أولاً: أن الكتاب المقدس قد حوى بين دفتيه كل ما يحتاجه الإنسان في الدنيا والآخرة؛ وعلى الناس أن يقبلوا هذا التفسير دون تفكير أو مقاومة. الوقوف عنده أو مدارسته. ومن ثم فإن لهم تعذيب مَنْ يقاوم أفكارهم، وإثابة مَنْ يطيعهم؛ كما يفعل الله بالنسبة للناس تماما. رابعا : بُنيت المسيحية على المعجزات والخوارق التي جاء بها السيد المسيح والمعجزات والخوارق من طبيعتها أن تخالف قوانين الطبيعة والأسس العلمية، فقد اتَّخَذُوا جانبها وحاربوا العلوم؛ خامسا: اتجهت النصوص المسيحية إلى ترك الدنيا، فقد اتجهت أفكار رجال الدين المعارضة هذه العلوم ). ومن هنا حاربت الكنيسة مختلف العلوم، كما حاربت العلماء، وأَلْقَتْ بالبعض في مغارات، لا يطلع عليها أحد؛ وقد ظلت الكنيسة تتبع هذه السياسة فترات طويلة، فلما أهل عصر الحرية، ولم تجد الكنيسة في مقدورها أن تحرق الكتب أو تسجنها ؛ أو الكتب التي تكشف سوءات الكنيسة، وهكذا قضى رجال الكنيسة المسيحية على الثورة الحضارية الضخمة التي كونها العالم طيلة عدة وهكذا - أيضًا - استغل هؤلاء الناس الأديان فانحرفوا بها، وبدلاً من أن تكون مشاعل نور، جعلوها وسائل للجهل والظلام (۳). ومن ناحية أخرى فقد ثارت حول الديانة المسيحية وفي صميمها مجادلات كلامية وسفسطة من الجدل العقيم، وابتلعت قدرتها العملية، وتحولت في كثير من الأحيان حروبا دامية وقتلاً وتدميرًا وتعذيبا، وأقحمت البلاد في حرب أهلية، وكان أشد مظاهر هذا الخلاف الديني ما كان بين نصارى الشام والدولة الرومية، وبين نصارى مصر، أو بين الملكانية) و(المنوفيسية) بلفظ أدق، فكان شعار الملكانية عقيدة ازدواج طبيعة المسيح، وهي الإلهية، وقد اشتد هذا الخلاف بين الحزبين في القرنين السادس والسابع؛ أو كأنه خلاف بين اليهود والنصارى، (1) وكان للسادة كافة الحقوق، أما العبيد فلم تكن لهم حقوق مدنية على الإطلاق، والحق أن القانون الروماني كان يتردد في أن يُطلق عليه لفظ شخص (Person)، ثم خرج أخيرا من هذه الورطة بأن سماه إنسانًا غير شخصي، أو يرث، وكان أبناؤه كلهم يُعدُّون أبناء غير شرعيين، كما أن أبناء الجارية كانوا يُعدُّون كلهم عبيدا ولو كان أبوهم من الأحرار، وكان الذي يحق له أن يُقَاضِي مَنْ يتسبب في إيذاء العبد هو سيده. وكان لهذا السيد أن يضربه، ويحكم عليه أن يُقاتل الوحوش في البرية، ويُعرضه للموت جوعا، أو يقتله لسبب أو لغير سبب، من غير أن تكون عليه رقابة إلا رقابة الرأي العام المكون من ملاك العبيد. من العبيد الآبقين، وإذا ما استفز العبد عَمَل من هذه الأعمال أو غيرها فقتل وأنه صلب سيده، ولكن المجلس أصر على تنفيذ القانون؛ اعتقادا منه أن السيد لا يكون آمنا على نفسه من عبيده إلا بمثل هذه القسوة (٢). ولقد منح القانون الروماني للمالك الحق في إماتة عبده أو استحيائه، وكثر الرقيق في عهدهم حتى ذكر بعض مؤرخيهم أن الأرقاء في الممالك الرومانية يبلغون ثلاثة