقوله -تعالى-: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ)، فجاء النّاس إليه يشكون الشّدة التي أصابتهم، فتوجه الناس إليه يطلبون منه الشراء من الطعام، فقالوا: "لكل عشرة اثنا عشر"، قالوا: "من الذي زادك"؟ قال: "زادني الله بكل درهم عشرة"، وبيده قضيب من نور، فقال له رسول الله أنّ الله -تعالى- قد قبل الصدقة من عثمان وزوّجه عروساً من الجنّة، ليعلم من منهم يأخذ من أموال بيت المال، ٤٢] وأهل الشورى هم: عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقاص، وقد جعل عمر الخلافة من بعده لأحدٍ من هؤلاء، فقام عبد الرحمن بن عوف إلى النّاس واستشارهم، فقال: "لم أرَ الناس يعدلون بعثمان أحداً"، فكانت الخلافة له بالاتّفاق، ٤٦] وفي السنة الثالثة والعشرين أذِن عمر لزوجاتِ النبيِّ بالخروج إلى الحج، فأرسل معهنّ عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف، فكان عثمان يسير أمامهنّ وعبد الرحمن خلفهنّ، فينزلان قبلهنّ في الشِّعاب، ولا يدعان أحداً يمرُّ عليهنّ. ٤٧] خلافة عثمان بن عفان تولّى عثمان الخلافة بعد عمر بن الخطاب، فتشاورا وأجمعوا على عثمان بن عفان، فقد فُتحت الري، واصطخر، وتوسّع المسجد النبوي، وانتشر الإسلام، وطال العهد وابتعد عن عهدِ رسول الله، وأصبح أهل كل بلدٍ يأخذون القرآن عن قراءة من اشتُهرت قراءته من الصحابة في بلدهم، فوقع النّاس في خلافٍ على أمر القراءة، فكادت الفتنة أن تقع بين الناس. ٤٩] وكان ذلك في السنة الثلاثين من الهجرة، فقام عثمان بجمع المصحف ووضعه بين دفّتين معتمداً على المصحف الذي جمعه أبو بكر الصديق، وأمر بنسخ مصحف أبي بكر وضبطه وفق لهجة قريش، ووزَّعها على الأمصار، الرسم العثماني، ٥١] نشأة الاسطول الإسلامي كان معاوية قد اقترح على عمر بن الخطاب أثناء خلافته بناء أسطولٍ بحريٍّ إسلامي، لكن عمر عارض ذلك، وبقي معاوية مُصرّاً على ذلك حتى تُوفّيَ عمر وتولّى الخلافة عثمان، فعرض معاوية الأمر عليه فعارض عثمان ذلك أيضاً بناءً على معارضة عمر لذلك، ولأنه كان يعلم حرص عمر على تحقيق الأمن للمسلمين، فكان رأي عثمان مثل رأي عمر، لكنّ معاوية ظلّ متمسّكاً بإلحاحه على عثمان حتى أخذ منه الموافقة، وكانت بشرط أن لا يُجبر أحداً من المسلمين على خوض غمار الغزو في البحر، مع أخذه لجميع الاحتياطات في ذلك، فوافق معاوية وأخذ بإنشائه. ٥٢] واستعان معاوية بعبد الله بن أبي السرح والي مصر، وذلك لأنّ مصر كان فيها معامل صناعة السفن، بالإضافة إلى وجود العمال المُدرّبين على ذلك، فطلب أهلها المصالحة مع المسلمين، فوضع عليهم معاوية الجزية، واشترط عليهم إخبار المسلمين بالاعتداءات القادمة نحوهم من الرّوم، وأن يسمحوا لجيوش المسلمين بالمرور من جزيرتهم إذا احتاج الأمر لذلك، فقام معاوية بغزوها مرة أخرى وضمّها إلى الدول التي تقع تحت الخلافة الإسلامية، وخاض في البحر أيضاً معركة ذات الصواري التي انتهت بنصر المسلمين ضد البيزنطيّين. ٥٣] زيادته في المسجد النبوي أول توسعة للمسجد النبوي كانت في عهد رسول الله حين حثّ صحابته على الصّدقة من أجلِ ذلك، فقام عثمان بن عفان بتولّي تكلفة التوسيع، ٥٤] ثمّ في عهد عثمان شكى المسلمون إليه ضيق المسجد النبوي، وأنّه أصبح لا يسعهم وخاصّةً يوم الجمعة حين يجتمعون لأداء الصلاة، فجمع عثمان بن عفان أهل المشورة واستشارهم في توسيع المسجد فوافقوه. ٥٥] فصلّى بالناس وصعد إلى المنبر يخطب بهم، وأشهد أني سمعت رسول اللَّه -صلّى اللَّه عليه وسلم- يقول: من بنى مسجداً بنى اللَّه له بيتاً في الجنة، وإمام سبقني وتقدمني عمر بن الخطاب، كان قد زاد فيه وبناه، وقد شاورت أهل الرأي من أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأجمعوا على هدمه وبنائه وتوسيعه"، فلمّا سمع المسلمون بذلك فرحوا ودعوا له، وصنع الأسقف من الساج، وجعل في الجدران من الأعلى نوافذ. ٥٦] زيادته في المسجد الحرام كان المسجد الحرام في عهد رسول الله وأبي بكر يضمُّ الكعبة وحولها فناء ليطوف الناس فيه، ولم يكن يفصل بين المسجد والبيوت من حوله أي فاصل، وضمَّ أرضها إلى المسجد، وبنى حوله جداراً قصيراً، فكان عمر بن الخطاب أول من اتخذ جداراً للمسجد الحرام، فكان عثمان أوّل من اتّخذ الأروقة للمسجد، ٥٧] وكان ذلك في السنةِ السادسةِ والعشرين من الهجرة، وقد بلغ مقدار ما قام بتوسعته ثمانمئةٍ وتسعاً وستّين متراً. ٥٨] تحويل الساحل من الشعيبة إلى جدة طلب النّاس من عثمان أن يقوم بتحويل الساحل من الشعيبة إلى جدّة، فاغتسل واغتسلوا، وكان ذلك في السنةِ السادسةِ والعشرين من الهجرة. ٦٠] مناقب وفضائل عثمان ابن عفان تحلّى عثمان بن عفان بالكثير من فضائل الأخلاق ومكارمها، كَاشِفًا عن فَخِذَيْهِ، فَتَحَدَّثَ، فَجَلَسَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، قالَ مُحَمَّدٌ: وَلَا أَقُولُ ذلكَ في يَومٍ وَاحِدٍ، فَدَخَلَ فَتَحَدَّثَ، وقد قرأة كاملاً في ركعةٍ واحدة في الصلاة، ٦٥][٦٦] وكان أعلم الصّحابة بالمناسك. ٦٦] أحد الستّة الذين تُوفّي رسول الله وهو عنهم راضٍ، وأحد الذين جمعوا القرآن في حياة رسول الله وحفظوه.